22 عاماً على وقوعها

خبر « بيت ليد » أقوى العمليات الاستشهادية

الساعة 08:10 ص|22 يناير 2017

فلسطين اليوم

يوم أشرقت فيه شمس الانتصار وفجّرت فيه بحور الذل والعار، وانجلت فيه سحب الظلم والآلام، وفاح نهاره بمسك أنور وصلاح، وصدحت مآذن المساجد بصيحات المجد والفخار، وردد الجهاد الإسلامي بصوت واحد هتافاً ( نعم لخيار المقاومة ولا خيارُ سواه) .

ففي مثل هذا اليوم المبارك، 22/1، يكون قد مضى على عملية بيت ليد الاستشهادية البطولية، اثنان وعشرون عاماً، تلك العملية التي هزّت أركان الكيان الصهيوني، سواء من حيث طريقة التنفيذ أو عدد القتلى الصهاينة ومعظمهم من الجنود.

فكانت أول عملية استشهادية فلسطينية مزدوجة تقوم بها حركة الجهاد الإسلامي عام 1995، أو من حيث النتائج الكبيرة التي حققتها، حيث بلغ عدد القتلى في صفوف جنود الاحتلال 24 جندياً ونحو ثمانين جريحا.

الثنائي المزدوج، « أنور سكر » و « صلاح شاكر »، ترجّلا بملابس الجيش الصهيوني أمام مفترق بيت ليد قرب مدينة أم خالد المحتلة، والتي تعرف صهيونيا باسم « نتانيا »، ليتقدم أنور سكر ويفجر نفسه وسط تجمع الجنود ( المتواجدين أمام المقصف ) ، وما تكاد تمر دقائق حتي يفاجئوا بانفجار ثان لاستشهادي آخر وهو صلاح شاكر ، لتتوالي بعد ذلك أرقام القتلى والجرحى ، فيسقط 20 قتيلاً وما يقارب 80 جريحا« .

بعد ذلك، قتل أربعة متأثرين بجراحهم، آخرهم مات بعد عام من العملية البطولية .. ليصبح العدد النهائي 26 قتيلاً من ضباط وجنود جيش العدو الصهيوني .

صلاح، أنور، هكذا ارتبط اسماهما، فارسان وحلم واحد ، فصلاح شاكر، ابن مخيم رفح ، الحامل لشهادة الدبلوم في العلاج الطبيعي، والذي كان شاهدا علي مجزرة الاقصى سنة 1990 ، فعمل في طواقم الإسعاف ، وقد أصيب 7 مرات في مواجهات الانتفاضة واعتقل لمدة 18 يوما.

وأنور سكر، ابن الثالثة والعشرين، من حي الشجاعية بمدينة غزة، كان يعمل نجارا للموبيليا، امتاز بنشاطه الدؤوب خلال انتفاضة العام 1987، وانضم للجان حركة الجهاد الإسلامي قبل اندلاع الانتفاضة، واعتقلته قوات الاحتلال مرتين بتهمة الانتماء لحركة الجهاد الإسلامي.. وكان يتمنى أن يكون المنتقم الأول لاستشهاد قائده هاني عابد، لكنه سبقه في ذلك الاستشهادي هشام حمد في عملية نتساريم ( مفرق الشهداء ).

فقد شكّلت عملية بيت ليد البطولية، فارقا خطيرا لدى الكيان الصهيوني، باعتبارها تطورا نوعيا كارثيا يهدد أمن ( الدولة العبرية )، حيث أنها كانت أول عملية ازدواجية تمكنت من اختراق التحصينات والاحتياطات الأمنية الصهيونية، لتستهدف موقعا عسكريا صهيونيا ، محطة لنقل الجنود وتسقط عددا كبيرا من القتلى والجرحى الجنود ، والذين كان من ضمنهم ضباط أيضا .

لقد جعل أنور وصديقه صلاح دولة الاحتلال كلها تبكي… وجميعكم شاهد: الجنود الصهاينة يبكون كما النساء… حتى أنه ظهرت على جنود بني صهيون (أعراض بيت ليد)!!!

فكانت وما زالت (بيت ليد) ، الكابوس الذي يقض مضاجع قادة دولة الكيان الصهيوني وجنودهم الجبناء… حتى أن الكثير من الجنود، لم يعودوا يستقلون الباصات من مفترق بيت ليد ولم يعودوا يقفون فيه مطلقاً.

وقد جاءت ردود الفعل الصهيونية مرتبكة، تدل على عمق المأزق، وعجزهم عن مواجهة هذا النوع من الاستشهاديين، فعلي الأثر خرج المجحوم إسحاق رابين _ رئيس وزراء الكيان في حينه_ ليعلن هزيمته أمام شعبه بقوله: » ماذا تريدونني أن افعل ؟ أأعاقبهم بالموت ؟ إنهم يريدونه ! « . ويأتون هنا من أجله .

بيت ليد المعجزة
»بيت ليد« ، هي الحلم الذي كان عز الدين الفارس يصنعه أمام ناظره ويرنو إليه من بعيد يرقبه مع كل فجر . محمود الخواجا لم يعرف طعم الراحة منذ اغتيال صديقه هاني عابد ، وبدأ التخطيط لعملية الرد الكبير .. تم رصد مكان العملية بدقة لعدة أسابيع ..الهدف مقصف يرتاده جنود العدو في مفرق بيت ليد ... تم الإعداد للعملية جيداً، وتم نقل صلاح شاكر من رفح وأنور سكر من الشجاعية إلى مكان العملية، وتم إحضار البدلات العسكرية التي تشبه بدلات الجنود مع حقائب المتفجراتt.n.t
كل حقيبة 15 كيلو جراما، تم استخراجها من ألغام قديمة، علماً أن الشهيد صلاح شاكر رحمه الله، أصيب في الانتفاضة الأولى سبع مرات، وكذلك كان من الطلبة المتفوقين جداً في الدراسة، حيث حصل على المرتبة الأولى في شهادة التوجيهي على مستوى قطاع غزة، وهو كذلك حاصل على بكالوريوس علاج طبيعي، ويشار أيضاً إلى أن أنور كان نائماً في السيارة أثناء الطريق، كما روى الأخ الذي نقله، إنها نعم الله تحوط الشهداء .

في صباح يوم الأحد 22-1-1995م الساعة التاسعة صباحاً، تقدم الاستشهادي الأول أنور سكر وفجّر نفسه في مقصف الجنود موقعاً عدداً من القتلى والجرحى وصلاح يراقب صديقه وهو يصعد إلى جنة عدن ودار الشهداء، وانتظر صلاح بضع دقائق برباطة جأش لحظة عمره التي طالما تمناها وعشقها وحلم بها وتاق واشتاق لها وهو ينادي : انتظرني يا صديقي ... انتظر بثبات الجبال الرواسي ولسان حاله يقول : واشوقاه إلى من يراني ولا أراه ... يا حبيب من تحبب إليه ... يا قرة عين من لاذ بك وانقطع إليك ... يا لها من لحظة ... صلاح يغادر عالم الإثم والخطيئة في الدنيا الفانية إلى عالم الطهر والنقاء في الملأ الأعلى يصافح الملائكة ويعانق رسول الله ، إنها لحظة أفضل الشهداء.

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( أفضل الشهداء الذين يقاتلون في الصف الأول فلا يلفتون وجوههم حتى يقتلوا أولئك يتلبطون في الغرف العلا من الجنة يضحك إليهم ربهم فإذا ضحك ربك إلى عبد في موطن فلا حساب عليهم ) ومضى صلاح بيقين الجيل القرآني المحمدي الأول، واندّس وسط الجنود بعد تجمعهم للمرة الثانية، وفجّر نفسه موقعاً عدداً كبيراً من القتلى الصهاينة، ليصل عدد القتلى في العملية إلى 24 قتيلاً و126 جريحاً، ليتحقق توازن الرعب مع العدو الصهيوني واستشهد القمران أنور وصلاح في العملية ، وليأتي الدكتور فتحي رحمه الله في مساء يوم الأحد، ليعلن عن العملية بشكل رسمي، وهو يبتسم تارة ويضحك تارة أخرى ضحكات فرح ورضا ... إنه الفرح الإلهي بتحقيق حلم عمره. فالبسمة تعود إلى المحرومين والعملية تشفي صدور قوم مؤمنين ... بعد طول عذاب وتعب وألم وسجن ومنافٍ وجد واجتهاد ودموع وأحزان ليفرح الفارس ويقول : نعم نعم لقد قامت »قسم« بتنفيذ العملية .... انتقمنا لدم الشرطة الفلسطينية ...الشهداء يعشقون خيار الحياة الأفضل .... (قبل العملية بأقل من أسبوع قتل ستة من الشرطة الفلسطينية ) سألوه أي سألوا الشقاقي كيف تغسلون أدمغة هؤلاء الشبان ؟ فقال : والله هم الذين يغسلون أدمغتنا ويقنعوننا بالشهادة ، وليعلم رابين وجنرالاته أنه كلما قتل منّا قائد فليجهز توابيت لجنوده.. » بيت ليد« بدر الجهاد الإسلامي العظيم وعذاب الله الذي ساقهُ لليهود فبكى في هذا اليوم الرباني، المجرم رابين وجنرالاته وكيانه العبري الزنيم، بكوا على جنودهم الصرعى وأخذ رابين في هذا اليوم قراره الحاقد القاضي باغتيال الدكتور الشقاقي الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي في فلسطين أستاذ الاستشهاديين رداً على العملية، وعندما علم الشقاقي قال في ثقة ويقين »من يأخذ على عاتقه قرار اغتيالي سيفقد مستقبله« سألوه ألا تقوم بعمل استشهادي ؟ فقال : الشهادة حلمي منذ الصغر أحسست بالاقتراب منها في فترة التحقيق معي وتمنيتها ولكن وضعي السياسي والتنظيمي كان يدفعني بعيداً عنها ، على كل لا زلت أنتظر ، وكان رحمه الله يُهدد بالاغتيال ولقد اعتبرت »بيت ليد« الأقوى على مدار مسيرة الصراع مع الكيان العبري ولقد شكلت »بيت ليد« تجسيداً لحلم الفارس ونوراً سماوياً ربانيّاً لحركة الجهاد الإسلامي في فلسطين ولكل المجاهدين الصادقين والشرفاء والأحرار .

سياسة ما بعد بيت ليد
لم تتوقف ردود الفعل الصهيونية عند هذا الحد، ففضلا عن موجة الاستياء والخوف التي ضربت الكيان الصهيوني، فان هذه العملية أثارت الرأي العام الصهيوني، مطالبا الساسة التعامل بشكل جدي إزاء العمليات الاستشهادية ومن يقف وراءها، والحيلولة دون وقوع بيت ليد ( جديدة ) باتخاذ إجراءات أمنية صارمة . وهو ما دفع رابين بالتفكير في وضع خطة لفصل دولة الكيان عن الضفة الغربية وقطاع غزة، واتباع سياسة الاغتيالات لتصفية كل من يقف وراء مثل هذا النوع من العمليات، ولازالت دولة الكيان حتى اليوم تتبع سياسة الاغتيالات ، بالفعل، فقد تم استهداف العقول المدبرة لبيت ليد، فطالت أيدي الموساد الشهيد القائد الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي الدكتور فتحي الشقاقي، ومن قبله مؤسس الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي محمود الخواجا، ومن بعدهما الشهيد المهندس محمود الزطمة ( مهندس الأحزمة الناسفة لعملية بيت ليد ) والذي تمكنت قوات الاحتلال من اغتياله خلال الانتفاضة الحالية، هذا بالإضافة إلى اعتقال عدد من كوادر الجناح المسلح لـ »الجهاد« بتهمة المشاركة في التخطيط لتلك العملية.

جثمانا الشهيدين
هذا وبالرغم من مرور 22 عاما على وقوع العملية، إلا أن سلطات الاحتلال الصهيوني لا زالت تحتفظ بجثماني الشهيدين ضاربة عرض الحائط بكل المواثيق والأعراف الدولية ، وبحسب تقرير أعدته منظمة »بتسليم " الصهيونية لحقوق الإنسان مؤخرا، أن جثماني الشهيدين أنور سكر وصلاح شاكر، ضمن 24 جثة تواصل دولة الاحتلال احتجازها وترفض إعادتها.

 

كلمات دلالية