تحليل نتنياهو يمارس الإرهاب السياسي مدعومًا بترامب

الساعة 08:45 م|21 يناير 2017

فلسطين اليوم

حملة ردود فعل نتنياهو الغاضبة الهوجاء المنفلته وأركان حكومته لا زالت في ذروة عاصفتها؛ تضرب في كل الاتجاهات وتُعلن أن هذه هي الفرصة للإرهاب والردع وجباية الثمن لجعل العالم أكثر حذرًا مستقبلًا تجاه ما يتعلق بـ « إسرائيل »، مستندين إلى « الازعر » القادم إلى البيت الابيض. وحسب نتنياهو ونائبته في وزارة الخارجية حوطوبلي؛ أوروبا وافريقيا، اللذين يهرولون إلى « إسرائيل » لأجل المساعدة في محاربة الإرهاب والحصول على العلوم والتكنولوجيا سيدفعون الثمن في حال وقفوا ضد « إسرائيل ».
« إسرائيل »، التي تتطلع شوقًا لدخول ترامب وطاقمه الصهيوني إلى البيت الأبيض، رأت في قرار مجلس الأمن فرصة كبيرة للكشف عن أنيابها وتوجيه إنذار شديد وإرهاب كل من يتوجب إرهابه لجعل كل دولة تقف على خطورة تداعيات أى موقف ستتخذه مستقبلًا ضد « إسرائيل »، وفي المهداف مؤتمر باريس الدولي المنوي عقده في منتصف الشهر القادم، ومؤسسات الامم المتحدة والمنظمات الدولية.
 في السابق، كانت « إسرائيل » إلى حد كبير تتبنى مقولة بن غوريون في التعامل مع القرارات الأممية حيث قال ”لا يهم ما يقول الغرباء، المهم ما الذي يفعله اليهود”. وبالفعل، إن عشرات القرارات التي صدرت من الأمم المتحدة ومجلس الأمن لصالح الفلسطينيين وضد الاحتلال والإستيطان لم تفعل شيئًا على الأرض، وليس فقط لم تحقق شيئًا للفلسطينيين على الأرض؛ بل انها حتى لم توقف التوسع والتغول و الفتك بالقضية الفلسطينية ومشروع الدولة، و حتى أن بان كي مون في خطابه الوداعي في الأمم المتحدة أعرب عن يأسه من عدم قيمة قرارات مؤسسات الأمم المتحدة الخاصة بالقضية الفلسطينية.

على مدار عشرات السنين من المناورات السياسية تراكمت كم هائل من القرارات والانتقادات والتقارير والمؤتمرات ضد « إسرائيل »، مع ذلك عجزت الأمم المتحدة على أن تقوم بدورها في مساعدة الشعب الفلسطيني في تحقيق هدفه. حيث كانت « إسرائيل » وأصدقائها، وبذكاء ومناورات واستخدام النفوذ الأمريكي القوي، تلتف على تلك القرارت وتجعلها مجرد حبر على ورق بلا أي قيمة عملية، فكانت « القافلة تسير دونما انزعاج من نبح الكلاب ».
 اليوم « تل ابيب » باتت تستشيط غضبًا من« نباح الكلاب » وتريد معاقبتها لمجرد التصويت بنعم، تحوطًا للمستقبل لردعها وارهابها، لكن ارهابهم ليس هو الدافع الوحيد لرد الفعل الإسرائيلي المنفلت على قرار مجلس الأمن، فهو نابع أيضًا من الخوف من تداعيات القرار. فعلى الرغم من صدور قرار سابق لمجلس الأمن رقم 465 في مارس من العام 1980، ينص على عدم اعطاء شرعية للبناء خلف الخط الأخضر وأن المستوطنات تعتبر انتهاك للقانون الدولي، إلا أنه لم يغير شيئًا ولم يوقف الاستيطان. فقد كان عدد المستوطنين في حينه في الضفة الغربية وقطاع غزة لا يتجاوز 12500 مستوطنًا موزعين على 47 مستوطنة وبؤرة استيطانية، وبعد قرابة سبع وثلاثون سنة من صدور القرار وصل عدد المستوطنين إلى قرابة أربعمائة ألف مستوطنًا موزعين على 247 مستوطنة وبؤرة استيطانية في الضفة الفلسطينية. 
 بيد أن « تل ابيب » تخاف اليوم بحكم تغير الواقع والظروف. فعندما صدر القرار السابق لم يكن بالإمكان انبات أنياب للقرار، فلم يكن هناك من يستطيع أن يحوله إلى مرجعًا قانونيًا فاعلًا ومهمًا؛ لكن الظروف منذ ذلك الوقت تغيرت وأصبح للفلسطينيين دولة غير عضو في الأمم المتحدة و أصبحت منضمة للعديد من المنظمات والمؤسسات الأممية الفاعلة، وأصبح بإمكانها التقدم بشكاوي ضد « إسرائيل » في محكمة الجنايات الدولية. وقد تقدمت فعلًا بشكاوي ضد الاستيطان وارتكاب « إسرائيل » لجرائم حرب؛ وشرعت المدعية العامة الدولية بفحص تمهيدي مسبق للتقرير بشأن قبول الشكوى ضد الاستيطان باعتباره جريمة حرب. وقرار مجلس الأمن يعزز اتجاه الشروع بمحاكمة « إسرائيل »، حيث أن المحكمة الدولية قررت في العام 1971 أن الدول لا يمكنها تجاهل قرارات مجلس الأمن القاضية بأن وضعًا معينًا ليس وضعًا قانونيًا، كما أن من شأن القرار أن يعزز اتجاه التمييز بين « إسرائيل » والأرض المحتلة عام 67 وهو توجه موجود أصلًا، فالخوف من تداعيات القرار يشكل أحد دوافع الرد الإسرائيلي المنفلت.
كما أن الموقف الإسرائيلي المتفجر من القرار موجه للداخل الإسرائيلي؛ يحمل رسالة أنه لا يهم ماذا نفعل أو لا نفعل، ولا يهم أن نبني في عمونا أو نكتفي بايقاد شموع الحانوكا في ساحة البراق؛ فالعالم ضدنا لأنه لا سامي، ويساوي بين أصغر بؤرة استيطانية وبين الحي اليهودي في القدس وحائط البراق. وهنا الهدف ليس فقط التحريض على الاستيطان بل وتبرئة سياسات نتنياهو من المسؤولية عن الإدانة الدولية لمشروع الاستيطان. أما الرسالة الاخرى التي ينطوي عليها الرد الغاضب ويسعى لتسويغها وتسويقها، هي رسالة حق « إسرائيل » في الرد على القرار بالمزيد من فرض الأمر الواقع.

وقد تجلى ذلك في بعدين مباشرين: الأول، الإعلان عن النية على المصادقة على خطط تخطيط والمصادقة على بناء آلاف الوحدات السكنية في مدينة القدس المحتلة، والتلميح بالاتجاه لضم بعض الكتل الاستيطانية إلى مدينة القدس. أما البعد الثاني، فقد عبرت عنه توجيهات ليبرمان التصعيدية ضد السلطة الفلسطينية، بأوامره التي أصدرها للمستوى الأمني بقطع الاتصالات السياسية والادارية والمدنية مع السلطة.
ليبرمان استغل الفرصة  ليمضي قدمًا في تعزيز سياسات إضعاف السلطة والالتفاف عليها وتحويلها إلى غير ذات صلة بالشعب الفلسطيني، سياسات إضعاف الرئيس ومؤسسات السلطة السياسية من جهة، والمحافظة على ذراعها الأمنية ودورها الوظيفي من جهة ثانية، واستنبات بدائل، وتعزيز إقامة قنوات اتصال مباشرة مع الشعب عبر جهات مهنية وقطاعية، سويةً مع سياسة العصا والجزرة، بحيث تهدف جميعها لإضعاف السلطة وفصلها عن الجمهور وتعزيز تعلق الجمهور مباشرة بـ « إسرائيل » مع الإبقاء على الدور الوظيفي للأجهزة الأمنية.

على الرغم من أن « إسرائيل » تتصرف وكأنها دولة عظمى، فهي في الواقع وبدون حليفها وراعيها، ليست أكثر من دولة منبوذة ومكروهة وخائفة. لقد ربطت نفسها بتحالف عضوي مع أمريكا. تحالف أمن لها حتى الآن القدرة على ارتكاب الجرائم بحق الانسانية وانتهاك القوانين والمواثيق والأعراف الانسانية، والتملص من تحمل أى مسؤولية. وهي اليوم، ومع الرئيس الأمريكي المنتخب وطاقمه، تزداد نشوة وغرورًا وتطلعًا للمزيد من فرض الأمر الواقع. غرورًا يعميها عن رؤية الشعب الفلسطيني صاحب القضية والمتمسك بحقوقه وأرضه، الذي لم ييأس ولم يحبط طول عقود وعقود عن استمرار نضاله وتمسكه بأحلامه وأهدافه، وأنه وحده من يملك القرار الحقيقي هنا على هذه الأرض، فلا يهمه ماذا يقول ترامب اليوم أو غدًا، ولا يهمه من ينتخب الإسرائيليون من عتاة اليمين، لأنه لا يملك سوى خيار النضال والصمود والبقاء، ولأنه يملك ارادته التي لا يستطيع أحد أن يصادرها ولا أن يكسرها، ولن يستطيع لا ترامب ولا نتنياهو ارجاع عقارب الساعة إلى الوراء.

كلمات دلالية