خبر سياسة عقاب عباس لغزة تضع اسرائيل على شفا الانفجار.. هارتس

الساعة 09:12 ص|30 ابريل 2017

هآرتس

بقلم: تسفي برئيل

مليوني انسان في غزة يعيشون في الظلام، وذلك ليس نتيجة عدم وجود الأفق السياسي، بل بسبب الوضع البائس الذي يضاف الى الحصار الاقتصادي المفروض على القطاع. رواتب عشرات آلاف الموظفين الفلسطينيين من موظفي السلطة في قطاع غزة سيتم تقليصها بنسبة 30 في المئة على الأقل، وبهذا سيجد الكثيرون منهم أنفسهم في تقاعد مبكر.

المساعدات التي قدمتها السلطة الفلسطينية للتعليم والرفاه في غزة قد تتقلص بشكل دراماتيكي، واذا لم يتم ايجاد حل للصدع بين فتح وحماس في الوقت القريب فمن المحتمل أن يعلن الرئيس الفلسطيني في الوقت القريب الحكومة في غزة كـ “دولة متمردة”، أو حتى القول إن حماس هي منظمة ارهابية.

وكل ذلك يحدث في الوقت الذي سيعلن فيه خالد مشعل في قطر، في يوم الاثنين القادم، عن ميثاق حماس الجديد. وبعد يومين من ذلك سيلتقي الرئيس عباس مع الرئيس الامريكي دونالد ترامب.

الضغط على غزة لم يولد بالصدفة، وهو لا ينفصل عن السياسة الاقليمية والدولية. في 11 نيسان قال الرئيس محمود عباس في اجتماع مع سفراء فلسطين في المنامة، عاصمة البحرين، إن في نيته اتخاذ خطوات حاسمة في الايام القريبة القادمة ضد “الوضع الخطير” الذي خلقته حماس في غزة.

وبالفعل، خلال ايام معدودة أمر عباس بتقليص رواتب الموظفين، استمرارا لاعلان الاتحاد الاوروبي في بداية العام والذي جاء فيه بأن الاتحاد سيكف عن تمويل رواتب موظفي السلطة الفلسطينية في القطاع.

وقد أعلنت قطر في بداية نيسان بأن مساعدة الطواريء التي ستغطي شراء الكهرباء من اسرائيل ستتوقف بعد مرور ثلاثة اشهر. هذا القرار كان متوقعا رغم أن حماس آمنت باستمرار تمويل شراء الكهرباء بشرط أن تدفع ضريبة الكهرباء، وهذا الشرط لا تستطيع حماس تحقيقه لأنها ترفع اسعار الكهرباء ثلاثة اضعاف. أمس قامت السلطة بابلاغ اسرائيل بأنها غير مستعدة لبيع الكهرباء لغزة بدون ضرائب، لذلك فهي تطلب من اسرائيل عدم خصم ضريبة الكهرباء من اجمالي الضرائب التي تقوم اسرائيل بنقلها للسلطة.

هذه الخطوات التي رافقتها تفسيرات بيروقراطية أهمها سعي السلطة الفلسطينية الى تقليص نفقاتها والنقص الدائم بالاموال. وقد حظيت تحليلات واسعة تقول إن عباس ينوي تحقيق هدف من هدفين أو كلاهما.

الاول هو التسبب في انهيار نظام حماس من خلال الحصار الاقتصادي الذي سيضاف الى الحصار المفروض من اسرائيل ومصر، أو جعل حماس تخضع لمطالب السلطة الفلسطينية، أي مطالب فتح.

والسبب السياسي المعلن للعقاب يتطرق الى قرار قيادة حماس اقامة لجنة ادارية عليا تعمل مثل حكومة، ومهمتها مراقبة وادارة الخدمات في غزة. هذه الخطوة ظهرت وكأنها تجاوز والتفاف على قرار اقامة حكومة وحدة وطنية فلسطينية من حزيران 2014، كحكومة مؤقتة حتى اجراء انتخابات السلطة والرئاسة الفلسطينية.

مقابل هذا الادعاء قال صلاح البردويل، من قادة حماس في غزة، هذا الاسبوع بأن الحركة مستعدة لحل اللجنة الادارية العليا واعطاء حكومة الوحدية الوطنية ادارة شؤون غزة، بما في ذلك المعابر الحدودية. وأن تتم ادارة شؤون غزة بشكل متساوي مع الضفة الغربية. ممثلو فتح في اللجنة قالوا إن حماس لا تسمح لحكومة الوحدة بأن تدير شؤون غزة بالشكل المناسب، أما حماس فتقول إن هذه الحكومة تميز بشكل منهجي بحق غزة، لهذا كانت هناك حاجة الى اقامة اللجنة الادارية العليا.

 إن هذه المبررات ايضا لا تقدم تفسيرا لسلوك السلطة الفلسطينية بعد اقامة حكومة التوافق بثلاث سنوات، واحد اسباب ذلك الذي تطرحه جهات فلسطينية يتعلق بـ “الاجواء العامة” في المنطقة والعالم وخاصة في الولايات المتحدة، ضد حماس. وحسب هذا التفسير يقوم عباس بتحضير “المهر” الذي سيقدمه للرئيس ترامب الذي يريد محاربة الارهاب كجزء اساسي من سياسته الخارجية، وهذا الامر تشارك فيه مصر والاردن والسعودية ودول الخليج، التي تعتبر عباس شريكا وحيدا يمكن معه السير في حل سياسي ما.

اذا كان عباس بالفعل قد خطط لمعاقبة حماس كجزء من عملية سياسية، وليس فقط كخطوة داخلية، فان هذا قد يساعده على اقناع ترامب بأنه بالفعل يحارب الارهاب، حسب الشرط الذي وضعها نتنياهو، وأن نتنياهو يقوم بتضليل ترامب والعالم عندما يقول إنه لا يوجد شريك فلسطيني في المفاوضات. وايضا ضد الادعاء الاسرائيلي الذي يقول إن عباس لا يمثل غزة، لهذا لا يجب التفاوض معه، والخطوات التي اتخذها ضد غزة ستشكل ردا مناسبا، حيث أن صراعه ضد حماس يهدف الى دفع حماس لقبول شروط المصالحة الفلسطينية، وتبني حكومة الوفاق الوطني، وبهذا يتم منح عباس تمثيل جميع الشعب الفلسطيني.

اذا لم توافق حماس على هذه الشروط، رغم الضغط الكبير، يستطيع عباس أن يضمن زيادة الضغط الى درجة الاعلان عن أن حماس هي منظمة ارهابية، وهذا لا يبدو الآن منطقيا. وهذا يعني مقاطعة دولية كاملة لغزة سيطلب خلالها من قطر وتركيا ايضا المشاركة.

ميثاق حماس الجديد

 يبدو أنه من اجل منع توافق امريكي فلسطيني اسرائيلي على تحطيم مكانة حماس، قرر خالد مشعل نشر ميثاق حماس الجديد في يوم الاثنين القادم، ومن خلال ذلك خلق حوار اعلامي دولي حول “التغيير” الحاصل على مواقف المنظمة. البندان الاساسيان اللذان قد يكونا ضمن الميثاق الجديد يعبران عن الانفصال عن حركة الاخوان المسلمين والاستعداد للحل الوسط السياسي. في جميع بنود الميثاق الجديد لا يوجد ذكر للاخوان المسلمين (مقارنة مع الميثاق السابق الذي تمت صياغته في 1988)، وبهذا تبدو حماس بأنها تحاول تقديم نفسها ليس فقط كمنظمة فلسطينية خالصة، ولا تعتمد على ايديولوجية اسلامية خارجية، بل من اجل ارضاء مصر  التي تخوض حرب لا هوادة فيها ضد الاخوان المسلمين الذين تعتبرهم منظمة ارهابية. البند الثاني الهام يقول “لن يكون هناك تنازل عن أي جزء من ارض فلسطين، بغض النظر عن الشروط والضغط، حتى وإن استمر الاحتلال، حماس ترفض أي بديل عن تحرير فلسطين، تحرير كامل، من النهر الى البحر. وأن اقامة دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس في حدود الرابع من حزيران 1967، وعودة اللاجئين الفلسطينيين الى بيوتهم التي طردوا منها، هي صيغة متفق عليها ومشتركة من الناحية الوطنية. وهذا لا يعني الاعتراف بالكيان الصهيوني مثلما أنها لا تعني التنازل عن أي حق من حقوق الفلسطينيين”.

هذه الصيغة غير مقبولة على اسرائيل وعلى الولايات المتحدة كتنازل سياسي، حتى واذا شملت الاعتراف بحدود 1967. وهذا يعني تبني الصيغة التي كانت مقبولة على فتح قبل اتفاقات اوسلو، أي أن تحرير فلسطين بشكل كامل سيتم على مراحل. وكذلك اقامة دولة فلسطينية في حدود 1967 لا تعني نهاية الصراع أو نهاية السعي الى تحرير فلسطين من رأس الناقورة في الشمال وحتى أم الرشراش في الجنوب، من نهر الاردن في الشرق وحتى البحر المتوسط في الغرب، كما جاء في البند الثاني في الميثاق الجديد.

 والى حين أن يقرر ترامب، فان سياسة عقاب عباس لغزة تضع اسرائيل على شفا الانفجار.

الخيارات التي توجد امامها من اجل تحييد الفتيل الغزي ليست كثيرة. يمكنها أن تدفع من اجل الكهرباء في غزة والتوجه الى تركيا من اجل زيادة المساعدات أو اقناع قطر بتمديد زمن التمويل. كل واحد من هذه الخيارات سيظهر اسرائيل وكأنها تساعد حكومة حماس وليس أنها تحاول انقاذ السكان في غزة من الضائقة الاقتصادية والانسانية. في المقابل، لامبالاة اسرائيل قد تسرع من الانفجار في غزة، الذي تحدث عنه قادة الجيش الاسرائيلي، الامر الذي سيضع اسرائيل أمام جولة عنيفة اخرى. في الحالتين سيتبين مجددا أن تجاهل اسرائيل للازمات السياسية والاقتصادية الفلسطينية هو تهديد استراتيجي على أمنها ومكانتها.

كلمات دلالية