خبر مصر صوب رؤية اجتماعية اقتصادية جديدة

الساعة 08:12 ص|20 نوفمبر 2016

فلسطين اليوم

بقلم: أوفير فينتر - مجلس دراسات الأمن القومي

أطلس للدراسات / ترجمة خاصة

في الحادي عشر من نوفمبر 2016، وبانتهاء محادثات طويلة، صادق صندوق النقد الدولي على منح قرض قدره 12 مليار دولار لمدة ثلاث سنوات لمصر، بهدف مساعدتها لتخرج إلى حيز التنفيذ خطة إصلاح طامحة يمكّنها من التغلب على مشكل بنيوية مزمنة تعيق التقدم الاقتصادي. الخطة الاصلاحية تتضمن سلسلة من المكونات الأساسية، من بينها تعويم سعر الصرف، فرض ضريبة إضافية (ما عدا منتجات غذائية وخدمات صحية محددة تتمتع بالإعفاء)، تقليص الدعم في مجال الطاقة، وفي المقابل خلق شبكة أمنية اجتماعية للدفاع عن الطبقات الضعيفة. الدفعة الأولى - من بين أربع دفعات - بمبلغ قيمته 2.75 مليار دولار، أرسلت إلى البنك المركزي المصري فور المصادقة على القرض.

لا شك أن قرض صندوق النقد مهم للغاية بالنسبة للاقتصاد المصري، وسيما في ظل احتياطها المنخفض من النقد الأجنبي، لكن أهميته تتجاوز الجانب المالي الفوري الكامن فيها، فقد تلقت مصر مساعدات على مدار السنوات الأخيرة، وبمقادير كبيرة، حتى أكثر من دول الخليج، وعلى رأسها العربية السعودية، لكن الاتفاق مع صندوق النقد الدولي يجني لها فائدة استثنائية ذات قيمة مضاعفة؛ أولًا: المصادقة على القرض يعكس ثقة المجتمع الدولي بعملية الانعاش الصعبة التي دخلها الاقتصاد المصري، وأن بمقدورها أن تعزز أمن المستثمرين الأجانب والمحليين المحتملين في التوقعات الاقتصادية الكامنة باستثمار أموالهم في مصر، ثانيًا والأهم: القرض ينطوي على إصلاحات عميقة هدفها تنظيم العقد المجتمعي بين النظام والمواطنين في مصر من جديد بعد عقود من السلوك الحكومي الطائش الذي قاد البلد إلى أزمة اقتصادية خطيرة.

الحاجة إلى عقد اجتماعي جديد

شرعية النظام المصري في عهد مبارك قامت أولًا وقبل أي شيء على أسس اقتصادية، ألا وهي ضمان الحكومة توفير استجابة مناسبة لاحتياجات المواطنين المادية، وليس على أساس أيديولوجيا كريزماتية أو على أساس عقد سياسي شامل كما كان الأمر مثلًا في عهد ناصر. العقد الاجتماعي الذي اقترحه النظام المصري أيام مبارك على مواطنيه تضمن تعزيزات مادية للطبقات الرئيسية من السكان، ومن خلالها تحققت الثقة، وضمنت مصر ثلاثة عقود من الاستقرار النسبي: قادة الجيش الكبار حظوا بامتيازات اقتصادية، وأصبح الجيش هو اللاعب الأكثر هيمنة على الاقتصاد المصري، ونخبة صغيرة من رجال الأعمال تمتعت من الفرص الجذابة المتاحة لخلق الاحتكار وجمع الأموال، أبناء الطبقة المتوسطة حصلوا على مستويات مستقرة في الهيئات الحكومية والخدمات الأمنية، وأبناء الطبقة الدنيا استهلكوا المنتجات الغذائية، الخدمات الاجتماعية المدعومة التي مكنت استجابة متاحة ورخيصة للاحتياجات الأساسية.

لكن، وبانقضاء السنون، قوض العقد الاجتماعي، وتداعى وتوقف عن أداء دوره السياسي - الاقتصادي، ووجدت الدولة صعوبة في تحمل عبء الدعم المتزايد إثر الزيادة الديموغرافية التي بلغت حوالي 1.5 مليون نسمة في العام، وتحلل موارد النفط والغاز المحليين وارتفاع أسعار القمح المستورد. في خلفية الاحتقان الاجتماعي الذي قاد إلى ثورة 25 يناير 2011 تقف بطالة أكثر من ربع الشباب من الفئات العمرية (15 - 24) عامًا، وازدياد مصاعب واقع الإسكان الممكن التحقق، والارتفاع المستمر في سن الزواج، وتضخم أسعار المنتجات الأساسية، وتدهور خدمات التعليم والصحة، وقطاع شعبي فاسد مرتشٍ، سيما عدم المساواة المتزايد في توزيع الثراء بين مختلف الطبقات. رغم ان نمو الناتج القومي المصري بلغ في العقد الأول من الالفية إلى مستويات مريحة بلغت حوالي 5% في العام الواحد، إلا أن أبناء الطبقتين الوسطى والدنيا لم يتمتعوا بها وشعروا بعزلة متزايدة تجاه النظام. التعقيد الذي حل بمصر بعد الثورة أدى إلى تدهور كبير آخر في المقاييس الاقتصادية المذكورة أعلاه وقاد مصر إلى حافة الإفلاس. صحيحٌ انه ولغاية 2016 أكثر من 40% من الشباب من الفئات العمرية بين (15 - 24) عامًا في مصر عاطلون عن العمل، والكثيرون من بينهم من ذوي الشهادات الأكاديمية ممّن لا يجدون عملًا ولا يستطيعون العمل في تخصصاتهم. العجز السنوي في الميزانية الحكومية تجاوز خط الـ 10% رغم المساعدات الخليجية التي بلغت مليارات الدولارات، السياحة انكمشت، وأرباح قناة السويس المجددة لم تبلغ التوقعات المسبقة، وميزان المدفوعات السلبي أدى إلى استنزاف الاحتياطيات النقدية الاجنبية من البنك المركزي المصري وإلى تآكل قيمة الجنيه المصري وإلى تضخم غير مسبوق.

الإصلاح الاقتصادي الحالي وضع لنفسه هدفًا، وهو تقليص وتوجيه النفقات الحكومية من جديد، وتهيئة الظروف المناسبة للاستثمار المالي، وتحسين التنافس المصري في الأسواق العالمية، وإنعاش السياحة، وإيجاد أماكن عمل جديدة، وزيادة النمو، والأهم من هذا فقد أعدت لتقود إنشاء عقد اجتماعي جديد بين النظام المصري ومواطنيه يكون بديلًا للعقد القديم الذي فقد صلاحيته منذ سنوات. كما شرح عبد المنعم سعيد رئيس مجلس إدارة صحيفة « المصري اليوم » يبلغ تعداد سكان مصر اليوم حوالي 92 مليون نسمة، وتكلفة العقد الاجتماعي الأثقل بعشرة أضعاف بالمقارنة مع تكلفة العقد الذي صمم في الستينات عندما كان تعداد السكان حوالي ثلث تعدادهم اليوم. وحسب زعمه فالعقد الاجتماعي الذي سرى في مصر إلى الآن حمل الحكومة كامل المسؤولية عن إدارة حياة المواطنين منذ ولادتهم وحتى مماتهم في مجالات التعليم والرفاه والاقتصاد والعمل، والمواطنون من جانبهم ظلوا يعانون عاجزين واعتمدوا بالكلية على الحكومة، الآن وقد اقترب تعداد السكان في مصر من المائة مليون نسمة تزداد أمراضها الاقتصادية وتشتد أزماتها خطورة، والدولة المصرية ومواطنوها مطلوب منهم دراسة متجددة للعقد الاجتماعي، ويمنع على العقد المستحدث - حسب قول سعيد - قصر اهتمام الدولة على احتياجات الفقراء، وإنما يجب التركيز على شراء أدوات تمكنهم من الخروج من دائرة الفقر والترقي على السلم الاجتماعي.

تسخير الرأي العام لدعم القطاعات الاقتصادية

تنفيذ خطة إصلاحية وتحضير عقد اجتماعي جديد بين النظام والمواطنين المصريين ليسا مهمة سهلة، بطبيعة الأمور فأبناء الطبقتين المتوسطة والدنيا يتوقع أن يكونوا المتضررين الرئيسيين من الخطوات الاقتصادية، على الأقل في المدى المنظور، على ضوء العبء الكبير الذي سيقع على عاتقهم المثقل إثر تخفيض الدعم وتذبذب سعر العملات، وهي الخطوات التي من المتوقع ان تتسبب بارتفاع ثمن الكهرباء وخدمات المواصلات والاحتياجات الأساسية المستوردة، وأكثر من ذلك التقليصات المخطط لها على نفقات وزارات الحكومة من شأنها أن تتسبب بالإضرار بظروف موظفي القطاع العام الذين يمثلون سندًا للنظام، وربما تتسبب بإقالات واسعة النطاق. وكما يمكن تعلمه من « ثورة الخبز » التي شهدتها مصر في يناير 1977 فقطاعات اقتصادية من هذا النوع قد تثير اضطرابات شعبية عنيفة وواسعة ضد النظام، وأن تكون موجهة ضده من قبل قوات معارضة تسعى إلى قضم مكانته، وعلى رأسهم الاخوان المسلمين.

النظام المصري محيط بالمخاطر السياسية وجاهز لكبحها على ثلاث مستويات؛ أولًا: شرح ضرورة دفع الاصلاحات الاقتصادية « المؤلمة »، في المقال النظامي الذي نشر في « الأهرام » في الأول من نوفمبر ورد ان « مصر مضطرة في الوقت الحالي إلى الاقتصاد الحربي، وعلى الجميع أن يدرك ان ليس هناك إصلاح غير مصحوب بعناء »، معارضو الإصلاح وصفوا من قبل الرئيس السيسي بأنهم « مجرمون غير معنيون بصالح مصر » ويسعون إلى الإضرار بوحدة الشعب المصري وتقويض استقرار البلد. ثانيًا: التزم النظام المصري بأن تتضمن الإصلاحات إقامة شبكة أمان اجتماعية، في توجه لتقليص الضرر المتوقع أن يلحق بالطبقات الضعيفة، ومساعدتها على تخطي الفترة الصعبة؛ في هذا الإطار وعدوا بتوجيه الدعم من جديد، بحيث يصل إلى الفقراء والشيوخ والأطفال، وكذلك تخصيص الموارد الموجهة لتطوير الدعم لصالح الاستثمار في تحسين التعليم والصحة والبحث العلمي والدفاع الاجتماعي. وأخيرًا: بذل النظام جهودًا خاصة لتحسين صورته في أوساط جيل الشباب الذين يعتبرهم من ناحيته القطاع الاجتماعي صاحب احتمال الانفجار الأكثر ارتفاعًا في أي اندلاع للاحتجاج مستقبلًا، « مؤتمر الشباب » الذي عقده النظام في شرم الشيخ في الـ 25 - 27 من أكتوبر 2016، والذي شارك فيه كلٌ من الرئيس السيسي وأعضاء حكومته، إلى جانب آلاف الشباب المصريين، انتهى برزمة من التوصيات لصالح هذه الفئة من السكان، على رأسها: إقامة لجنة لدراسة وضع الشباب المعتقلين في انتظار المحاكمة وتصحيح قانون التظاهر وتحسين نظام التعليم العالي.

الاستجابة الضعيفة لـ « ثورة الفقراء » مبادرة فيسبوكية هدفها إثارة الاحتجاجات الشعبية الواسعة ضد الرئيس السيسي في الـ 11 من نوفمبر، ووافقت يوم المصادقة على قرض صندوق النقد الدولي؛ تشهد على ما يبدو على نجاح مجهودات تنظير النظام المصري، وربما أيضًا على قوة ردع الأجهزة الأمنية. وعلى أي حال استعداد أبناء الطبقتين الوسطى والدنيا، وسيما الشباب، في مصر لدعم الإصلاح الاقتصادي والعض على النواجذ من أجل إنجاحها ليس غير مشروط، الخطة في هيئتها الحالية تتطلب « شد الحجر على البطن » من الطبقات المتوسطة، ولكنها لا تزيد الثقل على النخب المقربة من النظام، ولا تفرض قواعد من الشفافية والإدارة الصالحة للجيش المسيطر على حوالي 40% من الاقتصاد المصري، خطوات مثل مضاعفة محاربة الفساد وزيادة الضرائب على ذوي الدخل المرتفع - والذي يبلغ اليوم حوالي 22.5% - فقط من شأنها أن تعزز الدعم الشعبي للخطة الاقتصادية. بالإضافة إلى أن تقليص الامتيازات الممنوحة من خلال الدعم يتوقع ان تضعف اعتماد المواطنين على النظام وشحذ مطالبهم بالمشاركة السياسية الحقيقية وتوفير المحاسبة من قبل السلطات.

شاهد على توقعات جيل الشباب المصريين من النظام تجده في الردود الساخرة على خطاب السيسي في ختام مؤتمر الشباب في شرم الشيخ الذي شبه فيه الرئيس نفسه بالأب، وصرّح بأنه يحب الشباب المصري وكأنهم أبناؤه. في المقال الذي ورد في « المصري اليوم » تحت عنوان « الشباب مواطنون وليسوا أبناءك » خرج عمر الهادي ضد الإصلاح الرئاسي، وحسب قوله « يبدو ان هناك ارتباك في مؤسسات السلطة، ويجب أن نذكر بالحقائق الأساسية: الدولة هي دولة الشعب، والأرض هي أرض الشعب، والمال هو مال الشعب، والجيش هو جيش الشعب، والحكم يعود للشعب، والسيادة تعود للشعب، والمؤسسات السلطوية أقيمت لخدمة الشعب [...]، إننا معنيون برئيس دولة عصرية وليس بأب أو زعيم أو خليفة ».

مصادقة قرض صندوق النقد يشكل هو الآخر فرصة بالنسبة لمصر، للانطلاق ليس في إصلاح اقتصادي؛ بل إلى عقد اجتماعي جديد ومستحدث بين النظام ومواطنيه. استقرار النظام السياسي المصري يوجب أن يكون هذا العقد شاملًا وحصينًا وقابلًا للحياة.

 

كلمات دلالية