خبر « سوق الجمعة ».. تحوّل من مكان يعجّ بالحياة إلى موت في قلب القدس

الساعة 08:48 ص|13 نوفمبر 2016

فلسطين اليوم

« سوق الجمعة ».. تحوّل من مكان يعجّ بالحياة إلى موت في قلب القدس

 

مع طلوع فجر الجمعة، كانوا يأتون لهذا المكان من شتّى بقاع فلسطين، يبحثون عن رزقهم في يوم ومكان مُباركين، فهو الملاصق لسور القدس التاريخي الذي يصل عمره لآلاف السنين.

كان يُسمّى بـ « سوق الجمعة »، ولكنّ الاحتلال أبى إلّا أن يجعله ذكرى مضى عليها سنوات طويلة، تركها في عقول من عاشها وعشق ذاك المكان بكل تفاصيله؛ من حركة التجار وأصوات الدوابّ من الأبقار والأغنام والخراف.

« سوق الجمعة »؛ المكان الذي يقع في طريق « باب الأسباط » المؤدي إلى المسجد الأقصى المبارك، وهو بالضبط يقع في الزاوية التي تفصل ما بين سور القدس من الجهة الشمالية والشرقية.

فقد رأى حسام أبو عيشة (57 عامًا)، أن سوق الجمعة « السوق الذي يأتينا ولا نأتيه، فقد كنّا أطفالاً حينما كنّا ننظر إلى أفواج التجار الذين يأتون من كل بقاع فلسطين مع دوابّهم (...)، فنراهم من رأس العامود وجبل الزيتون ».

وقال أبو عيشة (فنان مقدسي) في حديثه لـ « قدس برس »، إن اسم السوق جاء من يوم الجمعة (يأتونه فقط يوم الجمعة)، حيث كان الفلسطينيون يُسافرون من مناطق سُكناهم بعد صلاة الفجر مع حلالهم، إلى مدينة القدس ويبقون فيه حتى الانتهاء من الخطبة والصلاة.

كان السوق يقع في قلب البلدة القديمة، بمساحة تصل إلى دونمين ونصف (ألفان و500 متر مربع)، وبالتالي فإنه يتّسع إلى أكثر من 3 آلاف و500 رأس حلال (الأغنام والماشية)، ولم يكن يشكّل عائقًا على حركة السير والمصلين نهائيًا، لكن الاحتلال بعد عام 1967 بدأ بملاحقة هؤلاء التجار ومصدر رزقهم.

ويوضّح أبو عيشة؛ وهو ابن حارة السعدية في البلدة القديمة التي لا تبعد سوى مائة متر عن ذاك السوق، أن الاحتلال لم يتدخّل فورًا بالتجارة هناك، « لكن في أواسط السبعينيات قرّر أن يضرب الحركة الاقتصادية مستغلّاً القانون الإسرائيلي في منع إدخال المواشي والدوابّ بدون فحص وترخيص ».

مستدركًا: « الاحتلال عندما يتدخّل في أي شيء في القدس فالهدف منه يبدو جليًّا، وذلك في ضرب الحياة بشتّى أنواعها في القدس سواء الاجتماعية والاقتصادية والتجارية ».

استمرّت بلدية الاحتلال في ملاحقة هؤلاء التجار ومطاردتهم، وعدم السماح لهم بإنزال دوابهم، حتى مات بذلك « سوق الجمعة » في يوم وليلة، بعد أن أصبح تحت رقابة بلدية الاحتلال، وانتهت بذلك الحياة هناك بتحويل المكان إلى موقف عمومي للسيارات ثم إلى مكب نفايات.

وأفاد أبو عيشة بأن بلدية الاحتلال تتناقض في ممارساتها، فعندما منعت إدخال الدواب إلى السوق بهدف عدم نقل الأمراض للسكان، « هي ذاتها التي حوّلت المكان إلى ضرر أكبر عليهم بجلب النفايات ووضعها في قلب البلدة القديمة ».

متابعًا: « اليوم نحن في عام 2016، وهذا المكان ما زال مكب نفايات منذ أكثر من 25 عامًا، فالمكان الذي كان يعجّ بالتجار والمصلّين، وكان ملتقى أهل القدس مع الأهل في الضفة الغربية المحتلّتين، أصبح مكانًا كارثيًا على البيئة، مستفزًّا لرؤيته أو المرور بجانبه ».

ويُشير إلى أن مقابل مكب النفايات توجد « مقبرة اليوسفية » الملاصقة لسور القدس، مشددًا: « بلدية الاحتلال لم ترحم الأحياء ولا الأموات بما تقوم به من إجراءات ».

شوّهت بلدية الاحتلال هذا المكان بصورة النفايات المتراكمة في جميع الأيام، خاصة في يومي الجمعة والسبت، وخلال الأعياد اليهودية التي تصل فيها النفايات إلى نصف السور، كما أن ناقلات النفايات كانت تنقلها من المناطق المجاورة إلى هذا المكان، ثم تأتي شاحنة كبيرة وتأخذها بعيدًا، لكنها أصبحت تحرق النفايات وسط المدينة، ما يسبّب تلوّثًا بيئيًا ومشهدًا قاسيًا لأحد المعالم المقدّسة.

حاولت دائرة الأوقاف الإسلامية ولجنة حماية المقابر الإسلامية-وما تزال تفعل-التدخّل من أجل إيجاد حلول، لكنّ الأمر وفقًا لأبي عيشة، يحتاج إلى تحرك شعبي لمدة أسبوعين متواصلين للضغط على بلدية الاحتلال وحل تلك الأزمة.

ويقول مستغربًا: « لم أسمع عن مكب نفايات وسط البلدة، عادة يكون هذا المكان في أطراف المدينة أمّا في قلبها فهذا إجرام بحق السكان ».

إنّ « سوق الجمعة » لم يكن لبيع الدواب فقط، وإنّما المكان الذي كانت توضع فيها « مراجيح العيد »، إضافة إلى المكان الذي كانت تأتي إليه سيارة وكالة الغوث لتوزيع المؤن على السكان، كما يعدّ جزءًا هامًّا في ذكريات طفولة المقدسيين التي يفتقدونها اليوم.

كما تحوّل المكان إلى نقطة للاحتلال للنيل من الشبّان الفلسطينيين وضربهم والتنكيل بهم، فأصبح مكانًا بغيضًا ومقيتًا عكس ما كان عليه سابقًا

كلمات دلالية