خبر سفير ترامب في إسرائيل نموذج لإدارته الجديدة.. حلمي موسى

الساعة 01:01 م|19 ديسمبر 2016

يبدو الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب أقرب ما يكون إلى شخصية هزلية وجدت نفسها فجأة تتحكم بمصير العالم. وكان في تنافسه على الرئاسة الأميركية يتصرف وكأن دافعه هو التواجد على الساحة أكثر من الرغبة الفعلية في أن يكون مسؤولا ومديرا لحياة الأميركيين وكل من يتأثر بهم في العالم. وعندما فاز واصل اللعبة بطريقته وعكف على محاولة إدارة أميركا وبعدها العالم بطريقة رجل الأعمال المجرب.

كان أول صدام له مع الصين التي بدأت تكشر عن أنيابها في ظل ما تراه تخليا عن سياسة أميركية مستمرة منذ ثلاثة عقود تقوم على فكرة «صين واحدة». وليس مستبعدا أن ترامب مقبل على صدام مع جمهور واسع في أميركا تربّى على العداء مع روسيا وصار يسمع كل يوم أنه كان لروسيا دور في انتخاب ترامب واسقاط هيلاري كلينتون. ورأى كثيرون في تعيين وزير الخارجية تيرلسون نوعا من رفع اصبع ثلاثي مهين لجميع من لا يرتاحون لروسيا. وبالنسبة لنا كان مسك الختام تعيين المحامي ديفيد فريدمان سفيرا للإدارة في إسرائيل.

وربما أن الكثير من العرب والمسلمين لا يعرفون شيئا عن ترامب وأفكاره المتطرفة ضد الفلسطينيين ومع المستوطنين. ولكن هذا الجهل ليس نصيب الكثير من اليهود في أميركا وإسرائيل ممن يرون في فريدمان ليس مجرد شخص معاد للعرب وإنما أيضا معاد لمن يختلف معه من اليهود. وقد اعتبر جماعة مثل «جي ستريت» اليهودية اليسارية في أميركا نوعا من المتعاونين مع النازية في زمن المحرقة. وهو لا يكتفي بذلك بل يطمح إلى فرض قيمه على المجتمع الإسرائيلي من خلال تأييده للاستيطان ورفضه لحل الدولتين ومعاداته للديموقراطية.

وليس صدفة أن تكون «جي ستريت» أول منظمة تعلن معارضتها لتعيينه سفيرا لأميركا في إسرائيل وتشهر رغبتها في التصدي لهذا التعيين عبر العمل ضده لدى أعضاء الكونغرس، وهم أصحاب حق المصادقة والاعتراض على هذا التعيين. وبعد ذلك جاء الاعتراض من جانب منظمات يسارية إسرائيلية رأت أن فريدمان أقرب إلى تمثيل المتطرفين من أنصار كهانا وحزب «البيت اليهودي» منه إلى أي جهة أخرى. بل إن حزب العمل أو «المعسكر الصهيوني» أعلن أن على فريدمان إن تم تعيينه أن يأخذ بالحسبان واقع أن أكثر من نصف الإسرائيليين لا يتفقون مع أفكاره ضد الدولة الفلسطينية وحل الدولتين.

وربما لهذا السبب كرست صحيفة «هآرتس» الليبرالية افتتاحيتها لتعارض تعيين فريدمان. وكتبت تحت عنوان «شخصية غير مرغوب فيها» أن «فريدمان، حسب سيرة حياته وتصريحاته، لا ينتمي الى المادة التي يصنع منها سفراء بارزون بل ولا يشبه في خلفيته السفراء اليهود الثلاثة منذ التسعينيات، مارتين اينديك، دانييل كارتسر ودانييل شابيرو. فهو أحادي النظرة واحادي الجانب. لو كان للمستوطنين دولة خاصة بهم في الضفة الغربية لكان من المناسب أن يكون فيها سفيرا؛ وربما حتى هذا لا يكون صحيحا لان تماثله الاساس يجب أن يكون مع المصلحة الاميركية العامة وعليه أن يفهم أيضا المصلحة الامنية والسياسية لاسرائيل كلها، وليس فقط للذيل الاستيطاني الذي يهز للكلب». ورأت أن هذا التعيين يتعارض صراحة مع نصائح باراك أوباما لترامب الذي «يتجاهل بشكل تظاهري جوانب أخرى من المسألة الاسرائيلية ـ الفلسطينية، يمنح الوظائف للموالين له ويغازل الاقلية المتطرفة اليمينية من يهود أميركا. اذا ما رفض مجلس الشيوخ تعيين فريدمان، في أعقاب فحص دقيق لخلفيته واستجواب متشدد، فستكون هذه نعمة لاسرائيل».

واعتبر الكاتب اليساري في «هآرتس» جدعون ليفي أن تعيين فريدمان يظهر أن الأإدارة الأميركية تؤيد علنا و«بشكل رسمي ومتحمسة لإنشاء نظام فصل عنصري بين البحر والنهر». ورأى أن فريدمان خلافا لأسلافه من السفراء اليهود في إسرائيل كان يدفع من جيبه للمستوطنين «بقصد التعدي على أراضي الغير». ولاحظ أن في الأمر إيجابية واحدة وهي أن هذا أنهى عصر بيانات التنديد الفارغة التي كانت تصدرها وزارات الخارجية الأميركية بعد كل بناء استيطاني وإدعاء أميركا بأنها وسيط نزيه. وأكد أن تعيين فريدمان جيد لأنه نزع القناع أمام الفلسطينيين والأوروبيين والعالم عن وجه أميركا وتأييدها الاحتلال.

وأيا يكن الحال ثمة في إسرائيل من يرى في تعيين فريدمان جزء من سياق متكامل لتعيينات تقود في النهاية إلى شرذمة العالم. وفي نظر هؤلاء فإن فريدمان ليس أكثر من تاجر وهو ليس أبدا صاحب مبادئ، ما يستدعي من إسرائيل الحذر حتى لا تغدو مجرد جزء من صفقة يعقدها ترامب مع آخرين قد تكون روسيا على رأسهم. وقد كتب ران أدلست في «معاريف» أن ترامب إضافة إلى كونه مغروراً وصبيانياً وعنصرياً وكذاباً إلا أنه مع توليه مهام منصبه قد يتبدى كفوضوي طامح لتغيير الوضع القائم. والوضع في العالم وفي أميركا ليس على ما يرام لجهة الفوارق الاجتماعية ولما يتبدى من عفن. ويجد أن ترامب قد يقود إلى ثورة إن لم يحقق للأميركيين الغاضبين الذين حملوه إلى الرئاسة مطامحهم.

وواضح من خلال التعيينات أن ترامب يتجه إلى طريق جديد وغير مجرب. في إدارته أشخاص يملكون أموالا أكثر مما يملكه ثلث الشعب الأميركي. وليس من الواضح إن كانت هذه التعيينات قابلة لأن تجلب لترامب «الحلول الكبرى» والصفقات التي يتطلع لها.

كلمات دلالية