الشهيد الصالحي..

خبر مؤثر...والدة محمد: هكذا مات بين ذراعي ولم أستطع إنقاذه ....!!!

الساعة 07:19 ص|15 يناير 2017

فلسطين اليوم

في روايتها لما حدث مع الشهيد محمد الصالحي وقت استشهاده تبدو والدته « إزدهار الصالحي » كمن يحدث نفسه، غائبه عن الواقع، تتمتم حينا و ترفع صوتها حينا آخر وكأن لا أحد حولها، قالت:« أطلق أول رصاصة على محمد من مسدس كان في جيبه ... ركضت ووقفت بينه و بين محمد ولكنه واصل إطلاق الرصاص عليه من بين يدي وصل الرصاص لجسد محمد ومات... كنت أرى ضوء الرصاص يخرج مع كل طلقة... وأصرخ دون أن يسمعني أحد ».

ومحمد أستشهد الخميس الفائت بعد إقتحام الاحتلال منزله في مخيم الفارعة القريبة من مدينة نابلس وإطلاق أكثر من 11 رصاصه بجسده، حينما حاول الدفاع عن والدته من الجنود الذين اقتحموا منزلهم فجرا لإعتقال أحد أبناء الجيران.

تقول ل« مراسلة فلسطين اليوم »:« كنت أنام أنا ومحمد في هذه الغرفة ( غرفة لا تتجاوز مساحتها تسعه أمتار) وعند الساعة الثانية ونصف فجرا سمعت محمد يقول لي الجيش خارج الغرفة، وما هي إلا ثواني حتى أقتحم الجنود علينا الباب ... قفز محمد من فراشه ووقف رافعا يده وحاول اخراج الجندي من الغرفة وأمام المطبخ في حوش البيت بدأ الجندي بإطلاق النار عليه ».

والدة محمد ركضت خلفه لحمايته فوقفت أمام محمد والجندي قالت إن الرصاص كان يدخل من بين يديها وكتفيها ويصل لمحمد، الذي سقط على الفور أمامها:« صرخت بأعلى صوتي محمد مات محمد مات، كنت أعرف أنه استشهد على الفور فالجندي استمر في إطلاق الرصاص حتى تأكد أنه أستشهد ».

حاولت الوالدة إسعاف أبنها إلا أن الجندي هددها أنه سيقتلها إذا لم تدخل الغرفة، بقي محمد على الأرض ينزف لساعة وكلما حاولت فتح الباب لرؤية محمد كان يرفع البندقية صوبها...حتى حضر أحد الجنود وعلى رقبته سماعه وقام بفحصه وأشار للجندي انه مات.

تقول:« كانوا قد حولوا المنزل إلى ثكنه عسكرية، من السطح دخلوا للبيت و أنتشروا في كل مكان وبعد وصولهم لبيت الجيران وإعتقال أبنهم قاموا بالأنسحاب و تركوا محمد على الأرض »يسبح« بدمه ».

بعد خروج الجنود من بيت محمد وصل الجيران وأهالي المخيم فكان محمد لا يزال على الأرض، نقلوه إلى المستشفى التركي بمدينة طوباس القريبة، وهناك تبين إن 11 رصاصه اخترقت جسده من مسافة الصفر.

في مكان إستشهاده أثار الرصاص لا تزال واضحة على الجدران وباب المطبخ و الأواني، لم يكن هدف الجنود إيقاف محمد أو إخافته وإنما قتله بكل الرصاص الذي أطلقوه نحوه، فهو لم يكن مطلوبا لهم للاعتقال ولم يكن هدفهم بالأساس.

بعد ساعات تلقت أم محمد هاتفا من محافظ طوباس، بعد تعزيتها قال لها أنهم سيشرحوا جثمانه فرفضت الوالدة بشدة، قالت له إن محمد أعز و أهم ما لديها في هذه الحياه ولا يهمها ما يحدث من بعده، من ملاحقة من قام بقتله أو رفع قضايا للمحاكم الدولية، « قضيتي أبني وانتهت بموته »، قالت.

شُيع محمد بنفس اليوم بجنازة مهيبة لم يشهد المخيم مثلها، خرج فيها كل من عرف وتعامل مع محمد وأحبه وهو الشاب البسيط المتدين والمسالم، وصاحب الإبتسامة التي لا تفارق وجهه، كما شهد له كل أبناء المخيم.

وبدفن محمد لم يبق لوالدته أحد في بيتها، فهو وحيدها في الدينا، كما تقول الوالدته:« رزقني الله بمحمد وشقيقته بعد وفاه أبني الأكبر حينما كان عمره أشهر، فكان لي كل شئ هو وشقيقته سماح، إذا تأخر كنت أنتظره على باب البيت حتى يعود، وكنت عندما أسمع عن إقتحام الجيش للمخيم أمنعه من الخروج، ولكنني لم أستطيع حمايته هذه المرة نزلوا لنا من الأسطح وفي قلب البيت قتلوه ».

سماح تزوجت في مخيم عسكر القريب قبل 16 عاما،  وبقي محمد وحيدا مع والده ووالدته طوال هذه السنوات، وبعدما مات والده قبل عام ونصف أصبح محمد عالم والدته الكامل، فكان يخرج من البيت للعمل، (كان يبيع الذرة على العربة في شارع المدارس في المخيم)، ويعود إلى بيته ليجلس مع والدته ويهتم بها بعد أن أنهكها المرض.

مرض والدته منعه أيضا من الخروج من المخيم للعمل في الخارج المخيم، فكان يقبل بالعمل البسيط في سبيل البقاء بجانب والدته والاهتمام بها وهي التي لا أقارب لها في المخيم، تقول الوالدة.

تقول الوالدة:« كان محمد في بداية حياته يعمل في جهاز الشرطة الفلسطينية، ولكن خلافا بينه وبين أحد المسؤولين عنه جعله يترك وظيفته، وبعد الإفراج عنه من سجون الإحتلال، حيث اعتقل في حملة إعتقالات طالت عشرات الشبان في المخيم خلال انتفاضة الأقصى)، حاول العودة إلى العمل ولكن لم يستقبله أحد، فبقي يعمل على العربة ».

محمد كان بالكاد يكفي مصاريف والدته وبيته، فكان منزله من أبسط البيوت في المخيم، وكان كل أمله أن يحصل على عمل يتمكن من خلاله من اكمال بناء البيت والزواج.

تقول والدته:« دائما كنت أقنعه أن يتزوج لتكون زوجته وأولاده ونساً من بعدي، كان يقول لي أن الظروف لا تسمح، ولكن قبل استشهاده بأيام أقتنع وقمت بخطبة أبنه أقاربه من مدينة جنين، كنا سنتمم الخطبة بعد أسبوع ».

والدة محمد التي كانت تخشى عليه من الوحدة في حال أصابها أي شئ أصبحت هي الوحيدة بعده، لا تملك سوى صدمتها وصور محمد في مخيلتها صغيرا وحتى كبر شابا واستشهد أمامها، تقول:« من حبي له أرضعته خمسة أعوام، كان طفلا جميلا هادئا مسالما وشابا ذكيا متدينا ومحبا للحياة رغم كل الظروف التي لم تسمح له تحقيق ما تمنى ».

وتذكر والده محمد في الأيام الأخيرة كيف كان يحدثها بإستمرار عن أحلامه بالشهداء، وخاصة الشهيد « عماد مغنية » وأبنه الشهيد « جهاد »، قالت كان قلبي ينقبض وهو يتحدث عن أحلامه بإستمرار، ولكنني لم أتصور أبدا أن يلحق بهم شهيدا.

كلمات دلالية