خبر ترامب والأنظمة العربية السنية البراغماتية في الشرق الأوسط

الساعة 08:32 ص|25 فبراير 2017

فلسطين اليوم

ترجمة :اطلس للدراسات

بالنسبة للكثير من الأنظمة السنية البراغماتية في المنطقة فإن بدء دونالد ترامب شغله منصبه كرئيس للولايات المتحدة يعتبر تطورًا إيجابيًا، ولو لمجرد انه أنهى تولي الرئيس أوباما منصبه، حيث اعتبروا ان سياسته مضرة في بعض الحالات، بل هي خيانة لمن اعتبروا الحلفاء التقليديين للولايات المتحدة. ليس أقل أهمية - وسيما من منظور العربية السعودية ودول الخليج - فإن النظام الجديد من المتوقع ان يصلب سياسته تجاه إيران، عدا عن النظرة الضيقة التي ميزت حكومة أوباما التي اقتصرت على الملف النووي، هذه الأنظمة تحتسب على أوباما ليس فقط معالجة الموضوع الإيراني، وانما أيضًا « رفع رأس » الإسلام السياسي الذي قمع في مصر لكن تواجده وتأثيره ما يزالان يهددانها، وكذلك صعود « الدولة الإسلامية » بسبب انسحاب الولايات المتحدة المستعجل من العراق، ومن سياسة أوباما غير الحاسمة في الملف السوري.

بما يتوافق وسياسة « الدفع من الخلف » خاصة حكم أوباما، أرادت واشنطن الابتعاد عن الدور القيادي التقليدي الذي قامت به في العقود الأخيرة بالشرق الأوسط، الريادة والنفوذ استبدلهما نظام أوباما من منظور أنظمة المنطقة بالتقرب من الاخوان المسلمين وإيران، اللذين رأى أنهما مكونان في حل مشاكل المنطقة، بالإضافة إلى إظهار الضعف أمام تركيا التي تحركت بخلاف مصالح الولايات المتحدة والناتو. في الحقيقة سياسة حكومة أوباما اعتبرت في القاهرة والرياض وأبو ظبي بأنها استبدال لعلاقات التقارب مع الحلفاء (مصر نموذج بارز) بالتقارب مع أعدائهم. المصداقية على شاكلة القوة والردع الأمريكي تآكلت بسبب عدم الايفاء بالتعهدات والرد الضعيف، وفي بعض الاحيان عدم الرد على الاستفزازات، بل ومحاولات المس بالقوات الأمريكية.

إحدى النتائج الفورية لهذه السياسة كانت زيادة تدخل ونفوذ لاعبين خارجيين في المنطقة، وسيما روسيا. مصر والعربية السعودية والامارات المتحدة اضطروا في الكثير من الحالات إلى اعتماد سياسة أكثر استقلالًا من أجل الحفاظ على مصالحهم، بل وبحثوا عن دعم دبلوماسي عسكري خارجي آخر، وذلك لم يناسب على الدوام أهداف السياسة الأمريكية. المصالح المصرية لا تتداخل بالكلية مع المصالح السعودية، وسيما في الإبقاء على نظام الأسد، حيث ان مصر تدعم بقاء الأسد في الحكم ولا تدعم المواجهة مع إيران، بينما العربية السعودية تسعى لإبعاد الأسد عن الحكم وترى بأنها تعيش المواجهة مع إيران؛ نتيجة لذلك فهناك توتر بين البلدين، لكن ورغم ذلك فكلتاهما شريكتان بتعليق الأمل على تغير سياسة الولايات المتحدة، مصر متفائلة فيما يخص الرئيس ترامب، ذلك ان حكومته - وحسب تقديرها - لن تثقل عليها في موضوع حقوق المواطن، وستبتعد عن الاخوان المسلمين وستساعدها بشكل أكبر في حربها ضد الجهاد السلفي، العربية السعودية ودول الخليج من جانبها تخاف أكثر من إيران، ومن منظورها فإن حكومة ترامب ستساعدهم بشكل أكثر فاعلية وأهمية وكبير على الحد من خطوات إيران في المنطقة.

خطوات حكومة ترامب الأولى في المنطقة ستكون مهمة للطريقة التي ستفهم من خلالها، ترامب استطاع ان يبتعد عن بعض مقولاته المتنكرة للمسلمين وجهات عربية انتقدته بشدة تسعى إلى فتح صفحة جديدة معه، في دول الخليج خصوصًا تشجعهم النغمة الهجومية التي أبداها ترامب بحق إيران، ووزير دفاعه جيمس ماتيس يعتبر إيران العنصر المركزي في عدم الاستقرار الذي يسود المنطقة، ويعتقد انه سيجد آذانًا صاغية لما يقلقهم في الحكومة الجديدة. السياسة تجاه إيران ستكون - وهذا ما يبدو - أوسع وفيها كوابح أقل ممّا كان لدى الحكومة السابقة من أجل العمل على كبح جماح تحركاتها الإقليمية.

على خلاف أقوال رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، فقادة المعسكر السني - وعلى رأسهم العربية السعودية - لا يريدون أن يشهدوا في هذه المرحلة إلغاء الاتفاق النووي، فمن منظورهم سيكون في ذلك في الوقت الحالي ضرر أكبر من الفائدة، وذلك أن إلغاء الاتفاق سيؤدي - حسب رأيهم - إلى تعزيز قوة معسكر المتطرفين في إيران، وإلى تحديث البرنامج النووي الإيراني بالكامل ومن دون مراقبة، كما انه سيجعل من الصعب ترميم نظام العقوبات. حكام دول الخليج قلقون أكثر من مسالك إيران الإقليمي، والتي يبدو أنها أصبحت أكثر عدوانية منذ توقيع الاتفاق معها ومن نفوذها المتنامي في العراق واليمن وسوريا ولبنان. الكل - وسيما مصر - يأملون بأن يحرص ترامب بشكل أقل على حقوق الانسان في بلدانهم، وأن يسمح بحرية تحرك أكبر من أجل قمع تحدي الإسلام السياسي والجهاد السلفي لحكمهم. ترامب أعلن ان « جدع أنف الإسلام الراديكالي » يتصدر اهتماماته، وأن محاربة « الدولة الإسلامية » وأمثالها تتصدر سلم أولوياته، رغم انه قد يكتشف ان المحاربة الحقيقية للإرهاب « ستجره » إلى تدخل زائد في المنطقة.

انتخاب ترامب ترافقه أيضًا مخاوف؛ فمن المتوقع ان يرى حملًا زائدًا في العبء الأمني من جانب عدد من الأنظمة، عدا عن شراء السلاح واستضافة القواعد الأمريكية. كما ان هناك تخوفًا من الرياح الجديدة الهابة في واشنطن تجاه روسيا، ومن انعكاسات هذه الرياح على مستقبل سوريا. ترامب سيجد صعوبة في ترميم العلاقات خاصة مع دول الخليج بالتوازي مع التقارب من روسيا والاهتمام بمصالحها من أجل بلورة اتفاقات بشأن نظام إقليمي جديد، إذا توصل ترامب بالفعل إلى اتفاق مع روسيا بشأن المحاربة المشتركة لـ « الدولة الإسلامية » والترتيب في سوريا سيكون ذلك بالنسبة للكثير من دول الخليج بمثابة تقديم الانتصار للأسد وإيران.

كما ان ترامب - الذي أكد ان سلم أولوياته الذي يتصدره إعادة أمريكا للأمريكيين وإعادة عظمتها - قد يبتعد عن الانشغال التفصيلي في شؤون الشرق الأوسط، ويقلص التدخل الأمريكي في المنطقة؛ وعليه أجرى تعديلات على السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط، فإن بعضًا من انعكاسات سياسة الرئيس السابق أوباما قد تستمر في التأثير على المنطقة، وعلى رأسها تعزز قوة إيران وزيادة النفوذ الروسي فيها. من بين الكثير من الأمور يبدو ان المعسكر السني بقيادة العربية السعودية سيكون بحاجة إلى التسليم بتشكل محور أمريكي - روسي - تركي سيساعد في القضاء على « الدولة الإسلامية » بثمن إبقاء الأسد في كرسيّه في المرحلة القريبة القادمة على الأقل.

بالنسبة لإسرائيل، الزعماء العرب من المؤكد أيضًا أنهم غير راضين عن بعض من تصريحات الرئيس ترامب بهذا الشأن، وعلى رأسها تصريحه بأنه سينقل السفارة الأمريكية إلى القدس، ورغم ان الموضوع الفلسطيني لا يتصدر اهتماماتهم؛ إلا ان تحقيق هذا التعهد من شأنه - حسب تقديرهم - أن يؤدي إلى احتجاجات واسعة النطاق، وربما إلى أعمال عنف يقوم بها الجمهور ويعرض استقرار حكمهم للخطر. رغم ان التهديدات الفلسطينية بـ « فتح أبواب جهنم » تبدو تعبيرًا عن الإحباط وعدم فهم موازين القوى، يبدو ان النظام الأمريكي الجديد يأخذ الأمر بعين الاعتبار، ولذلك سيكون عليه أن يجد سبلًا خلاقة لتحقيق التعهد الانتخابي بشأن نقل السفارة.

عمومًا في الشأن الإسرائيلي - الفلسطيني، يبدو ان اعين قادة الدول العربية متعلقة بخطوات ترامب في أعقاب امتناع الولايات المتحدة عن التصويت في مجلس الأمن (23 ديسمبر 2016) وخطاب المبادئ الذي ألقاه وزير الخارجية جون كيري (28 ديسمبر 2016). وقوف ترامب إلى جانب إسرائيل - كما عبر عن ذلك بتغريدته بعد التصويت في مجلس الأمن، وخلال خطاب وزير الخارجية - وسيما القيام بخطوات فاعلة ومهمة بهذه الروح، مع التأكيد على نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، إلى جانب خطوات أخرى في الشرق الأوسط ستكون ممكنة في أعقاب التنسيق مع الرئيس الروسي بوتين؛ من شأنها ان توضح بأن الولايات المتحدة خاصة ترامب عنيدة، وتفي بكلمتها وغير قابلة للاعتصار. التوجه نحو تغيير السياسات الأمريكية يمكن ان يساعد في تنظيم المنطقة من جديد، ويساعد على بلورة معسكر موالٍ لأمريكا بقيادة أمريكية، تنضم إليه فيما بعد دول عربية أخرى تتحفظ في هذه المرحلة وتخشى من أولويات ترامب الاستراتيجية.

إبداء الإصرار الأمريكي من شأنه ان يقود قادة المعسكر العربي البراغماتي إلى توثيق التنسيق والتعاون مع إسرائيل ضد إيران، والإسلام السياسي والجهاد السلفي وممارسة الضغط على القيادة الفلسطينية من أجل العودة إلى المفاوضات المباشرة مع إسرائيل بغرض التوصل إلى اتفاق. في ظل قيادة أمريكية عنيدة مؤيدة لإسرائيل ومنسجمة مع روسيا؛ فإن مساحة الاحتمالات الماثلة أمام قادة المعسكر العربي البراغماتي سيتقلص، واختيار الانضمام إلى الولايات المتحدة وضمان دعمها سيبقى الخيار المفضل. في هذه الظروف يعقل القول بأن الانقسام في العالم العربي، إلى جانب الخوف العميق من إيران والإسلام السياسي والجهاد السلفي، يخلق قاعدة صلبة للتعاون مع إسرائيل، التي تظل هي الحليف الأقوى للولايات المتحدة في الشرق الأوسط.

كلمات دلالية