خبر يفغيني يبتوشنكو والنكبة -هآرتس

الساعة 10:36 ص|05 ابريل 2017

فلسطين اليوم

بقلم: دمتري شومسكي

(المضمون: لماذا لا يقوم عندنا رجال الانتقاد والفكر مثل يبتوشنكو ويتضامنون مع ضحايا العنصرية الاسرائيلية؟ - المصدر).

يفغيني الكسندر يبتوشنكو هو من الشعراء السياسيين المشهورين في روسيا في الاجيال الاخيرة، والذي توفي في يوم السبت الماضي في تلسه في ولاية اوكلاهوما. لم يكن شاعر احتجاج معادي للاتحاد السوفييتي. في اعماله الادبية وكذلك بمواقفه الجماهيرية حاول السير بين النقاط. من جهة بقي وفيا للهدف المسيحاني الشيوعي، وحتى انهيار الاتحاد السوفييتي لم يتوقف عن الايمان بامكانية اصلاحه الداخلي. من جهة ثانية، انطلاقا من الالتزام الداخلي العميق لـ « قيم الوطن

 

السوفييتي »، والاهم الالتصاق العلني والحاسم بالحوار القومي الروسي، أكثر يفغيني من انتقاد القضايا المتفق عليها والثابتة في السياسة الداخلية والخارجية للاتحاد السوفييتي.

 

بسبب هذا الموقف غير الثابت اتهم يفغيني أكثر من مرة من معارضي النظام بالتلون والانتهازية، رغم أنه لم يتردد في الدفاع عن عدد منهم. « اذا كان يفغيني ضد الكلخوزات، فأنا أؤيدها »، قال ذات مرة الحاصل على جائزة نوبل للأدب يوسف برودسكي الذي كان متحفظا من يفغيني بشكل كبير. يفغيني في المقابل لم يتردد في الخروج علنا ضد مطاردة برودسكي من قبل النظام، بل ساعده ايضا في وقت الحاجة.

 

أحد التعبيرات الواضحة لحوار الاصلاح الداخلي الذي أيده يفغيني، الشاعر والشخصية العامة، يظهر بشكل واضح في عمله المعروف « بابي يار » 1961، والذي بفضله نشر اسمه في اسرائيل. خلافا لما قيل في مقال « غاليريا » الذي نشر بعد وفاته، والذي جاء فيه أنه دخل الى صراع « مع محاولة نسيان جزء من الاوكرانيين للمذبحة ضد اليهود في كييف في العام 1941 » ( « هآرتس »، 3 نيسان)، الاوكرانيون ودورهم في المذبحة ضد اليهود في أيلول 1941، في بابي يار في كييف، لم يتم ذكرهم من قبل يفغيني، ايضا حادثة المذبحة خصص لها مكان صغير جدا في القصيدة، وما يقف في مركزها هو الانتقاد الشديد للشاعر تجاه سياسة كم الافواه للنظام السوفييتي حول قتل اليهود في بابي يار. الامر الذي اعتبره تعبيرا عن اللاسامية، التي ما زالت توجد في اوساط الشعب الروسي.

 

في القصيدة يضع يفغيني نفسه في وضع الضحايا اليهود. اثناء المذبحة في بابي يار وكذلك طوال تاريخ الاهانة والمطاردة. وينهي القصيدة بالسطور الحاسمة التي تهدف الى اعادة تعريف الهوية القومية الروسية على اساس استبعاد العنصر اللاسامي منها بشكل قاطع وشامل: « لا يجري في عروقي دم عبري/ إلا أنني مكروه بشكل كبير/ أنا لست لاساميا/ أنا روسي ».

 

تصعب المبالغة في الشجاعة التي احتاجها شاعر سوفييتي شاب بعد الحرب العالمية الثانية بعقد ونصف من اجل ادارة الظهر للتجاهل المقصود والمنهجي لكارثة يهود الاتحاد السوفييتي في الحوار الرسمي السوفييتي. في الوقت الذي انتصر فيه الاتحاد السوفييتي على المانيا النازية عسكريا، كما هو معروف، فانه في المعنى الايديولوجي والثقافي الجوهري حسمت النازية الالمانية وانتصرت على الشيوعية السوفييتية: التماثل الهستيري الذي لاحظه النازيون بين البلشفية واليهودية أثار جنون النظام السوفييتي، واعتبر ذلك سلاحا دعائيا ناجعا وخطيرا من شأنه أن يوقظ مارد اللاسامية الشعبية النائم ضد الايديولوجيا الشيوعية. من هنا نبع الجهد الكبير للنظام في الاتحاد السوفييتي بعد الحرب لمحو ذكر الضحايا اليهود من ذاكرة الماضي الرسمية المفصلية لـ « الحرب الوطنية الكبرى ».

 

النتيجة غير المباشرة للاسامية النازية هي نسيان وانكار ابادة اليهود السوفييت، حيث لم يتردد يفغيني في الخروج ضد ذلك في قصيدته، التي كانت أحد الأسس للرواية الوطنية السوفييتية الرسمية.

 

مثلما كانت اللاسامية والغاء الآخر هي روتين في الاتحاد السوفييتي في زمن يفغيني، فان العنصرية هي خبز المجتمع الاسرائيلي في أيامنا. ومثلما أنه في الاتحاد السوفييتي في زمن يفغيني كان نفي الكارثة القومية للآخر اليهودي هو أساس الأنا الرسمية السوفييتية، ففي اسرائيل في أيامنا انكار الكارثة القومية، النكبة، للآخر الفلسطيني يشكل اساسا قوميا للأنا القومية اليهودية الاسرائيلية. وما ينقصنا في اسرائيل الآن وما هو غير موجود، هو أن رجال الفكر لدينا الذين يزعمون أنهم يستخدمون الانتقاد الداخلي على القومية والصهيونية (مثل غادي تاوب وتسفيا غرينفيلد) كي يقوموا ويتحدثوا عن انفسهم مثلما قام وتحدث عن نفسه يفغيني في باري يار: « نحن نكره بشكل كبير/ مثل الفلسطينيين/ لذلك نحن يهود واسرائيليون جديرون بأسمائنا ».

 

في الوقت الحالي ليس فقط أن رجال الفكر لدينا ليسوا مكروهين من قبل العنصريين، بل على العكس، هم متحمسون لاعطاء هؤلاء العنصريين ذخيرة ضد اليسار الصهيوني – المهم أن لا يظهروا كمحبين للعرب، لا سمح الله.

كلمات دلالية