خبر وثيقة حماس في خطاب الجهاد الإسلامي. عبد الرحمن ربيع

الساعة 10:43 ص|18 مايو 2017

في كلمته بالذكرى التاسعة والستين للنكبة، ركز الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي الدكتور رمضان عبد الله على ثلاث قضايا: الأسرى، محتوى زيارة ترامب، والثوابت الفلسطينية. من الطبيعي أن يتحدث إلى الأسرى في لقاء مهم كهذا، خاصة وهم يخوضون أطول إضراب جماعي في تاريخ الحركة الأسيرة، يتعرضون للتجاهل من العدو والتآمر من صديقٍ كان من المفترض ان يكون المدافع عنهم. المتغير الأهم الذي كان واضحًا حضوره في ذهن المتحدث هو وثيقة حماس الجديدة، رغم أنه لم يذكرها بالاسم؛ إلا ان استفاضته في الحديث عن الثوابت تؤكد هذا المعنى.

ربما كان الجهاد الإسلامي أكثر القلقين ممّا تضمنته وثيقة حماس، فيما يتعلق بتطرقها إلى حدود الـ 67، حيث بررت قبولها بما أسمته « توافقًا وطنيًا »؛ الأمر الذي يرفضه الجهاد الإسلامي جملة وتفصيلًا.

رغم قناعة الجهاد الإسلامي ان دخانًا كثيفًا جاء في بنود الوثيقة، كما ظلل أيضًا حالة الإعلان عنها، ضخم خلاله هذا البند المتعلق بحل الدولتين؛ إلا أنه كان واضحًا تأثير الجناح المؤسس لحماس الرافض لحل الدولتين في صياغة الوثيقة، وهو التيار الذي أسس حركة حماس مع انطلاقة الانتفاضة الأولى 1987، وهو التيار المحافظ على نهج الاخوان المسلمين، وما زال يؤمن بأن مغادرة خندق المقاومة هو مهلكة للحركة وسلخها عن المشروع الفلسطيني برمته.

وربما يرى الجهاد أن بعض البنود والتي تتعلق بالديموقراطية والتعددية، ليست إلا تعبيرًا عن تأثير تيار متمدن داخل حماس، لكنه ما يزال متعثرًا لم يرقَ للإجابة على تحديات تلك المصطلحات التي يؤمن بها، ولم يجب بعد على التفسير الحقيقي لهذه البنود وتناقضاتها مع التفسيرات المتعددة والمتضاربة للإسلام.

وان ما يدركه الجهاد وما قد يخفف من قلقه ان ما ألحق بالوثيقة من قبول بحل الدولتين, ليست سوى أداة قدمت هدية إلى بعض الأصدقاء لخلق حالة تصدع في الحملة الدولية على « الإسلام السياسي » وكسب الوقت لتجاوز المرحلة وكبح اسرائيل من القيام بخطوات مدعومة دوليًا. رغم إدراك الجهاد الإسلامي لهذا العوامل لكنه يرى أن مكمن الخطر في ذلك أنها تعبر عن تأثير تيار في الاخوان (حماس) يطمح لأن يجني ثمار ما قدمته الحركة من تضحيات ويخشى فوات الفرصة.

رغم قناعة حركة الجهاد بذلك ووثوق أمينها العام بقوة التيار المحافظ وأمانته على مشروع حماس، إلا ان الجهاد الإسلامي أكثر من يشعر بالقلق، وقد انعكس قلقه في التعليق الحذر للحركة على وثيقة حماس، فقد كان لينًا وحاسمًا في مرتين؛ الأولى في لقاء لنائب الأمين العام مع وكالة « فلسطين اليوم »، والثانية برز فيها بوضوح سيطرة القلق والحاجة إلى الحسم في خطاب أمين عام الحركة في ذكرى النكبة، رغم عدم توجيهه رسائل لحماس بالاسم في الخطاب.

فمن جانب يشعر الجهاد الإسلامي في الخارج بالوحدة والانكشاف بسبب هذه الوثيقة، ولما يمثله تيار الخارج في حركة حماس، فحركة الجهاد ليست خائفة على ذاتها، وإنما على مشروع المقاومة، فقد جربت سابقًا أن تكون وحيدة، في بداية مشوارها عندما واجهت كل الاتهامات وسبحت عكس كل التيارات، فالقلق الحقيقي هو ان تستمر الظروف الضاغطة على حركة حماس في خلق الإرباك لدى التيار المحافظ لصالح من يرى انه جاء موسم الحصاد.

لقد عالج الجهاد الإسلامي إعلان وثيقة حماس بشكل مختلف، فقد كان بإمكانه ان يتمايل تبخترًا، مؤكدًا انه هو من صنع المقاومة على أرض فلسطين وأسس للانتفاضة الأولى عندما غاب الآخرون، وأن يستغل الفرصة ليؤكد على تمايزه وصموده حال يتعب الجميع، وأن ما جاء في الوثيقة - من اعتبار الصراع الحقيقي مع المشروع الصهيوني وليس مع اليهود كديانة، وأن فلسطين مركزية الأمة - سبق للجهاد، وأنه أكد عليه في أدبياته التأسيسية، وهي الثوابت التي مازالت تحدد خطاه.

البعض توقف عند قول الدكتور رمضان عبد الله بأنه لا يمكن تحقيق الوحدة وإنهاء الانقسام دون سحب المنظمة اعترافها بإسرائيل، معتبرين ان الانقسام بدأ بأحداث 2007، وقد فات هؤلاء ان الانقسام الحقيقي في البيت الفلسطيني بدأ منذ انطلاق مشروع التسوية، وأن رأب الصدع يتم بالعودة إلى الثوابت الجامعة وليس اللحاق بما كان سببًا للانقسام. وأظن ان هذه هي الرسالة المخفية لحماس في خطاب الامين العام، وأعتقد ان الدكتور رمضان أراد بذلك ان يستنهض حماس للتمترس خلف خيار المقاومة وألا تستهويها الاغراءات.

ختامًا، الجهاد الإسلامي يريد ان يقول لحماس انه لا يزاود على نضالاتها، وأنه يتفهم الضغوطات ولكنه لن يقبل التوافق الوطني غطاءً لأي تنازل عن الثوابت، وأن الشعب الفلسطيني يستحق بتضحياته ان يخرج من حالة البلبلة والفوضى الفكرية والسياسية الرسمية والفصائلية التي تهدد مستقبل شعبنا وقضيتنا.

كلمات دلالية