خبر قانوني « عمونا » والأذان يكشفان حقيقة التوجهات العنصرية

الساعة 10:48 ص|23 نوفمبر 2016

فلسطين اليوم

مركز أطلس للدراسات الإسرائيلية

أقرت اللجنة الوزارية لشؤون التشريع في 13 نوفمبر مشروعي قانونين تبييض مستوطنة « عمونا » ومنع الأذان، وكلاهما يعكسان ذات السياسة وذات التوجهات اليمينية الاستفزازية، ويكشفان الوجه الحقيقي لحكومة نتنياهو - بينيت - ليبرمان.

مشروع القانون الأول يكشف التوجهات الاستيطانية الحقيقية لحكومة كانت تحاول الاختباء خلف الإعلان الباهت لرئيسها بتأييد حل الدولتين عندما يكون الوقت مناسبًا ويتوفر الشريك الفلسطيني، ويبدو أنهم اليوم لم يعودوا بحاجة لضريبة العلاقات العامة، ولم يعودوا يتحوطون لتحدي القرارات الدولية والقوانين والمواثيق الدولية الملزمة لدول الاحتلال، وسواء كان ذلك بروح ترامب أو بوحي غوغائية جحافل الفاشيين؛ فإنه يعكس أيضًا روح أيديولوجية « غوش ايمونيم » الاستيطانية التي تشتعل في روح نتنياهو، والتي ترى في استيطان الأرض طريقًا للخلاص.

أما المشروع الثاني فهو يعكس أيضًا عمق الكراهية للفلسطينيين - بغض النظر عن مكان إقامتهم، سواء داخل الخط الأخضر أو خلفه - التي لا تستطيع حكومة اليمين إخفاءها مهما حاولت التغطية بكل الشعارات والبيانات المعسولة عن المساواة وتشجيع الاندماج، وبغير أن تقصد ذلك فقد وحّد مشروع قانون الأذان جميع الفلسطينيين تحت ذات الهجمة العنصرية، فربما هذه هي المرة الأولى التي تحاول فيها الحكومة سن قانون موجه صراحة ضد الكل الفلسطيني، حيث ان القانون موجه للمس بإعلاء الأذان في مساجد القدس ومساجد الداخل، وبذكاء عنصري حاولوا استدراك الجزئية التي تجعل القانون يشمل صافرات السبت اليهودية التي تنطلق كل صبيحة سبت، لجعل الأصوليين يصوتون لصالح القرار، فكان الاستدراك أن يمنع إعلاء الأذان عبر مكبرات الصوت ليلًا، طبعًا استخدم المشرع كلمات معسولة: مثل منع الضجيج وبث الرسائل الدينية والسياسية ليلًا عبر مكبرات الصوت.

مستوطنه « عمونا » تلخص قصة المشروع الاستيطاني من حيث التحايل والتزييف، إلى حد ارتكاب الجرائم، وتلخص مواقف الحكومات المتعاقبة من الاستيطان، وتكشف كيف احتل المستوطنون وممثلوهم قلب المشهد السياسي وقلب الجمهور الإسرائيلي؛ الأمر الذي يطرح أسئلة كبيرة عن واقعية أي حل سياسي سيتطلب تفكيك ليس البؤر الاستيطانية غير الشرعية بحسب قانون الاستيطان لدولة الاحتلال، بل المدن الاستيطانية المتنامية، والتي تقطع تواصل الأرض التي يفترض أن تقوم عليها الدولة الفلسطينية، وتحاصر مدنها وتعزلها.

البؤرة الاستيطانية « عمونا » التي أقيمت سنة 1997 شمال شرق مدينة رام الله، على بعد مئات الأمتار من مستوطنة « عوفرا » على أراضٍ فلسطينية خاصة، في عهد حكومة نتنياهو الأولى، دون أن تحصل على أيّ من التراخيص، في تحدٍ سافر حتى للقوانين الاستيطانية الصهيونية، وفي محاولة من المستوطنين لفرض أمر واقع يمنع إقامة الدولة الفلسطينية ويفشل أي مفاوضات، اعتمادًا على ذات النهج الاستيطاني الأول، واعتمادًا على الموافقة الصامتة أو التحفظ المتواطئ من قبل الحكومة والإدارة المدنية والجيش وتهرب المحكمة العليا من مواجهة المشروع الاستيطاني.

تقرير المدعية القانونية طاليا ساسون - التي كلفت من قبل شارون لدراسة البؤر الاستيطانية - حدد بؤرة « عمونا » من ضمن البؤر الأربعة عشر غير القانونية، اللاتي أقمن بشكل غير قانوني على أراضٍ فلسطينية، وقد طالبت إدارة بوش الابن حكومة شارون بتفكيك المستوطنات غير القانونية، وكانت « عمونا » من بين هذه البؤر المطلوب تفكيكها، لكن الحكومات الاسرائيلية ماطلت، واستندت في ذلك للاستئنافات والادعاءات المزيفة للمستوطنين التي ادعت ملكيتهم للأرض، وبرغم معرفة الحكومة حقيقة تزييف أوراق الملكية المقدمة في الاستئنافات لأنها تملك قائمة بسجل المالكين الفلسطينيين؛ إلا أنها غضت النظر ومنحت المستوطنين المزيد من الوقت، سواء للتهرب من مواجهتهم أو رغبة منها في منحهم مزيدًا من القوة ومزيدًا من فرض الأمر الواقع أو التأجيل لأوقات تكون أفضل للمستوطنين. محكمة العدل العليا من جانبها التي كانت تملك كل الحقائق عن التزييف، واطلعت على أوراق الملكية الفلسطينية، والتي بناءً عليها أصدرت أمرًا سنة 2006 بتفكيكها؛ إلا أنها تجاوبت مع المستوطنين ومع مطلب الحكومة بتأجيل التنفيذ، فأجلت التنفيذ سبعة مرات، وآخر تأجيل كان لمدة عامين ينتهي في ديسمبر 2016.

كل تزييف في الأوراق الثبوتية لملكية أراضي الغير يعتبر جريمة كبرى يحاسب القانون مرتكبيها وينزل بهم عقوبات رادعة، بما في ذلك قوانين دولة الاحتلال، ولكن الغريب في الأمر أن أعمال التزييف الكثيرة - التي يقوم بها المستوطنون بهدف نزع ملكية الأرض من أصحابها الفلسطينيين وتسجيلها بملكية أشخاص أو جمعيات لامتلاكها فعلًا أو لكسب الوقت أمام المحاكم - لم يتم إدانتها أو معاقبة مرتكبيها باعتبارها جرائم جنائية؛ الأمر الذي شكل جنة للمستوطنين، فهي أشبه بلعبة مخاطرتها صفر، حيث تعتبر ناجحة على كل الصعد، سواء بنجاح التزييف أو بامتلاك وقت ثمين، دون أية مخاطر.

سنة 2006 قامت حكومة أولمرت، وتنفيذًا لقرار المحكمة العليا، بهدم ستة منازل من البؤرة الاستيطانية، بيد أن رد فعل المستوطنين كان عنيفًا وقويًا، حيث اشتبكوا مع الشرطة ورجال الأمن، ورفض في حينه بعض الجنود تنفيذ أوامر قادتهم، وأشعل المستوطنون ثورة غضب عارمة على الحكومة. صحيحٌ أن الحكومة نجحت في هدم ستة منازل، لكنها في المقابل عرفت خطورة أية مواجهة مع المستوطنين، وقد أراد المستوطنون أن يجعلوا من هدم المنازل الستة في بؤرة « عمونا » علامة فارقة تحصن الاستيطان وتردع الحكومة، فرسالة المستوطنين كانت أنهم لن يسكتوا أمدًا على أي مس بالمشروع الاستيطاني، حتى لو كان تكتيكيًا، ويبدو ان لهذه الرسالة تداعيات لا تزال حاضرة حتى اليوم في كل قرار حكومي لإخلاء البؤر الاستيطانية « غير القانونية » بالمنظور الكولونيالي الإسرائيلي.

مع اقتراب موعد تفكيك البؤرة حسب قرار المحكمة العليا في ديسمبر 2016، بدأ المستوطنون حملة كبيرة ضد قرار التفكيك، واصطدم قرار نقل بعض بيوت المستوطنة المقامة على أرض خاصة فلسطينية إلى أرض قريبة باكتشاف أن الأرض المخطط النقل إليها مملوكة أيضًا لفلسطيني، والذي قدم اعتراضًا وأعلن وكشف أوراق ملكيته للأرض، مما جعل خيارات الحكومة محدودة بخيار واحد ووحيد: التوجه مرة أخرى للمحكمة بطلب تأجيل تنفيذ القرار مدة أخرى تمنح من خلالها الحكومة فرصة زمنية لتقديم حل؛ إلا أن المستوطنين رفضوا ذلك، ونظموا حملة ضد ممثليهم في الحكومة « البيت اليهودي »، وطالبوا بحل عملي يثبت وجودهم وينهي مرحلة الانتظار.

بينيت رئيس « البيت اليهودي » - الذي كان قد وافق مسبقًا على التوجيه للعليا بهدف طلب التأجيل - سارع إلى التقدم بمشروع تبييض المستوطنات غير القانونية، والذي ينص على حق حكومة الاحتلال في مصادرة حق استخدام الأرض من قبل مالكيها مقابل تعويض ومنح حق الاستخدام لمن ترغب، وهو حتى - بحسب هرتسوغ رئيس المعارضة - يعتبر تشريعًا للسرقة والسطو.

نتنياهو - الذي عارض المشروع، حيث عرف بأنه سيكلف إسرائيل الكثير من التنديدات والانتقادات الدولية، وأنه في النهاية سيسقط في المحكمة العليا لأنه مخالف لقوانين الاحتلال ويعتبر مسًا بمصداقية العليا، هذا علاوة على أن المستشار القانوني للحكومة اعترض على المشروع، واعتبره مخالفًا للقوانين الاسرائيلية ويعرض اسرائيل للمساءلة من قبل المحاكم الدولية - أعلن رفضه الدفاع عنه أمام المحكمة العليا، واعتبر أن مشروع القانون سيجعل العليا لا تقبل بطلب التأجيل.

بينيت وشاكيد رفضا طلب نتنياهو، وعرضا مشروع القانون على اللجنة الوزارية لشؤون التشريع، وتم تمرير المشروع بموافقة أعضاء « الليكود » الذين تمردوا على طلب نتنياهو، وخوفًا من لوبي المستوطنين داخل « الليكود »، وفي الكنيست اعتمد بالقراءة التمهيدية.

تعيش الحكومة الآن ذروة أزمة البؤرة الاستيطانية « عمونا »، فقرار المحكمة الذي يقترب مسلط على رقبتها كالسيف، لا سيما بعد أن رفضت المحكمة طلب تأجيل الهدم، فهل سترفض الحكومة تنفيذ قرار المحكمة العليا، وهذه لا تعتبر سابقة، فقد حدث ان تلاعبت الحكومات بقرارات العليا، لا سيما ما يخص العلاقة مع الفلسطينيين، أو ستمضي في المصادقة على مشروع القانون بالقراءات الثلاث في الأيام القريبة، وهذا بحد ذاته يعتبر تحديًا وقحًا لسلطة قانون الاحتلال، ومسًا بمكانة العليا، ومسًا بمبدأ فصل السلطات، حيث تتحول الكنيست الى مكان استئناف على قرارات العليا عبر سن قوانين تتجاوز بشكل فج قرارات العليا.

ملف البؤرة الاستيطانية « عمونا » من ألفه إلى يائه، بما في ذلك أقوال وخطابات السياسيين والقانونيين الإسرائيليين المتعلقة بالأمر، يجب ان تكون على مكتب كل زعماء وسياسيي العالم للوقوف على أعمال التدليس والاحتيال والتضليل والخداع الذي تمارسه الحكومات الإسرائيلية، وتواطئ مؤسساتها القانونية لكشف حقيقة نوايا إسرائيل الاستيطانية التي تختبئ خلف العلاقات العامة للشعار السحري « حل الدولتين ».

 

 

كلمات دلالية