خبر مؤتمر باريس عود على بدء« مدريد » ..بقلم: حسن لافي

الساعة 10:06 ص|19 يناير 2017

قد تختلف الوجوه والأماكن والأزمنة ولكن يبقى الجوهر واحداً , فالمسافة من مدريد إلى باريس لم تغير المشهد كثيرا , ولا حتى الفارق الزمني من عام11991الى عام 2017_  وما واكبه من تغيرات وأحداث لم تستطع إخراج عملية السلام من حالة المراوحة في المكان التي فرضتها العقلية الصهيونية غير المقتنعة  أصلا بحل الدولتين ولا بأحقية الشعب الفلسطيني بإقامة دولته المستقلة.  

وهذا ما يجعل التساؤل عن جدوى مؤتمر باريس تساؤلاً مشروعاً؟ ويفتح الباب أمام حالة من النقاش البناء حول جدوى عملية السلام برمتها بعيداً عن الصراخ اللاعقلاني  والضجيج السياسي لهذا الطرف أو ذاك.

ولخدمة هذا الهدف لنحاول إجراء قراءة موضوعية لمؤتمر باريس ومخرجاته والسياقات التي واكبته مع المقارنة بسلفه مؤتمر مدريد كمعيار لقياس تقدم عملية السلام.

إن الحالة الدولية التي واكبت مؤتمر باريس لم تختلف كثيرا عن سلفها إن لم تكن أسوأ, فالمكتب البيضاوي في البيت الأبيض يودع أوباما ويستقبل ترامب الغامض ، والمجتمع الدولي بما فيه الولايات المتحدة يعيش حالة من القلق والانتظار لسياساته غير واضحة المعالم ، سواء على الصعيد الدولي أو على الصعيد الداخلي.

وفي ظل هذه الظروف ، الولايات المتحدة  تسحب يدها تدريجيا من قضايا الشرق الأوسط وتركز على المناطق الأكثر حيوية في سياساتها الخارجية ، وبذلك لا يمكنها ممارسة الضغط الذي مارسه الرئيس الأسبق جورج بوش الأب على إسرائيل الذي أجبرها على حضور مؤتمر مدريد.

أما على صعيد الدولة الراعية فرنسا، قد تكون الصورة أكثر قتامة من السابق , ففرنسا الساعية دوما للبحث عن إكمال الفراغات الأمريكية في الساحة الدولية والطامحة لإعادة تموضعها من جديد في مركز القرار الدولي لا تملك أوراق ضغط حقيقية على إسرائيل ، وخاصة أن الرئيس فرنسوا هولاند  يعد أيامه الأخيرة في قصر الاليزيه ، ناهيك عن الظروف المتأزمة داخل الاتحاد الأوروبي ، فبريطانيا المنسحبة من الاتحاد لا تشارك فرنسا رؤيتها الخاصة في إعادة الدور الأوروبي في قضايا الشرق الأوسط ، أو حتى مجرد التلويح بهذا الدور للرئيس الأمريكي الجديد  وهذا ما يفسر التحفظ البريطاني على البيان الختامي لمؤتمر باريس , أما ألمانيا الدولة الأهم في الاتحاد تتبنى رؤية  نتنياهو  القائلة:« أن الوقت الراهن ليس ملائما لحل الدولتين ، وإنما للعمل على تحسين أوضاع عينية على الأرض ».

وبذلك يكون المجتمع الدولي لا يملك المقدرة بالزام إسرائيل بقرارات الشرعية الدولية ولا حتى بمخرجات مؤتمر باريس أو أي مؤتمر آخر, وهذا يفسر الموقف الإسرائيلي العنجهي من المشاركة في المؤتمر ولبيانه الختامي رغم الحضور  والزخم الدوليين الذي حظي به المؤتمر.

أما الحالة العربية فهي متشابهة لحد كبير في الحالتين ، فضعف المنظومة العربية عشية مدريد يقابلها انهيار شبه كامل لها بعد الفوضى التي تلت الربيع العربي وتغير الأولويات العربية باتجاه التحالف مع إسرائيل ضد الخطر الإيراني والإرهاب الداعشي, وبذلك لم يعد السلام مع الفلسطينيين شرطاً أساسياً لدمج إسرائيل في المنطقة ، ناهيك عن الحالة الفلسطينية الغارقة بانقساماتها.

أما الحالة الإسرائيلية فمن البله السياسي التوقع من أشرس حكومة يمينية متطرفة مرت على إسرائيل وفي ظل هذه الظروف أن تتقبل قرارات 242و338 أو أي قرار دولي يمس بفكرة إسرائيل الكبرى وخاصة في غياب الضغوطات الدولية كما أسلفنا.

وما سبق يأخذنا إلى قرارات مؤتمر باريس والتي ما هي إلا صياغة جديدة لمبادئ مؤتمر مدريد حيث حث المشاركون في المؤتمر الفلسطينيين والإسرائيليين على « إظهار الالتزام بحل الدولتين، والامتناع عن أي خطوات أحادية الجانب تستبق نتيجة المفاوضات، خاصة بشأن الحدود والقدس واللاجئين »، متناسون خمسة وعشرين عاماً من دوامة العملية السلمية والمفاوضات المباشرة وغير المباشرة  ومئات الاجتماعات واللقاءات العلنية والسرية وعشرات القمم الدولية والاقليمية.

فكأن باريس ترجعنا ثانية إلى جارتها مدريد، ضاربة بعرض الحائط عامل الزمن ، وكأن التاريخ مجبر على العودة للوراء ليُغرق الفلسطيني بعملية تفاوضية لا تنتهي . تحقيقا للمثل القائل: « عود على بدء ».

كلمات دلالية