خبر تضارب الخطاب الإسرائيليّ حول التهديد الإستراتيجيّ لحزب الله وحماس

الساعة 09:43 ص|23 يناير 2017

فلسطين اليوم

« تضارب الخطاب الإسرائيليّ الرسميّ حول التهديد الإستراتيجيّ لحزب الله وحماس جزءٌ من الحرب النفسيّة! تخبّط صنّاع القرار في تل أبيب! أمْ الاثنين معًا؟ ».. بقلم الكاتب زهير أندراوس

لا تُخفي إسرائيل اهتمامها الكبير بقدرات حزب الله العسكريّة، ولا تتورّع عن وصف الحزب بأنّه بات شبه جيش، كما يُقّر كبار قادتها السياسيين والعسكريين بأنّ كلّ مكان في العمق الإسرائيليّ بات في مرمى المُقاومة اللبنانيّة، المتمثلة بحزب الله، بما في ذلك قدس الأقداس، مفاعل ديمونا النوويّ، وتعترف أيضًا بأنّ الحزب اكتسب قدراتٍ قتاليّةٍ كبيرةٍ بسبب تدّخله في الحرب الدائرة في سوريّة.

ولكن بالمُقابل، تدأب « تل أبيب » على التشديد بأنّه منذ أنْ وضعت حرب لبنان الثانية في العام 2006 أوزارها، بات الحزب مردوعًا ويخشى مواجهة إسرائيل عسكريًّا، كما تؤكّد في كلّ مناسبةٍ على أنّ الحرب في سوريّة أفقدته الآلاف من الضحايا، بين قتيلٍ وجريحٍ، وتزعم أيضًا أنّه يُعاني من ضائقةٍ ماليّةٍ كبيرةٍ، وبأنّه لن يجرؤ على شنّ هجومٍ ضدّ الدولة العبريّة لمعرفته بأنّ الردّ العسكريّ الإسرائيليّ سيكون مزلزلاً، وسيشمل كلّ لبنان، وليس فقط معاقل الحزب في الضاحية الجنوبيّة في بيروت، أوْ في الجنوب، وهي العقيدة القتاليّة التي أرساها قائد هيئة الأركان العامّة في الجيش الإسرائيليّ، الجنرال غادي آيزنكوط، عندما صرحّ لصحيفة “يديعوت أحرونوت” العبريّة بأنّ نظرية الضاحيّة، أيْ التدمير الكامل، سيكون من نصيب بلاد الأرز كلّها، بحسب تعبيره.

مع ذلك، تعود تل أبيب وتُكرر على لسان قادتها بأنّ إسرائيل ليست معنيةً بالحرب، وتُشير في الوقت عينه إلى أنّ حزب الله أيضًا ليس بصدد مواجهةٍ جديدةٍ مع الجيش الإسرائيليّ. على المُستوى التكتيكيّ، يُلاحظ المتتبع للشأن الإسرائيليّ، أنّ الدولة العبريّة فعلاً لا تُريد حرب لبنان الثالثة في الفترة القريبة، ولكن على المُستوى الإستراتيجيّ يُمكن القول الفصل إنّ إسرائيل لا يُمكنها مواصلة العيش في ظلّ التهديد القادم من الشمال، والمتمثل بحزب الله، هذا التهديد، بحسب المسؤولين في تل أبيب، يتزايد يومًا بعد يومٍ، كمًا ونوعًا من ناحية القوّة العسكريّة، وفي هذا السياق تكفي الإشارة إلى تصريح وزير الأمن الإسرائيليّ، أفيغدور ليبرمان، بأنّ الترسانة العسكريّة لحزب الله أكبر بكثير من ترسانة عددٍ من دول حلف شمال الأطلسيّ (الناتو).

في سياق هذه المعادلة، تسعى تل أبيب في زمن اللا حرب إلى رفع مستوى ردعها، عبر إفهام حزب الله بأنّها مدركة لتفاصيل تهديده ومكوناته، وأنّها مستعدة للمواجهة إذا اقتضى الأمر. وهي حرب من نوع آخر تستهدف وعي قيادة حزب الله وبيئته وجمهوره، كما تستهدف الوعي الجمعيّ للإسرائيليين، عبر التأكيد أنها جاهزة لأي سيناريو مع الساحة اللبنانية.

وفي هذا السياق، تأتي المواقف والتصريحات المتعاقبة للمسؤولين السياسيين والعسكريين، والتقارير التي ينشرها الإعلام العبري، ومنها ما ورد أمس عن سلاح البحرية في الجيش الإسرائيليّ حول تهديد حزب الله البحريّ والاستعداد لمواجهته، مع الأخذ بعين الاعتبار بأنّ هذا السلاح، على نحوٍ خاصٍّ، كان قد حُيّد في حرب عام 2006، مع إمكانات بسيطة نسبيًا كانت في حوزة المقاومة، مُقارنةً بما لديها الآن.

قائد قاعدة حيفا في سلاح البحرية الإسرائيلية الجنرال دافيد سلمه حذّر الإسرائيليين من توقعاتهم للحرب المقبلة، لافتًا إلى أنّ حزب الله لم يعد منظمة صغيرة تتّبع حرب العصابات، بل شبه جيش مع اختلافٍ كبيرٍ في القدرة العسكرية قياسًا بالماضي.

وإذا كان في حوزته سابقًا نوع واحد من الصواريخ مع أعداد قليلة، فإنّ لديه الآن صواريخ ذات رؤوس حربية متنوعة لمديات مختلفة، وقال، كما نقلت عنه صحيفة (هآرتس) العبريّة إنّه قام بقفزةٍ نوعيّةٍ في هذه المجالات. وساق قائلاً إنّه عندما يتحدث نصر الله عن السيطرة على الجليل، فيجب الافتراض أنّه سيصل إليه أيضًا من البحر، بل هم (حزب الله) يتجهّزون ويتدرّبون على ذلك، والأفلام التي ينشرونها تظهر مقاتليهم يعملون في البحر، الأمر الذي يوجب على الجيش الإسرائيلي الاستعداد والتعاون المشترك بين أذرع الجيش الثلاث: البر، البحر والجو، على حدّ قوله.

بالإضافة إلى ذلك، لم يستبعد الضابط الإسرائيليّ تكرار حادثة إصابة السفينة الحربية “ساعر” في الحرب المقبلة، كما حدث في 2006، كما لم يستبعد إقدام حزب الله على استهداف منصات استخراج الغاز في البحر، إن اندلعت المواجهة. وقال: علينا أن نستمع جيدًا إلى التهديدات الصادرة عن نصر الله، في هذا المجال.

وعلى الرغم من هذه التصريحات، فإنّه يجب الأخذ بعين الاعتبار أنّ إسرائيل تخوض حربًا نفسيّةً شرسةً لشيطنة حزب الله، وتصويره بأنّه منظمة إرهابيّة تسعى للقضاء على إسرائيل، مُشدّدّةً في خطابها الرسميّ بأنّ حزب الله هو صنيعة لإيران، التي هي الأخرى لا تُخفي إستراتيجيتها بشطب الدولة العبريّة عن الخارطة.

ومن الأهميّة بمكان، الإشارة إلى أنّ التضارب في التصريحات الإسرائيليّة الرسميّة يُمكن تفسيره على النحو التالي: أوْ أنّه نابع من الحرب النفسيّة، أوْ أنّه يُعبّر عن التخبّط الإسرائيليّ في معالجة تهديد حزب الله، علمًا أنّ عمق الدولة العبريّة، بحسب صنّاع القرار في تل أبيب، ليس جاهزًا للمُواجهة المُقبلة مع حزب الله، وغيرُ قادرٍ على تحمّل السيناريو الأسوأ بالنسبة لتل أبيب وهو اندلاع الحرب على الجبهة الشماليّة مع حزب الله وعلى الجبهة الجنوبيّة مع حماس في قطاع غزّة وباقي فصائل المُقاومة الفلسطينيّة.

كلمات دلالية