خبر وهم الدولة الواحدة بعد وهم الدولتين..بقلم د. وليد القططي

الساعة 08:26 م|23 فبراير 2017

تزايدت الأصوات الداعية إلى العودة لحل الدولة الواحدة، بعد أن أصبح حل الدولتين جثة هامدة لم يُعلن عن وفاتها رسمياً بعد لتُدفن في مقابر التاريخ، وبعد أن سقط بالنقاط على حلبة السياسة الإسرائيلية تحت تأثير ضربات الاحتلال والاستيطان والتهويد . فكان ذلك إيذاناً بنهاية وهم الدولتين وبداية وهم جديد قديم هو وهم الدولة الواحدة في فلسطين التاريخية من البحر إلى النهر . فما هي جذوره التاريخية ؟ وما مدى واقعيته وإمكانية تحقيقه ؟ .

أول من نادى بحل الدولة الواحدة هو الحزب الشيوعي الفلسطيني وعصبة التحرر الوطني المُسمى الآخر للحزب قبل عام 1948 كحل للصراع بين العرب واليهود في فلسطين يقوم على أساس إنشاء دولة واحدة في فلسطين يكون فيها السكان العرب واليهود متساويين في المواطنة بكامل حقوقها وواجباتها، وكان هنا خلاف بين الشيوعيين العرب واليهود حول إنشاء دولة ديمقراطية علمانية أم دولة ثنائية القومية . وبعد عام 1948 أصبح هذا الحل هو خيار اليسار الاشتراكي الفلسطيني خاصة الجبهتين الديمقراطية والشعبية . ثم تبنته حركة فتح عام 1968، وتم اقراره في الدورة الخامسة للمجلس الوطني الفلسطيني المنعقد في دمشق عام 1969 . وحُدد كهدف استراتيجي للمنظمة بإنشاء دولة ديمقراطية في فلسطين يعيش فيها المسلمون والمسيحيون واليهود في مساواة تامة وتكافؤ فرص ولكن في ظل دولة فلسطينية  مستقلة وليس دولة ( اسرائيل ) كما هو مطروح اليوم .

ولكن حل الدولة الواحدة تراجع لصالح حل الدولتين بعد أن تأكد للجميع استحالة تطبيقه، فقدمت الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين رؤيتها في التحرير المرحلي لفلسطين التي تدحرجت إلى البرنامج المرحلي ذي النقاط العشر، ليصبح برنامج حركة فتح ومن ثم منظمة التحرير الفلسطينية بعد إقراره في الدورة الثانية عشرة للمجلس الوطني الفلسطيني المنعقد في القاهرة عام 1974 ليُستبدل حل الدولة الواحدة بحل الدولتين عندما أقر إمكانية إقامة سلطة وطنية فلسطينية على أي جزء يتم تحريره من الأرض الفلسطينية . وبعد ما يُقرب عقدين من الزمان يُترجم هذا الفكر السياسي للمنظمة إلى أكثر صورة انهياراً بتوقيع اتفاقية أوسلو عام 1993 التي انبثق عنها سلطة فلسطينية تحت الاحتلال وإلى جانب الاستيطان ويتم أمام ناظريها تهويد القدس . وبدلاً من أن تصبح السلطة ممراً للدولة كما قيل لنا أصبحت غطاء لتكريس الاحتلال وتوسيع الاستيطان وتهويد القدس .

وبعد أكثر من أربعين عاماً من البرنامج المرحلي وأكثر من عشرين عاماً من مشروع أوسلو اتضح للجميع عُقم هذا الفكر السياسي المساوم وزيف هذا الوهم المدّمر . وبدلاً من العودة إلى الأصل في التعامل مع الاحتلال بالجهاد والمقاومة والنضال ، والعودة إلى المشروع الوطني الأصلي الذي يحمل مشروع التحرير الكامل واستراتيجية المقاومة الشاملة، يُريد البعض أن يبيع لنا وهماً جديداً تحت مُسمى حل الدولة الواحدة، بل هو وهم قديم تم تجديده بإخراجه من أرشيف السياسة الصفراء تحت ضغط انعدام الخيارات داخل إطار هذا الفكر السياسي الذي يدور في حلقة مفرغة ودائرة مغلقة .

والذين يدعون إلى العودة لحل الدولة الواحدة يضعون نصب أعينهم نموذج جنوب أفريقيا كنموذج مُلهم، دون عمق في قراءة الاختلاف بين النموذجين – الصهيوني والعنصري – من حيث الارتباط بالنموذج الأُم وهو المشروع الاستعماري الغربي . فعلاقة الكيان الصهيوني بالمشروع الاستعماري الغربي هي علاقة عضوية لا يمكن فصلها، فدولة ( إسرائيل ) جاءت في سياق تقاطع مشروعين ضد الأمة هما المشروع الصهيوني والمشروع الغربي يرتبطان ايديولوجياً في عقيدتي المسيحية الصهيونية واليهودية الصهيونية، ويرتبطان  مصلحياً في مشروع استعماري ركيزته الأساسية الكيان الصهيوني الذي يستمد أسباب وجوده من الغرب مقابل حراسته للهيمنة الغربية على المنطقة العربية والإسلامية، ولذلك لا يمكن أن يتصرف الغرب مع ( إسرائيل ) كما تصرف مع نظام جنوب أفريقيا الذي انتهى دوره الوظيفي للغرب وأصبح يشكل عبئاً ثقيلاً أخلاقياً عليه . فنزع الشرعية عنه وعاقبه وحاصره مما أدى إلى سقوطه في النهاية طبعاً إضافة لمقاومة الشعب في جنوب افريقيا للنظام العنصري كأساساً في هزيمته .

والذين يدعون إلى العودة لحل الدولة الواحدة يفترضون سذاجة قادة الكيان الصهيوني وعدم إدراكهم للنتائج المترتبة على حل الدولة الواحدة كتهديد ديمغرافي وخطر استراتيجي للكيان الصهيوني . الذي يدرك أن الفلسطينيين يتزايدون بمعدل زيادة طبيعية تفوق معدل الزيادة الطبيعية  اليهودية ومعدّل الهجرة اليهودية الواحدة معاً وأنهم بحلول عام 2020 سيصبح اليهود أقلية في فلسطين التاريخية وهذا يهدد بدوره هوية الدولة اليهودية ويتناقض مع الفكرة الصهيونية ويفقدها مبرر وجودها القائم على وجود أكثرية يهودية في الدولة العبرية مهما زعموا أحقيتهم الدينية والتاريخية فيها .

وتحدث بعض المنادين بحل الدولة الواحدة أن تلك الدعوة هي للضغط على قادة الكيان للعودة إلى حل الدولتين، وهذا وهم آخر بحد ذاته، فالذي يطرحه قادة الكيان وعلى رأسهم نتنياهو هو الحل الإقليمي أو السلام الاقليمي الذي يدمج كيانهم في المنطقة العربية . وجوهرة تجاوز القضية الفلسطينية لإقامة اتفاقيات سلام وعلاقات تطبيع مع الدول العربية دون ربطها بالقضية الفلسطينية، ولقد تحدث نتنياهو عن علاقات تحالف كمرحلة متقدمة للسلام والتطبيع مع بعض الدول العربية بعد أن أقنعهم بأن عدوهم المركزي هو إيران وليس ( إسرائيل ) . أما الفلسطينيون فالمشروع البديل هو السلام الاقتصادي يقوم على تحسين أحوال الفلسطينيين المعيشية والاقتصادية وإقامة إدارة ذاتية لهم في كانتونات معزولة ولا ضير من تسميتها دولة مستقلة منزوعة السلاح ومنقوصة السيادة ومتآكلة السلطة تحت السيطرة الأمنية والعسكرية الإسرائيلية ربما مع اتحاد كونفدرالي مع الاردن أو مع ( إسرائيل ) أو مع بعضها ( غزة والضفة ) . وكل ذلك بعد مصادرة أكبر مساحة من أراضي الضفة الغربية مع أقل عدد من السكان وضمها للكيان مع القدس والأغوار والمستوطنات .

والخلاصة بعد زيف وهم الدولة الواحدة وسقوط وهم الدولتين لا خيار لنا سوى استبدال الوهم بالحقيقة وترك المشاريع البديلة لصالح المشروع الأصلي، والحقيقة هي أننا شعب تحت الاحتلال فشلت مشاريع التسوية السياسية البديلة في تحقيق  هدف التحرير الكلي أو الجزئي، ولم نستطع في إطار هذه المشاريع من تحقيق مشروع الحد الأدنى الوطني ... وبالتالي لا خيار أمامنا سوى العودة إلى المشروع الوطني الأساسي قبل التعديل وهو مشروع التحرير الكامل لفلسطين واستراتيجية المقاومة الشاملة والتمسك بالثوابت الوطنية الفلسطينية .

كلمات دلالية