خبر « الدولة الواحدة »: هل سيأتي من اليمين الإسرائيلي؟ >>انطوان شلحت

الساعة 09:43 ص|19 مارس 2017

 

 

تتزايد التقديرات الفلسطينية والإسرائيلية بتراجع فرص وآمال تطبيق حل الدولتين، كخيار كان سائداً طيلة أكثر من عقدين من الزمن منذ ما بعد انطلاق عجلة التسوية في مؤتمر مدريد 1991، في ظل تطورات متلاحقة على الصعيدين الفلسطيني والإسرائيلي.

فضلا عن أحداث عصفت بالمنطقة، وتغيرات جوهرية شهدتها عواصم صنع القرار حول العالم، كل ذلك ربما أدى بمختلف الأطراف للبحث في مدى واقعية هذا الحل للصراع الفلسطيني الإسرائيلي، ومحاولة استخراج حلول تعتبر بنظرهم أكثر واقعية وعملياتية.

تأثير ترامب

أثارت تصريحات الرئيس الأميركي دونالد ترامب خلال لقائه برئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو في شباط/فبراير، والتي قال فيها إن حل الدولتين ليس الوحيد لإنهاء النزاع الإسرائيلي الفلسطيني، حماسة التيار اليميني في إسرائيل، وحفيظة الفلسطينيين، بينما لا تبدو نواياه الحقيقية واضحة حتى كتابة هذه السطور، رغم تأكيده على أنه منفتح على خيارات بديلة إذا كانت تؤدي للسلام.

هذا الموقف للرجل الأقوى في العالم، دفع محافل إسرائيلية لمحاولة تعزيز هذا التوجه من خلال إطلاق جملة تصريحات، من أبرزها ما ذكره وزير التعليم الإسرائيلي نفتالي بينيت، زعيم حزب البيت اليهودي، الذي وصف حديث ترامب بأنه يشبه إنزال العلم الفلسطيني عن السارية، في إشارة لانتهاء فكرة إقامة دولة فلسطينية. أما وزير العلوم، أوفير أكونيس، فاعتبر أن « هذا يمثل نهاية فكرة خطرة وخاطئة، وهي إقامة دولة فلسطينية في قلب أرض إسرائيل »، فيما رأت وزيرة الثقافة، ميري ريغيف، أن هذه التصريحات تشكل بداية لمرحلة دبلوماسية جديدة، إضافة لنهاية التجميد الاستيطاني في الأراضي الفلسطينية المحتلة.

ورغم أن السفير الأميركي الجديد في إسرائيل، المحامي اليهودي الأميركي، ديفيد فريدمان، الداعم للاستيطان والمعادي للفلسطينيين، اعترف أمام مجلس الشيوخ الأميركي بأن ليس لديه خيار أفضل من حل الدولتين، لكنه أعرب عن تشكيكه بإمكانية حل الصراع بهذه الطريقة.

القراءة المتأنية لواقع العلاقة القائمة بين الفلسطينيين والإسرائيليين، ربما تشير إلى عدم توفر شروط للتوصل إلى حل لإقامة الدولتين نظراً للهوة الهائلة بين الطرفين، وهو ما يتحتم على واشنطن أن تتبع سياسة الخطوة خطوة بينهما، بدلاً من الدفع باتجاه استئناف المفاوضات الثنائية سعياً لحل شامل، مع أن المفاوضات مجمدة منذ قرابة ثلاث سنوات.

وربما تطرح خيارات إسرائيلية بديلة لحل الدولتين في ظل ائتلاف يميني حاكم يرفض هذا الخيار، وعدم تحمس دولي للانشغال أكثر بالملف الفلسطيني، ما قد يشجع إسرائيل على ضمّ مناطق في الضفّة الغربيّة لسيادتها، سعياً منها لاستغلال البيئة الدولية والإقليمية، لتحويل مشروع الضم الفعلي الاستيطاني على الأرض إلى ضم قانوني رسمي، بحيث يتم اختزال المشروع الوطني الفلسطيني في بقاء السلطة الفلسطينية، نصف أو شبه دولة، أو دولة منقوصة كما صرّح نتنياهو في الفترة الأخيرة.

ويعتبر التيار المركزي في اليمين الإسرائيلي أن انتخاب ترامب فرصة للانتقال من المناداة بضم مناطق فلسطينية للسيادة الإسرائيلية، إلى اتخاذ خطوات تشريعية فعلية لتحقيق ذلك، في ظل قناعات إسرائيلية متزايدة بأنّ انتخاب ترامب يمثل نهاية مشروع الدولة الفلسطينيّة، والادعاء بأن السلطة الفلسطينية تشكل التجسيد العملي والفعلي للحقوق الفلسطينيّة، فهناك برلمان ومكتب رئاسة ورئاسة وزراء، وليس هنالك حاجة لدولة؛ فالدولة عمليًّا قائمة، لذا، فإن إبقاء السلطة بات مصلحة لليمين في تحقيق طموحاته السياسية.

مستقبل الضفة الغربية

وتروج إسرائيل مزاعم بأنه ليس هنالك احتلال إسرائيلي؛ فإسرائيل انسحبت من المناطق التي تعيش فيها الأغلبية الساحقة من الفلسطينيين، ما عدا بضع عشرات من الآلاف في مناطق « سي »، ليس لليمين الإسرائيلي مشكلة في إعطائهم حقوق مواطنة، كما تجري عملية ترانسفير ممنهجة وصامتة في هذه المناطق، حيث تعتمد الخطة الإسرائيلية البديلة عن حل الدولتين على ضمّ مناطق « سي » إلى السيادة الإسرائيلية، وإعطاء الفلسطينيّين فيها حقوق مواطنة، واعتبار مناطق السلطة تعبيراً منجزاً، ونهائيّاً عن حقوق الفلسطينيين.

السفير الإسرائيلي في الأمم المتّحدة داني دانون، وهو أحد قيادات حزب الليكود، أعلن أخيراً بأن قناعته مختلفة عن الرأي السائد حول حلّ الدولتين، « فلدي تصور طويل المدى لثلاث دول: هي الأردن وإسرائيل ومصر، وفي إطارها يعطى حل للموضوع الفلسطيني، من خلال وضع السيادة الإسرائيليّة على التجمّعات اليهوديّة في الضفّة الغربيّة، ومصلحة إسرائيل هي الحصول على أكبر مساحة من الأرض، وأقلّ عدد من الفلسطينيين، النقاش ليس بشأن الضفة الغربية، وإنما بشأن قيام الدولة، صحيح أن إسرائيل لا تريد السيطرة على الفلسطينيّين، بل عليهم إدارة حياتهم، لكن مصلحة الشعب اليهوديّ ألا تقام دولة إرهاب في ساحتنا الخلفيّة، أنا أومن بإدارة الصراع لا بالانتهاء من الصراع ».

هذا التوجه لا يمثل السفير الإسرائيلي شخصياً، بل إن غالبيّة وزراء وأعضاء حزب الليكود يعارضون إقامة دولة فلسطينيّة، بدليل مواصلة إسرائيل جهودها الميدانية لتقليص الحيز الفلسطيني في الضفة الغربية، بجانب المشاريع والنشاطات الاستيطانيّة المكثّفة، ومنع إعطاء الفلسطينيّين تراخيص للبناء، وتضيّق عليهم في مناطق « سي » في مشاريع التخطيط.

وتشير الإحصائيات إلى أنه من بين 1,426 طلبًا فلسطينيّا للحصول على تصريح بناء قُدّمت بين الأعوام 2010-2007، وافقت الإدارة المدنيّة التابعة للاحتلال الإسرائيليّ على 106 طلبات فقط، وأُصدر 64 ترخيصًا فقط، وجرى اتّباع سياسة اليد الليّنة في التعامل مع اعتداءات المستوطنين على الممتلكات الفلسطينيّة، والاعتراف بمؤسّسات استيطانيّة هامّة، كالاعتراف بجامعة في مستوطنة أريئيل.

إن المبدأ التقليدي لحل الدولتين، الذي كان يُعتبر طيلة سنوات حلاً افتراضياً، يعتمد على خطوط وقف إطلاق النار لعام 1967، ويتحدث عن تقسيم الأراضي المحتلة إلى دولتين يهودية وعربيّة، والفصل بينهما، وإخلاء المستوطنات من كافة أراضي 67، التي ستُقام عليها الدولة الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة، دون أن يخرج البرنامج حيز التنفيذ في نهاية المطاف.

 

خيارات بديلة

ومع ذلك، فهناك أفكار جديدة تتداولها الأوساط الفلسطينية والإسرائيلية تحظى باهتمام في ظل تراجع فكرة حل الدولتين:

دولة واحدة، ثنائية القومية: وتتمثل في ضم أراضي الضفة الغربية لإسرائيل، من خلال منح مواطنة تامة لكل الفلسطينيين في هذه الأراضي، على أن تمنح السيادة على المناطق مواطنة لكل مواطنيها، ولن تُمنح تسهيلات، وستكون مساواة للإسرائيليين وغير الإسرائيليين، وفق المزاعم الإسرائيلية.

وهنا يمكن استحضار أحاديث إسرائيلية طالبت بضرورة هدم جدار الفصل الذي بنته إسرائيل في الضفة الغربية، لأنه بات من الواضح أن لا فائدة منه، فهو يلحق ضرراً دولياً بإسرائيل، ويصعّب حياة الفلسطينيين يومياً، وليس هناك سبب للخوف من دولة ذات طابع ثنائي القومية، لأن إسرائيل باتت منذ الآن وفق حدودها القائمة، دولة ثنائية القومية.

دولة يهودية واحدة على كل أراضي إسرائيل: يقترح هذا الحل جزء من اليمنيين الإسرائيليين المعنيين بفرض سيادة يهودية على كل الأراضي التي تسيطر عليها إسرائيل، وتفكيك مؤسّسات السلطة الفلسطينية من خلال منح مكانة محدودة للفلسطينيين الذي سيصبحون سكان دولة إسرائيل، وهناك من يقترح تقديم محفّزات ماليّة للفلسطينيين الذين يهاجرون.

يعتقد بعض داعمي الفكرة، أنه لا داعي لتفكيك السلطة الفلسطينية، ويجب إبقاء سيطرتها على منطقتي « أ و ب » في الضفة الغربية، مقابل فرض سيادة إسرائيلية على مناطق « ج » ذات أغلبية يهودية، وأقلية فلسطينية.

كونفدرالية فلسطينية إسرائيلية: وهو حل يدفع مبادرة حل الدولتين، ووطن واحد، ولا يلغي فكرة إقامة دولة فلسطينية سيادية بجانب إسرائيل، لكنه يقترح القيام بهذا من خلال حرية التنقل والسكن التام بين الدولتين، دون حدود، ودون اجتثاث المستوطنات.

 

بموجب هذا الحل تتابع أقلية يهودية العيش في مناطق الدولة الفلسطينية كسكان دائمين، وسيكونون أصحاب مواطنة إسرائيلية، فيما يستطيع الفلسطينيون العيش كسكان دائمين، وكمواطنين فلسطينيين، ووفق مبدأ الكونفدرالية، الذي تمت بلورته في النقاشات بين الإسرائيليين والفلسطينيين ذوي خلفيات متنوعة، ستُقام مؤسّسات عليا مشتركة لهما، وتشكل عملية السلام هذه أساسا لمعاهدة سلام مع بقية دول الشرق الأوسط.

يتطرق هذا الحل لقضية اللاجئين الفلسطينيين، حيث يحصل من يختار منهم العودة، على مواطنة فلسطينية، ويمكن أن يعيشوا كمواطنين دائمين في أراضي دولة إسرائيل.

استنساخ الأبارتهايد

وبناء عليه، إذا لم تكن هناك دولة فلسطينية، فإن الخيارات الأخرى المتوافرة لدى إسرائيل، بجانب الحلول القابلة للحل في المدى المنظور والمتوسط، المشار إليها سابقا، الخياران التاليان:

طرد جميع الفلسطينيين: ورغم أنها فكرة غير عملية، فقد تمت مناقشتها جدياً بين الطبقة المثقفة في إسرائيل بصورة دورية، وبمعزل عن دلالات مثل هذا العمل، فمن سيقبل دخول ملايين الفلسطينيين لبلاده، بعد أن تطردهم إسرائيل؟ يقترح المنظرون الإسرائيليون أن تكون الأردن وجزء من مصر احتمالاً وارداً.

إعادة إنشاء نظام الأبارتهايد والتفرقة العنصرية، الذي ساد في جنوب إفريقيا، حيث يتم تخصيص جيوب صغيرة من الأرض تكون الحياة فيها سيئة عادة، وتجميع جميع الفلسطينيين الذين لا ترغب فيهم إسرائيل، وتعلن أن هذا المكان وطنهم الجديد، خصوصاً في غزة، وبعض مناطق الضفة الغربية، التي تعتبر معسكراً ضخماً للاجئين، وتشبه معسكرات الاعتقال، مع وجود سياج أعلى، تحيط به أبراج لإطلاق الرصاص من بنادق آلية، ولا يسمح للسكان بالحركة، ولا القيام بأي نشاط.

أخيراً، أياً كان الحل البديل لحل الدولتين، فيبدو أن المؤسسة الحاكمة في إسرائيل لن تقبل بسكان فلسطينيين يعيشون بين ظهرانيها، ويتمتعون بحقوق متساوية مع اليهود، وأن يصبحوا جزءاً من إسرائيل، وهم لا يستطيعون قبول ذلك، لأنهم يحملون مفهوماً تقليديا عن إسرائيل، باعتبارها دولة يهودية، وبالطبع فإن الأمر الواقع يظهر أن سكان إسرائيل العرب، والمناطق الفلسطينية المحتلة، يعادلون الآن نصف تعداد إجمالي السكان.

 

كلمات دلالية