خبر انتخاب ترامب رئيسًا للولايات المتحدة - أين يجب توجيه الشعاع؟

الساعة 08:03 ص|05 ديسمبر 2016

فلسطين اليوم

بقلم: كوبي ميخائيل

أطلس للدراسات / ترجمة خاصة

انتخاب دونالد ترامب رئيسًا للولايات المتحدة قاد الكثيرين في إسرائيل للانشغال بتوجيه النصائح بشأن السياسة الإسرائيلية تجاه الرئيس المنتخب والحكومة التي سيشكلها، بهدف ترميم العلاقات بين البلدين وتوثيقها، وسيما إلى بلورة مواقف بخصوص القضية الفلسطينية والاتفاق النووي مع إيران والأزمة في سوريا، وكذلك من أجل استقرار مصر والمساعدات الأمنية.

إذًا فانتخاب ترامب رئيسًا قد يتضح انه فرصة استراتيجية بالنسبة لإسرائيل من أجل تعزيز العلاقات مع الحكومة الأمريكية، وتوثيق وتعميق التنسيق معها في كل ما يخص المصالح الاستراتيجية الإسرائيلية الحيوية. إلى ذلك سيكون من الصواب من جهة إسرائيل أن تتصرف بنوع من الحذر والتواضع، وأن تضمن انه - إلى جانب استغلال هذه الفرصة - لن تتضرر مصالحها الحيوية على ثلاث ساحات مهمة، والتي تتأثر بشكل مباشر بانتخاب ترامب رئيسًا: الساحة الفلسطينية، والساحة الإسرائيلية الداخلية، والساحة السياسية الأمريكية.

انتخاب ترامب قاد إلى ردود فعل يائسة وتخوف أو على النقيض أمل كبير، على الساحة الفلسطينية لوحظ القلق الكبير من مواقف الرئيس المنتخب وطاقمه القادم، على الساحة الأمريكية الكثيرون من المعسكر الديمقراطي الذين تنتمي إليهم الغالبية العظمى من يهود الولايات المتحدة يستصعبون تقبل انتخاب ترامب ويعتبرونه خطرًا كبيرًا على القيم والروح الأخلاقية الأمريكية، على الساحة الإسرائيلية نفسها تسعى الفصائل السياسية المعارضة لحل الدولتين، والتي تؤيد توسيع الاستيطان، بل وضم مناطق من الضفة الغربية ومسارعة البناء في المستوطنات وتقنين البؤر غير القانونية على افتراض أن الرئيس المنتخب سيقدم تشجيعًا لهذه السياسة، على أساس الأقوال التي أدلى بها خلال حملته الانتخابية، وكان من الممكن الاستنتاج منها انه يؤيد إسرائيل تأييدًا بلا حدود.

على الساحة الفلسطينية قد يرمز انتخاب ترامب بالنسبة للكثيرين خيط الأمل بخصوص ترتيب سياسي، وبخصوص تشجيع العناصر المتشددة على قيادة الشارع الفلسطيني إلى الكفاح المسلح الذي يرتدي لباس الانتفاضة الثالثة، من باب أن الجميع في أقصى حالات التطرف. سياسة إسرائيل في تسريع البناء خارج التجمعات الاستيطانية وتقنين البؤر غير القانونية؛ من شأنه - والأمر كذلك - أن يفسر على انه تلميح بشأن نية إسرائيل استغلال انتخاب ترامب لتغيير الواقع على الأرض بشكل غير قابل للتعديل - تطور يضعف على الساحة الفلسطينية معسكر المؤيدين للاتفاق مع إسرائيل ويرفع مستوى اليأس - حتى إقامة الحكومة الجديدة، وسيما بعد تجهيزها للعمل بشكل حصيف لتعزيز التفاهمات المتعلقة بالقضية الفلسطينية، بما في ذلك إمكانية تغيير العقيدة القائمة.

على الساحة الأمريكية انفغرت شروخ بين المعسكرات الحزبية، نشطاء من المعسكر الديمقراطي يستصعبون التسليم بانتخاب ترامب رئيسًا، ومعارضي انتخابه يتميزون بإظهار الكراهية والعنف اللذين لم تشهدهما الساحة السياسية الأمريكية لسنوات طوال، لكن مصلحة إسرائيل توجب تبني دعم الحزبيْن فيها، إذ انها بالفعل كنز استراتيجي بالنسبة لها؛ لذلك يجب على إسرائيل أن تزن خطواتها في كل ما يتعلق بالتضامن وإدارة العلاقات مع الرئيس الأمريكي الذي ما يزال في سدة الحكم من خلال بذله الجهد لكي لا تفقد دعم الحزب الديمقراطي.

هذا كله على خلفية التغيرات التي طرأت على جمهور ناخبي الحزب الديمقراطي وطريقة عرضها في الساحة السياسية، وكذلك الاستياء الشديد من سياسة دولة إسرائيل في قضية المستوطنات؛ هذه الاتجاهات تقود منذ وقت طويل إلى انتقادات متزايدة في صفوف الحزب تجاه إسرائيل، مؤيدو الحزب يشعرون بالتضامن المتزايد مع الفلسطينيين، ويرون أن حل الصراع في روح رؤية الرئيس أوباما جزءًا من الأجندة الأشمل للحزب. سياسة الحكومة الإسرائيلية تعتبر من وجهة نظرهم العقبة الأساسية والأخطر في وجه حل الصراع، ونتيجة لذلك نلاحظ توجه ابتعاد الكثيرين من مؤيدي الحزب عن إسرائيل؛ هذا التوجه سيكون من الصعب عكسه أو تبطيء وتيرته كثيرًا في الواقع الحالي على ساحة الصراع الإسرائيلي - الفلسطيني، لكن من المهم العمل على ألا يتعزز ويعتمد، من أجل هذا على حكومة إسرائيل ان تبدي حساسية تجاه مزاج الحزب الديمقراطي وإبداء التعاطف والتضامن مع ما يعتبر - من وجهة نظر أعضائه - على انه قيم الولايات المتحدة الأساسية.

قضية العلاقة مع الحزب الديمقراطي ومجهود ضمان مواصلة دعمه لإسرائيل لها أهمية كبيرة، بسبب تأييد الأغلبية العظمى من يهود الولايات المتحدة لهذا الحزب، وامتعاض الكثيرين من قادة الجالية اليهودية من انتخاب ترامب. إسرائيل لها مصلحة واضحة في الحفاظ على العلاقة مع يهود الولايات المتحدة وتطويرها، إذ أنهم هم التجمع اليهودي الأكبر في العالم، والعلاقة معهم تعتبر مكونًا مهمًا بالنسبة لقوتها الناعمة، والذين يسهمون كثيرًا في حصانتها القومية. نؤكد على ان الجيل الشاب من يهود الولايات المتحدة - على وجه الخصوص - ينتقد سياسات دولة إسرائيل، وسيما فيما يخص سلوكها بشأن القضية الفلسطينية، كما انه غير متسامح تجاه تعزز قوة المؤسسة الأرثوذوكسية ومضايقتها للتيارات الإصلاحية والمحافظة التي ينتمي إليها معظم يهود الولايات المتحدة.

طريقة تصرف إسرائيل مع الرئيس ترامب والحكومة الجديدة سيكون لها بالضرورة أثر على منظومة العلاقات بينها وبين هذه الطوائف؛ ولذلك سيكون من الصواب من جهة الحكومة الإسرائيلية ان تستثمر التفكير والجهد في الحفاظ على العلاقة مع مجمل يهود الولايات المتحدة، بما في ذلك مجهود تليين ألفاظ الحاخامات البارزين في التيار الأرثوذكسي ضد التيارات الإصلاحية والمحافظة والإيضاح بشكل لا يقبل التأويل بخصوص كون هذه التيارات جزءًا لا يتجزأ من الشعب اليهودي. ذلك إلى جانب الكف عن إبداء الفرحة والإعجاب المبالغ فيهما وبأعلى الصوت لانتخاب ترامب، دون المسارعة في إبداء التأييد الصريح بهذا التعيين أو غيره للحكومة الجديدة بطريقة من شأنها ان تفسر من قبل أجزاء كبيرة من يهود الولايات المتحدة على أنها بمثابة رش الملح على جرحهم. في ذات الوقت على حكومة إسرائيل أن تخرق الصمت فيما يخص إظهار الكراهية واللاسامية، الخطيريْن في أوساط المجموعات التي تعتبر نفسها مؤيدة لترامب، والاعتراض عليهم بشدة. بالطبع مجهود الحفاظ على العلاقة مع يهود الولايات المتحدة يجب ان يتم إلى جانب الحرص على الحفاظ على مصالح دولة إسرائيل الأمنية الواضحة.

الساحة الداخلية في إسرائيل تتميز هذه الأيام بحماسة فصائل من اليمين السياسي، الملتهبة، المحمومة، ممّن يجدون في انتخاب ترامب فرصة للاستفادة في بناء المستوطنات وضم المناطق إلى إسرائيل، بتأثير من اللوبي السياسي لهذه الفصائل من شأن رئيس الحكومة والحكومة الإسرائيلية ان يعلقوا في مأزق سياسي يؤدي إلى قبول مقترحات بقوانين تتعارض ونصوص المحكمة العليا والقضاء الإسرائيلي والقانون الدولي أو اتخاذ قرارات من شأنها ان تعرض إسرائيل للانتقادات الدولية، وربما أيضًا إلى عدم التوافق والتوتر مع الحكومة الأمريكية الجديدة؛ ذلك رغم انه ما يزال من غير الواضح كيف سيتصرف الرئيس المنتخب، وعلى ما يبدو من تصريحاته والتزاماته خلال حملته الانتخابية فإنه سيواصل التمسك بها.

جانب آخر يتعلق بالساحة الداخلية، وهو سقوط الإعلام والباحثين؛ فشلهم في تشريح وفهم التيارات العميقة في المجتمع الأمريكي عمّق كراهية الشعب لهم، الإعلام، وكذلك النخب أيضًا، يفهم أنهم معزولون وقاصرون عن تمثيل جدول أعمال مختلف عن الجدول المهم لأغلب المواطنين، بغض هذه الجهات - الذي برز في سياق رحلة الانتخابات الرئاسية الأمريكية - هو ظاهرة تتجاوز حدود الولايات المتحدة، وبعد معرفة نتائج الانتخابات تحولت إلى ريح تقود أشرعة حركات سياسية تؤيد هذه النظرية في دول أخرى أيضًا، تشجيع هذه الظاهرة على الساحة الإسرائيلية من شأنه ان يعمق الصدوع السياسية ويعزز الجهات الساعية إلى إضعاف وشل الإعلام والمنظومة القانونية الإسرائيلية، وهذا باستثناء الانتقادات المبررة والعادلة الصادقة والسعي إلى الاستطلاعات الأكثر منطقية والوصول الأقل نشاطًا للمحكمة.

تجد إسرائيل نفسها في ظروف معقدة، إلى جانب الفرصة الاستراتيجية لتحسين منظومات العلاقات مع الولايات المتحدة من شأن الحماسة والتضامن الزائد عن الحد مع انتخاب ترامب ان يؤدي إلى سلسلة من التطورات السلبية على الساحات الثلاث، على القيادة الإسرائيلية ان تستغل الفرصة التي يمكن أن يوفرها انتخاب الرئيس ترامب لها، ولكن من دون تصريحات نارية، ومن دون حماسة زائدة سطحية، ومن دون تفجير تشريعات إشكالية وبناء خارج تجمعات المستوطنات بطريقة تفسر على انها محاولة لإفشال إمكانية إيجاد ترتيب مع الفلسطينيين، ومن دون التصرف بطريقة قد تفسر على أنها تشجيع للساعين إلى إضعاف إحدى النخب الإعلامية وإحكام المحكمة العليا إلى أقصى درجات الإضعاف، بل وربما التخلص منها.

المصالح الاستراتيجية الإسرائيلية تستلزم استمرار الهدوء على الساحة الفلسطينية ومنع تعزز قوة العناصر المتشددة في أوساط الفلسطينيين وضمان تأييد الحزبين الأمريكيين في إسرائيل العناية والحفاظ وتوثيق العلاقة بين إسرائيل ويهود الولايات المتحدة، وكذلك الحفاظ على صورة إسرائيل الديمقراطية التعددية؛ هذه جميعها مداميك مهمة في الأمن القومي لا ينبغي ان تهمل في الوقت الحالي، على خلفية ما يبدو انه فرصة تاريخية لتحسين العلاقات مع الولايات المتحدة في أعقاب انتخاب رئيس معروف بمناصرته لإسرائيل.

كلمات دلالية