خبر الأسير سعيد البنا.. وردة تذبل خلف القضبان

الساعة 08:15 ص|01 يناير 2017

فلسطين اليوم

كانت جالسة في منزلها تعد طعام الغداء، حينما بدأت الأخبار الآتية من جهاز مذياع وضعته في المطبخ، تتوالى على مسامعها تباعا، بأن عددا كبيرا من جنود الاحتلال يحاصرون إحدى البنايات في مدينة طولكرم، لم تكترث كثيرا، وواصلت عملها حتى لا تتأخر عن تحضير الطعام، لكن شيئا ما سبب لها قلقا مفاجئا!!.
حملت هاتفها النقال، وراحت الأم حياة البنا تجري مكالمات على أبنائها واحدا تلو الآخر، وعندما جاء دور سعيد كان هاتفه مغلقا، فزاد شكها وفزعها بأن يكون هو المحاصر، ولم يخب ظنّ الأم.
في الثاني من نيسان عام 2003، وبعد عدة ساعات من حصار البناية تمكن جنود الاحتلال من سعيد البنا المولود في مخيم طولكرم للاجئين والبطل في سرايا القدس الذراع العسكري لحركة الجهاد الإسلامي، الشاب الذي لم يكن وقتها قد تجاوز الثانية والعشرين من العمر، واقتادوه إلى معسكرات التحقيق.
قبلها عاش سعيد بين أفراد عائلته المكونة من عشرة أفراد، حياة طبيعية، له طموحه وأحلامه وآماله التي يتمنى تحقيقها، لكنه لم يستطع غض النظر عن جرائم الاحتلال التي ارتكبها عقب اجتياحه مدن الضفة المحتلة في نيسان 2002، ومارس خلالها أبشع أنواع القتل والتدمير، فكان هذا سببا في تخلي سعيد البنا عن مخططاته، ويلتحق بصفوف المقاومة الفلسطينية في سرايا القدس.
لم تكن العائلة تعرف الكثير عن العمل العسكري لابنها، حيث تقول والدته: إن حجم الدمار والتخريب الذي كان يمارسه جنود الاحتلال في كل مرة يقتحمون فيها منزلنا يدل على أنه لم يكن مقاوما عاديا، كانوا يصرخون علينا ويطلبوا منا تسليم سعيد، ويهددوننا بتفجير المنزل، ويعتدون علينا« .
مكث سعيد في أقبية التحقيق، وتعرض لتعذيب قاس على يد قوات الاحتلال، وجرت له محاكمات عدة، وفي اليوم الذي نطقت فيه المحكمة بالمؤبد على سعيد بعد عامين من الاعتقال، لم تتمكن والدته من الذهاب لوعكة صحية ألمت بها، فكان نصيب والده أن يتجرع وحده صدمة الحكم، تتذكر الوالدة يومها أن زوجها عاد شاحب الوجه، وعلامات الإعياء بادية على وجهه قالت: » شعرت كأنه مريض منذ سنوات« .
وفي اليوم الذي لحق بمحكمة سعيد، حاولت الأم إيقاظ زوجها ليذهب إلى عمله، لكن كانت الفاجعة، توفي الوالد بجلطة قلبية حسرة على فلذة كبده.
تحلت الوالدة بالشجاعة الكافية لإخبار ولديها سعيد وأحمد الذي كان وقتها معتقلا مع شقيقه، أبلغتهما الأم بأن والدهما فارق الحياة.. وتضيف: قلت لهما لله ما أخذ ولله ما أعطى وكل شيء عندهم بمقدار، وذكرتهما أن كل شيء من الله وعلينا أن نرضى بحكمه، كما عبرت لهما عن مدى فخري بهما، حاولت التخفيف عنهما ما استطعت، لكن تركتهما في وضع نفسي صعب، لم يغمض لي جفن يومها ».
وتتهم قوات الاحتلال الأسير سعيد البنا بقتل متخابرين معها وتفجير جيبات عسكرية إسرائيلية في طولكرم، أسفرت عن مقتل وإصابة عدد من الجنود، والانتماء لسرايا القدس الذراع العسكري لحركة الجهاد الإسلامي.
أمضى سعيد في معتقلات الاحتلال 14 عاما، تنقل خلالها بين عدة سجون، وحاليا يقبع في سجن نفحة الصحراوي، وهناك حدث ما لم يكن متوقعا، حيث أصيب بوعكة صحية شديدة، وبعد مماطلة وتسويف من إدارة مصلحة السجون، أجرت له فحوصات ليتبين أنه مصاب بسرطان في المثانة.
« في البداية لم يخبرني أحد بأنه مريض بالسرطان، قالوا لي إنه مصاب بنزيف في الدماغ نتيجة الاعتداء عليه من قبل وحدة »النحشون« ، وحاولوا تمهيد الخبر، إلى أن علمت أخيرا بمرض ابني، ماذا عساي أن أقول؟ أستودعه الله » قالت الأم.
منذ شهرين لم تتمكن الأم من زيارة ابنها المغوار سعيد، وتبدي قلقا وخوفا على حياته، مشيرة إلى أنه وفي آخر زيارة له بدت عليه علامات المرض والإعياء « كان شاحبا، وجهه مائل إلى الاصفرار، وهزيلا، سألته عن صحته فأخبرني أنها ممتازة، أعلم أنه يكابر وأنه مريض حتى لا يشعرني بالقلق ».
لكنها في الوقت ذاته على ثقة بأن المقاومة الفلسطينية، لن تترك الأسرى يواجهون مصيرهم لوحدهم، لتضيف :« نحن على ثقة تامة بأن النصر سيكون حليفا لنا، وسيفرج عن أسرانا بسواعد مقاومينا الذين يواصلون العمل ليل نهار، وكون ابني سعيد ابن حركة الجهاد الإسلامي فأنا على ثقة بالنصر القريب ».
وتتابع بالقول: « أريد أن يفرجوا عنه بأي طريقة، لا أحتمل فكرة مرضه ووجوده في السجن، متسائلة: » هل من الممكن أن يفرجوا عنه إذا أضرب عن الطعام، ولو لشهر واحد؟« ، ثم تعود لتقول : »سعيد كان وردتي والآن أراها تذبل"

كلمات دلالية