خبر النار التي لم تأكل حيفا- هآرتس

الساعة 11:25 ص|27 نوفمبر 2016

فلسطين اليوم

النار التي لم تأكل حيفا- هآرتس

بقلم: جدعون ليفي واليكس ليباك

 (المضمون: خلافا للانطباع الذي أوجده التلفاز، فان حيفا لم تحترق. لقد احترقت عشرات المنازل، لكن لم يكن هناك أي انفعال أو صرخات « الموت للعرب » - المصدر).

قط فتح عينيه الكبيرتين والمخيفتين. القضبان تفصل بيننا. لقد علق في البيت لأكثر من يوم، في الشارع المسمى « بنجامين الاسرائيلي »، قفل الباب انصهر من شدة الحرارة ولا يمكن فتحه، وفي الاجواء كل شيء أسود. مُكيف الجيران أصبح انصهر. وشقة المسن العليا احترقت تماما. ولافتة الشارع انصهرت. ومن السيارة الموجودة في الشارع بقي الهيكل العظمي. والهيكل العظمي للمبنى المقابل بقيت منه فقط بعض أدوات المقاول. والممر الضيق تحول الى بركة وحل بسبب مياه الاطفائيين. والوادي الاخضر تحول الى اللون اسود حيث جاءت النيران منه.

هذا القط هو القط طريف الرمادي اللون، والذي يعود لرؤوبين شيرازي، الذي لم ينجح في دخول بيته. في صباح يوم الجمعة بقي من العريشة الخشبية على مدخل منزله عدد من قطع القرميد المحترق. وشيرازي الشاب اضطر الى انتظار من يساعده على اقتحام البيت. وفي هذه الاثناء حاول اطعام القط طريف من النافذة وتهدئته. وليس صعبا التنبؤ كيف كانت الليلة التي مرت على القط مع النار والدخان والحرارة والفوضى من حوله. « تعال لأريك شيئا »، قال شيرازي، « لقد احترقت المازوزة، لكن الورقة بداخلها لم تحترق ».

في اليوم التالي كانت حيفا في حالة صدمة. رياح باردة وشديدة انبعثت من الداخل وكانت غيوم من الدخان الابيض الذي ينبيء باعادة اشتعال الحرائق. طائرات الانقاذ الدولية حلقت في السماء احتياطا، والمدينة امتلأت برجال الاطفال من جميع أنحاء البلاد والمحيط، بما في ذلك من جنين وقلقيلية. إن المدينة التي قالوا عن سكانها ذات مرة إنه ليس جيدا شراء السيارات المستعملة منهم بسبب المطبات التي فيها، تدفع الآن ثمن جمالها. مدينة خضراء من السهل احتراقها. مدينة لها جمال طبيعي تحترق. اشجارها مناسبة جدا للحرائق. وهذا الامر لم يكن ممكنا في تل ابيب.

لو كانت تل ابيب قد احترقت لكانت ردت بشكل مختلف، وأكثر انفعالا. في اليوم التالي للحريق لا يوجد آلاف الفضوليين الذين يأتون لرؤية الكارثة وأخذ صور السيلفي. يحتمل أن تكون حيفا هي المدينة الاكثر اعتدالا وتعايشا بين مدن اسرائيل. وقد قبلت بالكارثة بهدوء. فلا توجد هناك شكاوى أو تهديدات، فقط سكان جاءوا في الصباح من اجل تقدير الاضرار ولعق الجراح. وأحد لم يصرخ « الموت للعرب ». وايضا ليس في الشارع الذي يسكن فيه القط طريف، حيث كتب هناك « الدولة قامت باختلاق ملف لـ اليئور أزاريا ». الهدوء هنا يُذكرنا  بضبط نفس الصيادين اليابانيين الذين رأيتهم على مداخل بيوتهم بعد الهزة الارضية والتفجير النووي في فوكوشيما في العام 2011. ايضا الاخلاء الواسع – حوالي 60 ألف شخص حسب التقارير – تم في حيفا بهدوء، لذلك لم تكن هنا ضحايا في الأرواح. حيفا، حيفا، حيفا هي مدينة حقيقية، خلافا للانطباع الذي ظهر من التقارير الاعلامية في التلفاز، حيفا لم تحترق. عشرات الشقق احترقت، والمئات تضررت، لكن ليس أكثر من ذلك. حيفا بقيت كما هي.

  من شمال الخضيرة، يبدو الكرمل وهو مغطى بالدخان، وقد يكون ذلك هو الضباب. وفي شارع رقم 2 اصطدمت سيارة خاصة مع سيارة لحرس الحدود التي قامت باعتراض طريقها. فقد سافر السائق عكس حركة السير في الشارع السريع وتبين أنه مريض نفسيا، وتم استدعاء نصف شرطة اسرائيل الى هنا واغلاق الشارع. واسرائيل لا ينقصها المجانين.

في أعالي الكرمل يمكن شم رائحة الدخان، التي ستبقى في المدينة لايام طويلة. بقايا دراجة نارية محترقة. وسيارتان الى جانبها بقي منهما كومة حديد فقط، اضافة الى خمس سيارات في شارع أورن. مشهد السيارات يبدو متشابها كليا، الحريق هنا هو حريق حقيقي: لم يبق أي شيء من الاطارات والأدوات التي تتكون منها السيارات والاضافات. « من اطارات المغنيزيوم عرفت سيارتي »، قال دمتري الذي وصل مع زوجته زينة أترمان، وهما يملكان سيارة من نوع نيسان ألميرا 2006، التي احترقت.

دمتري يعمل في « حيفا للكيماويات »، وتظهر سيارته وهي تحترق في أحد المواقع الروسية. « لو كنا في البيت لاستطعنا تحريكها »، قالت أترمان. ومثل الآخرين، دمتري على قناعة بأنني المُخمن، لذلك حاول المبالغة في تقدير قيمة العقار: « هذا مؤسف، السيارة كانت في وضع ممتاز ». واذا لم أكن مُخمنا، فعلى الأقل صفقة شراء ستتم. لقد نام الزوجان في ليل يوم الجمعة عند الأهل في نفيه شأنان، شقتهما لم تتضرر، لكن الكهرباء انقطعت ولا يمكن تحمل الرائحة. وفي الصباح بدأ الغاز يتسرب في الشارع، والاطفائيون قاموا بالعمل.

ليس بعيدا عن هناك، في شارع الغواصة دكار. « غواصة تم شراءها من قبل سلاح البحرية. شوهدت في المرة الاخيرة في 15 كانون الثاني 1968 »، كما كُتب على اللافتة. هذا هو مثلث برمودا للحرائق، تقاطع الطرق، دكار، شيزار وبوبر. الضرر الاكبر كان في الشارعين الأولين البرجوازيين اللذين توجد فيهما المنازل المتدرجة والمنظر الطبيعي. وعلى الجبل المقابل يوجد مستشفى التأهيل « فليمان ».

أثناء وجودنا في المكان وصل الشخص الذي ساعد في اقتحام بيت رؤوبين شيرازي والقط طريف. وقد خرج الاثنان بسلام.

كلمات دلالية