خبر شهداء الإعداد..الرسالة والواجب..بقلم/ د.أحمد الشقاقي

الساعة 06:04 ص|06 مايو 2017

فلسطين اليوم

أقف أمام طلابي في محاضرة صباحية كالعادة، وإذ بطالب مسئول عن نشاط لامنهجي يعرض أمامي مجموعة من الشهادات لزملائه بحاجة إلى مجموعة من التوقيعات والأختام. وفجأة دبت في القاعة همهمات وحركة على عجل، لأرى من يحمل الشهادات قد تركها مع زميله وخرج مسرعاً يتلمس دربه على غير العادة. وأمام غرابة المشهد كان السؤال، فأتت الإجابة « كامل قد استشهد ».

يتجاوز الحديث عن أبطال التضحية والشهادة معاني اللغة ومفاهيم السياسية، وحدهم الشهداء من يملكون رمزية البقاء وعظمة المشاهد، من يرسمون توليفة عشق مع الأرض ويقدمون الملحمة على إثر أخرى، كي تشرش في جسد التاريخ وتعطيه الدافع حتى يبقى حياً فينا هذا الجرح.

كامل قريقع ابن غزة المجاهدة ارتقى شهيداً وهو يصنع مجداً، ليواري سوءات المتخلفين عن الركب، لتعلن مساجد غزة ومآذنها أن قافلة الشهداء مستمرة، وأن عناوين الفداء لا تزال حاضرة رغم فوضى السياسية وحسابات المصالح وخلافات الكراسي.

يرتقى كامل شهيداً ليعود بنا من بعيد أمام قداسة الدم وطهارة السلاح والبندقية ليضع الجميع أمام مسئولياته في ظل اختلاف البرنامج واجتهادات السياسة. سنوات عمره المحدود شغلها بتعلقه بالوطن، فقدم الفاتورة من أوسع أبوابها وهو يجهز مع رفاقه صاعق الانفجار في وجه الاحتلال وجنوده.

استشهاد كامل يطرق أبواب الجميع، ويطرح جملة من التساؤلات في وجه المنشغلين بالعواصم واشتراطاتها متخلين عن سلاح المقاومة. شاب في مقتبل عمره كغيره من أقرانه نشأ في بيت متواضع وتربى في أكناف المساجد، وعلى موائد القران معتزاً بوطنيته، وبانتمائه لفلسطين ومقاومتها. تخرج من الجامعة قبل أشهر، وأبدع في ساحات العمل المقاوم. انتمى لسرايا الجهاد، وكان يرى فيها سبيلاً نحو التحرير والانتصار.

إن الحديث عن شهداء الإعداد لمعركة التحرير، يأتي في سياق استحضار هذا الأنموذج للشباب الواعي والمدرك لأبعاد قضيته، فهم ليسوا مجرد أرقام بل يصنعون مسار برنامج المقاومة ويدفعون فاتورة الكرامة والانتصار. فمن هم شهداء الإعداد؟ وما هي رسالتهم؟ وما واجبنا تجاههم؟ وكيف نحفظ تضحياتهم؟

تدور عجلة الحياة في غزة بهمومها وآلامها، بعجز قادتها وصبر أهلها، بأمل أطفالها وفخر مقاوميها. لكن الأعجب من هذا وذاك من يذهب إلى رباطه مساءً، ويصنع صاروخه صباحاً من ينتهج المقاومة برنامجاً ويؤمن بأدبها وإعلامها وجنودها وقادتها. هم شهداء الإعداد من قرروا أن يعدو العدة ليوم المعركة المستمرة، من قرروا أن يصنعوا الفارق رغم قلة الإمكانات وشح الموارد. يدركون أن للحرية ثمن ويستوعبون الواقع، لا ينهزمون أمام أبواق التخاذل والتراجع وينتصرون لشعبهم الواثق بإرادتهم وخيارهم.

يقدم هؤلاء الشباب رسالتهم إلى إخوتهم بأن المشوار طويل وأن التضحية واجبة، فيصنعون الأمل وسط ركام الإحباط. ينقلون ذات الرسالة إلى أصحاب المسئولية فيحرجونهم وسط تراجعهم وتخلفهم عن مستوى أدائهم. يوجهون بدمائهم كل معاني الاعتزاز والفخر إلى أهلهم وذويهم. يتركون في أذهان قادة المقاومة رسالة الأمانة بحفظ الدم واستمرار البوصلة نحو فلسطين من بحرها إلى نهرها.

إن الواجب والمطلوب أمام هؤلاء الأبطال أن نكون كما يأملون وأن نحفظ عهدهم وأن نمشي في المسار الذي اختطوه لنا، أن نشتغل بالسياسية التي تحافظ على رايتهم وتتبنى خيارهم، أن نرتقي لحجم معاناة شعبهم وأن نقدم إبداعاً نوعياً فيما يعزز صمودهم ويؤمن الحاضنة الشعبية وهي السلاح الأهم لبرنامج المقاومة.

استشهد كامل وهو ينتظر توافقاً فلسطينية يعيد لحمة الصف الفلسطيني، عاش ما يقارب نصف سنوات عمره في ظل لعنة الانقسام. والمطلوب من ولاة الأمر في الحدود الدنيا أن ينتهجوا توجهاً حقيقياً نحو الصالح الفلسطيني باتجاه برنامج مشترك يكفل حقوق الشعب المحتل ويلبي طموحاته ويبتعد عن توزيع الحصص بين الكتل السياسية.

 

 

 

 

 

 

كلمات دلالية