قائمة الموقع

خبر تفكيك بؤرة « عمونا » مقابل شرعنة الانفلات الاستيطاني

2017-02-01T11:27:00+02:00
فلسطين اليوم

بعد ماراثون من المفاوضات والمساومات والضغوط بين الحكومة الإسرائيلية ولوبي المستوطنين والمستوطنين أنفسهم؛ تستعد الشرطة الإسرائيلية منذ ليل الثلاثاء لهدم كرفانات المستوطنين في البؤرة الاستيطانية « عمونا », وقد تم تبريد الأجواء بالكثير من الرشاوي الاستيطانية بالجملة وبالتجزئة, بحيث ضمنت الحكومة حتى الآن رد فعل من جانب المستوطنين مخفف أقل عنفًا عمّا جرى عام 2006, ولسبب غير مؤكد جرى تأجيل عملية الإخلاء إلى ساعات متأخرة, يبدو ان هدفها الضغط على محكمة العدل العليا، التي كانت مجتمعة منذ ساعات صباح الأربعاء للنظر في الطعن الذي قدمه محامون نيابة عن الفلسطينيين الذين يملكون قطع الأراضي التي تنوي الحكومة إقامة الإسكان البديل لمستوطني « عمونا » عليها والواقعة في محيط مستوطنة « عوفرا ».

يذكر انه من بين الامتيازات والإغراءات التي قدمت إلى اللوبي الاستيطاني وجعلت مستوطني « عمونا » يوقعون على تعهد بالتزامهم بإخلاء المستوطنة دون مقاومة, تضمن الاتفاق قرارًا بإقامة أحياء سكنية لهم على نفس المنطقة الجبلية الواقعة في نفوذ مستوطنة « عوفرا », بالإضافة لمبالغ مالية تعويضية وإقرار قانون تشريع البؤر الاستيطانية وتشريع كل الوحدات الاستيطانية التي تعتبر غير شرعية بحكم القانون العسكري الإسرائيلي, فضلًا عن المصادقة على مخططات بناء استيطانية جديدة وإقرار بناء آلاف الوحدات السكنية داخل المستوطنات.

صفقة « عمونا » بين الحكومة والمستوطنين استحوذت في الأشهر الأخيرة على اهتمام كبير من الحكومة ووسائل الإعلام، وخلقت أجواءً من التوتر, وشكّلت مركز اجتذاب للمزايدات بين صقور اليمين والاستيطان, إلى الحد الذي وجد فيه ليبرمان اليميني ورئيس حكومته أنفسهم أحيانًا في حالة دفاع أمام انتقادات وهجوم لوبي الاستيطان, ممّا جعل نتنياهو « الذئب » مضطرًا للرقص على نغمة الذئاب المسعورة, ثم ما يلبث عندما يكون ذلك مؤاتيا له ان يهدئ جنون رقصة ذئابه المسعورة.

فنتنياهو هو الذي طالب قبل شهر بنقاش قانون تشريع البؤر الاستيطانية في اللجنة الوزارية لشؤون التشريع لإقراره بغية عرضه للتصويت في الكنيست، وذلك أمام ضغوط بينيت والمستوطنين والكثير من الوزراء في حزبه, لكي لا يظهر بمظهر « الاعتدال » السياسي الذي يمنع استغلال الفرصة « المناسبة » لتشريع البؤر الاستيطانية, وبعد ان ساعد تمرير القانون بالقراءة الأولى داخل الكنيست في تليين موقف المستوطنين الخاص بتنفيذ حكم المحكمة العليا الخاص بـ « عمونا », وبعد ان أقر مجلس الأمن قرار رقم 2334, صرح نتنياهو بأن قانون « التسوية » هو سبب قرار مجلس الأمن، وأضاف ان « إقرار القانون سيرسلنا إلى المحكمة الدولية », ويبدو انه عمل في الخفاء لتعطيل إجراءات إقرار القانون بالقراءتين الثانية والثالثة, ويوم الاثنين الماضي عاد وسمح بإعادة طرحه على الكنيست, لكن الأمر تأجل أيامًا أخرى لسبب ما, وثمة من يقول ان نتنياهو يدرك خطورة سن القانون الذي يشرعن بشكل جارف لجيش الاحتلال مصادرة أراضٍ خاصة تقع تحت الاحتلال لصالح مواطني دولة الاحتلال, أي شرعنة السرقة والسطو, ممّا يمكن ويسهل على محكمة الجنايات الدولية محاكمة إسرائيل بتهمة ارتكاب جرائم حرب, ويستفز المجتمع الدولي ويجعله غير قادر على الصمت أكثر والتواطؤ أكثر، ويفرض عليه اتخاذ موقف، ونتنياهو لا يرغب بأن يضع إسرائيل بهذا المأزق، فقط لكي يرضي غلاة اليمين الذين يطالبون بتحدي العالم متأثرين بقناعات خلاصية مسيحانية.

وثمة من يعتقد بأن نتنياهو لا يعرض إسرائيل لخطر كبير فيما لو صادقت الكنيست على مشروع القانون, لأن نتنياهو على قناعة بأن المحكمة الإسرائيلية سوف تسقط القانون عندما يتم الطعن به, فلماذا يخسر المعركة أمام المزايدين ويدع المحكمة تتحمل مسؤولية إسقاط القانون، وهذا مفيد لنتنياهو أيضًا؛ حيث يخدمه في زيادة هجوم اليمين على المحكمة العليا التي تعتبر في نظرة معقلًا لخدمة أجندة اليسار.

بيد انه وفي كل الأحوال يبدي نتنياهو حذرًا من الانجراف على شاكلة كلابه المسعورة، ملهمين بعهد ترامب, فهو على الأقل ينتظر ان يتم التفاهم بينه وبين إدارة ترامب في اللقاء الأول بينهما في البيت الأبيض، الذي سيعقد في الحادي والعشرين من الشهر الجاري, ليتم التوافق على الخطوط العامة على الأقل بين الإدارتين فيما يتعلق بالمواضيع الرئيسية الثلاثة: إيران والقضية الفلسطينية وسوريا. وفي محاولة من نتنياهو لتخفيف اندفاع اليمين، ادعى ان رسائل من إدارة ترامب وصلته تطالبه بعدم مفاجئتهم, وهناك من كذب هذا الادعاء واعتبره حجة كاذبة أراد منها نتنياهو ان تسوغ تردده.

عهد ترامب بالنسبة لنتنياهو يجعله أكثر قلقًا على عكس ما يروج, قلق من اتجاهين متعارضين، فمهما كان ترامب متوافقًا مع اللوبي الصهيوني فإنه لا يمكنه ان يتجاوز الدولة الفلسطينية في حال إقدامه على عرض صفقة سياسية، ممّا سيجعل اليمين الإسرائيلي في أزمة لا يمكنه فيها تدوير الزوايا, ومن جهة أخرى فإن ترامب في حال منح اليمين الضوء الأخضر للاستيطان ومنح الضوء الأخضر لنقل السفارة فإن الأمر لن يجعل نتنياهو يشعر بالراحة, فنتنياهو في النهاية يريد استمرار سياسة فرض الأمر الواقع التدريجي أثناء سياسة إدارة الصراع بقليل من الاستفزاز والكثير من المناورة والخطاب المتذاكي ودون إحراج لحلفائه الجدد من بعض العرب ودون تخريب على الجهود الطويلة التي أنتجت هذه التحالفات, وربما يتضح الأمر أكثر عبر الاستماع لمسؤول الحزب الجمهوري في إسرائيل مايكل تسيكل، حيث قدر في لقاء إذاعي إسرائيلي ان تراجع أمر نقل السفارة يعود لطلب من نتنياهو، الذي يخشى ان الوقت غير مناسب لتنفيذ وعد ترامب بنقل السفارة.

كما ان نتنياهو نفسه، في اجتماع وزراء الليكود، أكد ان الموضوع الأهم الذي يقف على سلم أولوياته هو الاتفاق مع إدارة ترامب على تحجيم الخطر الإيراني، وفي ذلك دعوة لترامب للانشغال بالملف الإيراني بعيدًا عن ملف الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي, وبهذا الفهم يمكن القول ان أوباما كان بشكل أو بآخر مريحًا لنتنياهو.

بؤرة « عمونا »، المقامة على أراضٍ فلسطينية خاصة تتبع لبلدة سلواد شرقي رام الله, شكّلت مركزًا لسجال كبير على مدار سنوات، بين المستوى الحكومي والقضائي وبين المستوطنين ونوابهم وبين الحكومة والإدارات الأمريكية, وكان قرار المحكمة العليا الإسرائيلية بتفكيك البؤرة قد حدد مصيرها، لكن المستوطنين أرادوها معركة للدفاع عن المشروع الاستيطاني بمجمله ورسالة تهديد وإرهاب لكل من يفكر بتحدي مشروعهم من القوى الإسرائيلية, وقد نجحوا إلى حد كبير, فإن كان تفكيك مجموعة كرفانات صدر ضدها قرار من المحكمة العليا منذ أكثر من عقد جرّ كل هذا الصراع واستحوذ على كل هذا التركيز الإعلامي، فما بالكم بالحديث عن المستوطنات الكبيرة التي تعتبر قانونية على خلاف « عمونا » بحكم قوانين الاحتلال العنصرية. إن ما يعرض كإخلاء للمستوطنة، وهو ليس أكثر من نقل الكرفانات إلى أماكن استيطانية أخرى، يسمح بشرعنة الانفلات الاستيطاني.

 

اخبار ذات صلة