خبر أنس جرادات.. التجربة الاستثنائية التي تفتقدها ميادين الضفة المحتلة

الساعة 04:56 م|18 يناير 2017

فلسطين اليوم

« كل ما يقال هو فقط للضغط على إدارة السجون الإسرائيلية لإخراجه من زنازين العزل الانفرادي وإثارة قضيته في وسائل الإعلام »، هذا ما تعرفه الحاجة أم براء عن نجلها أنس غالب حسن جرادات « 36 عاما »، المولود في بلدة السيلة الحارثية غرب جنين، مبينة أن قلبها غير مطمئن على أنس، وتشعر بأنه يعاني من ضيق، يجعلها تدعو له في كل سجدة من صلاتها« .

درس أنس للصف الثالث الإعدادي في مدارس السيلة الحارثية وترك دراسته ، وتتكون أسرته من 13 فردا، 7 منهم اعتقلوا لدى قوات الاحتلال و 4 أخوات، توفي والده منذ 5 سنوات.

صفاته

تتحدث إلينا وعيناها تكاد تنفجر مما تحبسه من دموع؛ ألما وحزنا على استمرار إدارة مصلحة السجون في عزل فلذة كبدها أنس، لتصف أنس بأنه »كتوم بشكل كبير ومن شدة ذلك لم نعرف عنه شيئا حتى اقتحمت قوات الاحتلال منزلنا وأخبر ضابط المخابرات زوجي بأن أنس ينتمي للجهاد الإسلامي، وهو مطلوب للاعتقال« .

وتتابع أم براء بالقول: كان جريئا جدا وقلبه قوي منذ طفولته، وكان يحترم الناس ومحبوبا في بلدته وتجتمع كل الصفات الحسنة فيه، محافظا على صلواته منذ نعومة أظفاره، وكان يوصيني دائما بقراءة سورة يس قبل النوم لتنجيني من عذاب القبر ».

أما شقيقه أبو طوالبة، فيصفه بأنه كان حنونا وعنيدا في نفس الوقت، شجاعا ومقداما ولديه إصرار كبير على تحقيق هدفه، وهذا ما جعله ينجح في عمله التنظيمي .

ويضيف: كان أنس من الشباب ذوي الأخلاق الرفيعة، وفي أحداث انتفاضة الأقصى كانت المآسي كثيرة، والاحتلال مارس الأذى والظلم ضد الفلسطينيين؛ فآثر أن يدفع كل ما يملك في سبيل الدفاع عن الإسلام وفلسطين والشعب الفلسطيني، فاختار الطريق الأصعب، وهو حمل السلاح والوقوف في وجه الغاصبين؛ لأن لغة الاحتلال كانت لغة القوة والقتل« .

ويضيف : عندما رأى أنس ذلك البطش والظلم استُفزت مشاعره كثيرا وأقسم بأن يحمل السلاح وأن يدافع عن الشعب الأعزل وينتصر له ».

مشواره الجهادي

بدأ أنس جرادات مشواره الجهادي مع الشهيد القائد إياد صوالحة، حيث كانا روحين في جسد واحد، وقام الشهيد إياد صوالحة في حينها بتدريبه وتعليمه فنون الحرب والقتال، وكيفية تصنيع المواد المتفجرة والأحزمة الناسفة، فاستشهد إياد، وحمل أنس الراية من بعده ليكون خير خلف لخير سلف، وقد حافظ على البندقية وروحها إلى أن وقع في الأسر.

كان مشواره مكللا بالنجاح والعطاء غير العادي والاستثنائي، حيث كان المسئول رقم واحد عن عملية مجدو في ذكرى النكبة والتي نفذها الشهيد حمزة السمودي من جنين، وعملية كركور التي نفذها الاستشهاديان أشرف الأسمر ومحمد حسنين، والتي قتل وأصيب فيها عشرات الجنود الإسرائيليين. 

المطاردة والاعتقال

عقب اجتياح مخيم جنين في نيسان 2002 بدأ بريق أنس يلمع في سماء فلسطين وبصفوف المقاومة الفلسطينية على مستوى محافظة جنين، حيث كانت بصمته الأولى في عملية مجدو التي نفذها المجاهد حمزة السمودي في ذكرى النكبة 5/6/2002، والتي لم يفارق صوت انفجارها آذاننا حتى أيامنا هذه، حيث سجلت تلك العملية نقلة نوعية وحالة نادرة في مسيرة العمليات الاستشهادية لسرايا القدس، وخاصة عمليات السيارات المفخخة على مستوى فلسطين.

ومنذ ذلك الوقت بدأت قوات الاحتلال باقتحام منزل عائلته للضغط عليهم لتسليم نفسه تحت التهديد بقتله وإحضاره جثة هامدة لأمه وأبيه، على حد تعبير ضابط المخابرات الإسرائيلي.

في وضح النهار وعلى حين غفلة، اقتحمت وحدة مستعربة الحي الذي كان يسكنه ورفاقه في سرايا القدس محمد حسين جرادات « الزطام » وإياد إبراهيم جرادات، وذلك يوم 11 أيار 2003، وحاصرتهم في البناية وطلبت منهم تسليم أنفسهم، فرفضوا وقاوموا قوات الاحتلال حتى نفاد ذخيرتهم، وحضرت تعزيزات لجيش الاحتلال وقاموا باعتقالهم، وخلال هذا العام من المطاردة آلم أنس وأوجع الاحتلال بعملياته النوعية التي لم تتكرر بعد اعتقاله.

اقتادته قوات الاحتلال إلى مركز تحقيق الجلمة « كيشون » شمال مدينة حيفا المحتلة حيث مكث هناك قرابة 100 يوم ، وبعد عقد عدة جلسات لمحاكمته أصدرت محكمة سالم العسكرية غرب جنين بحقه حكما بالسجن 35 مؤبدا و35 سنة بتهمة الانتماء لسرايا القدس الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي في فلسطين، والتخطيط لعمليات استشهادية.

ومن بطولات وشهامة جرادات أنه كان حريصا على توجيه سلاحه صوب أفراد الجيش الإسرائيلي المدججين بالسلاح ، حيث كان يمتلك من الرجولة ما يحتم عليه مواجهة الجنود المسلحين فقط ويستبعد المدنيين والأطفال من المواجهة في حين الاحتلال يستهدف المدنيين والأطفال باستمرار، وقد ترك في هذا المجال بصمات واضحة يشهد لها العالم بأسره .

شكّلت العمليات التي وقف خلفها أنس جرادات إلى جانب الشهيد القائد إياد صوالحة، بالإضافة لعملية راغب جرادات على مفرق الياجور وعملية هنادي جرادات في مكسيم حيفا، ردا قويا جدا على جرائم الاحتلال في مخيم جنين بشهر نيسان 2002 .

تجدر الإشارة إلى أن قوات الاحتلال بدأت باقتحاماتها لمنزل عائلته في أعقاب ردود فعلها الإجرامية على عملية مفرق كركور وقامت بهدم منزل ذويه، قبل اقتحاماتها التي كانت منتظمة أسبوعيا.

وضعه الصحي

مثله مثل كل الأسرى الذين يتعرضون للاعتقال من قبل قوات الاحتلال لابد أن يتعرض للإهمال الطبي والذي سيؤدي في نهاية المطاف لظهور أمراض كثيرة على أجسادهم.

ولا يوجد حتى اللحظة تشخيص واضح للحالة الصحية للأسير أنس جرادات، سوى أن مدير سجن عسقلان أخبره بأنه يعاني منذ سنة تقريبا من صفار الكبد، ولكن إهمال إدارات السجون منعتها من إخبار مدير السجن بإصابته بهذا المرض، وهذه شهادة ضمنية من الاحتلال بإهماله الطبي ومسؤوليته عن لاج هذا المرض، والتي ربما لو عولجت مسبقا لما وصلت لوضع قد يشكل خطورة على حياة الأسرى .

وحملت عائلة الأسير جرادات، الاحتلال وإدارة مصلحة سجونه المسؤولية الكاملة عن حياة أنس، داعية جميع المؤسسات وعلى رأسها هيئة شؤون الأسرى والمحررين ونادي الأسير للانتصار لقضية أنس والضغط لإخراجه من العزل الانفرادي ونقله إلى المستشفى للعلاج.

كلمات دلالية