خبر مهامة خلاص وانقاذ - معاريف

الساعة 12:27 م|26 مايو 2017

فلسطين اليوم

بقلم: كارني الداد

بعد خمسين سنة من تحريرنا / احتلالنا الاكبر في الزمن الحديث، بعد لحظة من يوم القدس وفي الاسبوع الذي نحيي فيه انتصار الايام الستة، حان الوقت لان نقف ونرى ما فعلته بنا تلك الحرب اياها. مع ما اعتبر في حينه معجزة، اصبح في نظر قسم كبير من الشعب عبئا، إذ مع الاراضي جاء أيضا الفلسطينيون ومعهم تعقيدات لا نهاية لها: اخلاقية، سياسية، حزبية وامنية.

ميخاد غودمان أحد المفكرين الاسرائيليين الرواد في عصرنا، ينظر الى هذه التعقيدات بشجاعة. في كتابه الجديد « شرك 67 »، يتصدى لهذه المسائل العويصة، بعد نصف قرن من حرب الايام الستة. وهو يفعل ذلك بسحر ولطف ورحمة كثيرة. نقطة نظره الى الشرك صادقة، منفتحة ومستقيمة النظر، وقراء الكتاب، من اليمين ومن اليسار سرعان ما سيفهمون بانهم لا يوجد لهم ما يمكن ان يقلقوا به ويمكنهم أن يزيلوا الحمايات التلقائية التي نتغلف بها عندما نتحدث عن « النزاع ». يجيد غودمان وصف النزاع الداخلي في كل واحد من المناهج والتحولات التي اجتازها اليمين واليسار على التوزاي، الى ان وصلنا الى هنا – الصدام المحتم والهوة الفاغرة بيننا.

ثلاثة اجزاء يوجد للكتاب: الايديولوجيات من اليمين ومن اليسار، حجج الفكرتين، والقسم الثالث، على نحو مفاجيء يعرض حلولا محتملة للشرك. يصف غودمان التغيير الذي حل باليسار عندما تحلل من فكرة الاشتراكية وانتقل الى حمل لواء السلام. اما اليمين بالتوازي فقد انتقل من الليبرالية الى المسيحانية وتحلل  اليمين العلماني. في الثمانينيات والتسعينيات كانت هاتان الايديولوجيتان تصطدمان.

« يمين وحدة البلاد ويسار السلام في البلاد ضرب الواحد الاخر وانقضا على الساحة العامة »، يكتب غودمان ويواصل الوصف كيف  أن الانتفاضتين غيرتا هذه الافكار. فقد ضربت الاولى بايديولوجيا اليمين وعززت معسكر السلام، والثانية « حطمت اليسار ليس فقط بسبب طابعها العنيف، بل اساسا بسبب التوقيت الذي اندلعت فيه: بعد اشهر من كامب ديفيد ». واذا لم يكن هذا بكاف فقد جاء فك الارتباط ليعزز اليمين الامني على حساب المسيحاني، وحلم اليسار في السلام الذي سيأتي تبدد.

في القسم الثاني يتصدى غودمان للحجج المختلفة التي تعنى بالنزاع: الامنية والديمغرافية. « من ناحية امنية محظور على اسرائيل الانسحاب من المناطق، ولكن من ناحية ديمغرافية محظور على اسرائيل ان تبقى فيها »، يكتب ليقول. « مثلما يراهن اليمين على الاغلبية القومية، يراهن اليسار على الامن القومي ». يتحدث غودمان عن الاثار الاخلاقية للحرب اياها ويدعي بان المناطق ليست محتلة، لان الاحتلال نفسه كان نتيجة العدوان الاردني وعدم الاستعداد للوصول الى تسوية. ولكن الشعب الفلسطيني محتل. اليمين يتحدث عن الارض واليسار يتحدث عن السكان. وهذا موضع يشوش العقل جدا. واذا لم يكن هذا بكاف، فثمة هوية الانسان الذي لمرات عديدة يشكل وطنه جزءا مركزيا فيه وعليه فان التنازل عن اجزاء من الوطن معناه التنازل عن هويته.

بعد أن فهمنا عمق الفجوة بين النهجين، يمكننا التوجه الى اقتراحات للحل. ولكن قبل أن نفعل ذلك (فالالاف حاولوا قبلنا وفشلوا فشلا ذريعا)، ينبغي صياغة موضوعين مبدئيين: يطلب غودمان منا التوجه الى المشكلة وكأنها مسألة تلمودية. في عالم التلمود يوجد طلب من الانسان بان يطور انصاتا وعطفا للموقف ولنقيضه، وذلك لانه « ليس النزاع الاسرائيلي العربي فقط يجرحنا، بل ان حديثنا عن النزاع يجرحنا... بالهام التقاليد التلمودية القديمة يمكن ان نحاول اعادة تأهيل الحديث الاسرائيلي الجريح ».

الامر الثاني المطلوب حسب غودمان هو اعادة صياغة المشكلة: بسبب الشرك بين التهديد الديمغرافي والتهديد الامني، حيث يزيل احد الحلين تهديدا فتاكا واحدا ويستبدله بآخر « تفكيرنا سيكون مثمرا اكثر اذا ما توقفنا عن وصف الوضع كـ »مشكلة« وبدأنا نصفه كـ »شرك« . لماذا؟ لان المشاكل ينبغي حلها، ولهذه المشكلة لا يوجد حل. ليس للشرك حل، بل من الشرك ينبغي الخلاص ». بمعنى، ان حقيقة ان لا حل للنزاع ليس سببا لتجميد وعدم عمل شي.

يمكن الاحسان للمجموعتين السكانيتين اذا ما انتقلنا من مجال الخطاب الايديولوجي الى الخطاب البراغماتي. ماذا يشبه الامر؟ التصدي الطبي لمرض عضال. احيانا لا يمكن اشفاء الانسان ولكن يمكن أن نجعل المرض العضال مقبولا. لا يدعي غودمان حل النزاع الاسرائيلي الفلسطيني بل ان يجعله فقط من فتاك الى مقبول يمكن التعايش معه. وهكذا فان الكاتب يطالبنا بتخفيض مستوى التوقعات.

          ازالة التهديد

وهنا نصل الى القسم الثالث من الكتاب والذي يأتي بعد القصف المدفعي لتهدئة روح القاريء. في القسم الاخير يعرض غودمان حلين: « التسوية الجزئية »، و « فكرة الانقسام ». وهو يشهد بان ليس لديه افكار جديدة ولكن هذه الحقيقة لا تهمنا في هذه المرحلة، فالاذن باتت منفتحة على السماء.

فكرة التسوية الجزئية تعتمد على الحقيقة العجيبة في أن المنطقة الحيوية لامن اسرائيل – غور الاردن – قليلة بالفلسطينيين، مقابل المناطق المأهولة بهم بكثافة، وغير الحيوية لدفاعنا. وعليه، فمن ناحية امنية يمكن الانسحاب من هذه المناطق والبقاء في الغور. « هكذا، بعصا سحرية ينتهي احتلال الشعب الفلسطيني دون تعريض الشعب الاسرائيلي للخطر ». بقاؤنا في الغور سيمنع تدفق اللاجئين الى يهودا والسامرة ويضمن تجريد الدولة الفلسطينية. صحيح، لن يوافق الفلسطينيون عن الاعلان على انهاء النزاع في دولة مجردة دون تلقي حق العودة، ولكننا سبق أن وافقنا على تخفيض التوقعات. فلم نأتي لانهاء النزاع بل الخلاص منه، لاعادة تنظيمه بشكل آخر.

 ليست هذه تسوية سلمية، بل مجرد تسوية تنهي الحرب. « هذه خطوة لا تزيل التهديد عن حياة الاسرائيليين (لان العنف قد ينفجر مرة اخرى) بل تزيل التهديد على حياة اسرائيل ». وبرأي غودمان هذا افضل من الوضع الحالي.

لقد احدثت الفكرة آنفة الذكر عدم ارتياح شديد لي. فحقيقة أن معظم البلدات الاسرائيلية ستنتقل الى سيطرة فلسطينية (والقليل جدا منها، هذا اذا كانت على الاطلاق ستختار العيش في دولة فلسطينية، مما يعني عمليا انها تطرد من وطنها)، لا تنال موقفا مناسبا. فهذه ليست انتقال من شقة الى اخرى، بل حسب غودمان، تغييرا للهوية. فاذا كان فك الارتباط مزق الشعب في ذاك الصيف اللعين، حين طرد 8.500 يهودي من بيوتهم ففكروا كيف ستبدو اسرائيل عندما يطرد نصف مليون نسمة. آثار مثل هذا الشرخ ومثل هذه الازمة على المجتمع غير واردة بالنسبة لي.

الحل الثاني يتحدث عن « الانقسام » وفي اساسه خطوتان: دبلوماسية واقليمية. من ناحية دبلوماسية، يجب العمل في الامم المتحدة عن اعلان عن اقامة دولة فلسطينية. نعم نعم، الا نعارض، بل ان نؤيد. فضلا  عن ذلك يجب ان ننقل الى السلطة الفلسطينية احياء شرقية معنية في القدس، بحيث نخلق لهذه الدولة عاصمة في اجزاء من القدس.

من ناحية اقليمية يجب أن نقلص الى الحدى الادنى الاحتكاك بين السكان الفلسطينيين والجيش في ظل بناء جسور وانفاق تسمح بعبور مباشر بين المناطق الفلسطينية المختلفة. هذان الجهدان سيعززان الوعي بالسيادة الفلسطينية ويقلصان عمليا انتهاك هذه السيادة. اضافة الى ذلك يجب منح مكانة مقيم للفلسطينيين الذين يسكنون في المناطق ج، وهكذا فان الفجوة بين اليهود والعرب الذين يسكنون في نفس المنطقة ستقل جدا. « النتيجة ستكون تقليص كبير للحكم على الفلسطينيين، دون أن نقلص بشكل كبير أمن الاسرائيليين ».

ماذا أفكر في هذا؟ أفكر انه جزئي، اشكالي، شجاع، حساس وصادق. يحتمل أن يكون هذا هو السبيل (او واحد مشابه له) للخلاص من الشرك. احتاج لان أنام على هذا.

كلمات دلالية