خبر هَيا.. هَيا.. تقدَّموا واحلموا.. احلموا وتقدَّموا... علي عقلة عرسان

الساعة 08:28 ص|09 نوفمبر 2016

قبل أكثر من عشرين سنة، كان أحد الفلسطينيين المعنيين بحق العودة يقول: فلتسر جماهير فلسطينية وعربية مسالمة نحو فلسطين، ولتقتحمها مدنياً، ولنرَ بعد ذلك ما يحدث. فليطلق اليهود النار علينا، كم سيُقتَل منا؟!.. في النهاية سوف نصل؟ كنت أضع هذه الدعوة في إطار التعبير عن حلم، بمواجهة الإحباط، وانغلاق آفاق الأمل بوجه حل مقبول، يعيد الحق لأهله، ويخفف من معاناة طال أمدها.. وأدرجُهُ في حيز الأحلام التي تراود المرهَقين، من أجل الوصول إلى البيوت والأرض والعيش الكريم، في بهجة نصر أبهج وأجمل.

وفي ذات يوم من أيام الاحتجاج على ممارسات الاحتلال الصهيوني في فلسطين المحتلة والجولان.. خرج آلاف الفلسطينيين من المخيمات السورية إلى الجولان، على غير العادة، للمشاركة بالاحتجاج، عبر الشريط الشائك، ابتداء من موقع « وادي الصّرَاخ » قرب بلدة مجدل شمس المحتلة. واجتاحت الحماسة جموع الفلسطينيين خاصة، فاخترقوا الشريط الشائك، ودخلوا باتجاه فلسطين، فرادى وجماعات.. وأطلق العدو الصهيوني المحتل، فوقع الكثير من الضحايا، بين شهيدٍ وجريح.     

وبين ضفتي رفح جرى يوماً، سيلٌ من البشر، فاجأ كثيرين من المسؤولين في دول عربية وأجنبية، وأعطى للجماهير حضوراً مؤثراً، ووضع أمام من يعتمدون على الحصار، ويضيقون على الشعوب، درساً في الإنسانية وغضبِ الجياع.. ولكنه حوصر بتجفيف رفح من أية مادة يحتاجها الجسد، وقزَّم فسحة الروح التي رفع أشرعتها فلسطينيون ومصريون، أرادوا أن تستمر فرحة اللقاء، وأن تثمر نبذاً للمعابر والحصار والذل.. لكن القوة استُنفرت بوجه موجة من الحلم، من المد القومي - الإنساني، فأحكم الحصار، وأعليَ الجدار، وبقيت النار في غزة.. التي أرادها المحتل الصهيوني معتَقَلاً كبيراً، يحاول أن يبيد من هم فيه، ويحلم بأن يستيقظ يوماً ليجد غزة وقد ابتلعها البحر.؟!

وفي غزة أيضاً، حققت مسيرة الجياع صباح 23 كانون الثاني 2008 جانباً من الحلم الجميل لذلك الرجل المشوق إلى العودة بالاجتياح البشري السلمي.. وقدمت أنموذجاً يمكن أن يُستَقرأ ويُبنى عليه، ويُنتج أحلاماً من هذا النوع، تتخللها كوابيس واقعية مكلفة، ومرهقة لسياسيين وسياسات في البلاد العربية كلها، ولمن يؤرقهم أو يشغلهم أو يهمهم أمن المنطقة واستقرارها، ومشاريعهم ومصالحهم فيها، وهيمنتهم عليها. وكان في الحالين أن دفع الفسطينيون دماً، وعزز كيان الإرهاب الصهيوني صورته الوحشية، ومسيرته الإجرامية.. واستمر في ذلك بالتزامن مع التراجع العربي في الشأن الفلسطيني.. واستمر الكابوس العربي - الفلسطيني، بالتقدم.

وبالأمس القريب، الأربعاء ٢/١١/٢٠١٦ قال نتنياهو، في استقباله للرئيس الإيطالي سيرجيو ماتاريلا في القدس: « ما يبعث الأمل في نفسي، هو التغيير الكبير الحاصل في موقف العالم العربي.. حيث لم يعد السلام مع الفلسطينيين شرطاً للسلام مع العرب، بل صار السلام مع العرب سبيلاً للسلام مع الفلسطينيين.. كنا نعتبر في الماضي أن الاختراق على المسار الفلسطيني، سيحقق لنا سلاماً أوسع مع العالم العربي، فيما صارت الاحتمالات القائمة في الوقت الراهن تشير إلى أن السلام سوف يتحقق عبر مسار عكسي، أي مع العرب قبل الفلسطينيين ».. وهذا أحد المؤشرات على توجه عرب إلى التحالف مع الكيان الصهيوني وليس إلى الاعتراف به، في ضوء ما يجري من « إزدهار غير مسبوق لربيع الشجون العربية »، الذي يُروى بالدَّم، وتُسَمَّدُ أرضه بالفِتَنْ المذهبية، والأحقاد والكراهية.. وتزيد محاصيله على مليون ضحية، وملايين الجرحى والمعوقين والمشردين؟! ولا يخطر ببال أحد من الحالمين بالعودة، سلماً أم حرباً، أن ذلك من الممكن تحققه مادامت شهية العنصريين للشر والقتل في ازدياد، وشهوة عرب من العرب للتحالف مع العنصريين في ازديادٍ أيضاً.؟! أما تعليق الآمال على المجتمع الدولي، والقانون الدولي، والعدل الدولي، والرأي العام الدولي.. إلخ، فضربٌ من الأوهام، وليس مجرد أحلام. وربما يتوجب علينا أن نضع في هذا السياق: جهود الرباعية، وتعهدات الرئيس أوباما ومبادرته ووعوده، وغير ذلك من المبادرات، التي آخرها الجهد الفرنسي، لعقد مؤتمر للسلام في الشرق الأوسط، قبل نهاية عام ٢٠١٦ في باريس.. الذي كان رد كيان الإرهاب الصهيوني، على الدعوة لحضوره، في بيان عن مكتب نتنياهو، جاء فيه: « أبلغْنا المبعوث الفرنسي بشكل واضح لا لبس فيه، أن موقف إسرائيل فيما يتعلق بتشجيع عملية السلام والتوصل لاتفاق، سيأتي فقط عن طريق المفاوضات بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية ».؟! ونحن نعرف أن هذه المفاوضات متعثرة منذ اتفاق أوسلو السيئ الذكر، وقد انهارت تماماً عام ٢٠١٤.. بينما قضم « إسرائيل » للأرض مستمر، والقتل مستمر، وأنواع الممارسات العنصرية الصهيو - نازية، ضد الفلسطينيين، مستمرة.؟! وربما كان من المفيد، لنا وللبعض منا، ممن يعلقون أملاً على دورٍ روسيٍّ جديد في المنطقة، يجعل « إسرائيل » تعطي شيئاً للفلسطينيين.. ربما كان من المفيد أن نأخذ بالاعتبار، في هذا السياق، ما قاله الرئيس بوتين في لقاء فالداي، حيث قال إنَّ: « سر إسرائيل في البقاء والنجاح، هو درجة التصميم الذي تظهره في الحرب على الإرهاب، وهذا ما يتوجّب على الغرب أن يتعلّمه أيضاً ».. وحرب« إسرائيل هي على المقاومة الفلسطينية المشروعة للدفاع عن النفس والحق والأرض، وليست إرهاباً على الإطلاق. وما أكّده رئيس الوزراء الروسي ديمتري ميدفيديف في مقابلة أجرتها معه، القناة »الإسرائيلية« الثانية، في ٤ نوفمبر الجاري، قبيل زيارته لـ »إسرائيل« الأسبوع القادم، وتضمَّ ما يمكن أن يكون رداً أو توضيحاً للموقف، بعد قرار اليونيسكو، بشأن القدس، والأقصى: »دولتنا لم تتنّكر في يوم من الأيام لحق إسرائيل، وحق الشعب اليهودي في القدس وجبل الهيكل وحائط المبكى، الإيمان بهذه الحقوق من البديهيّات ومن السخف إنكارها« .؟!

في ظِلِّ هذا الواقع »يحلُم البعض بسلام عادل« ، مع كيانِ الإرهاب الصهيوني.. وفي ظل هذه المعطَيات نعيش، وتحتَ ركام المآسي، بل الكوارث، العربية - الإسلامية الحالية، نُدفَن أو نكاد.. لا بد من أن نحلُم، و » الحياة حلم« على حد تعبير الكاتب الإسباني بدرو كالديرون ديللا باركا، صاحب مسرحية بهذا الاسم، أخرجتها للمسرح القومي في سورية عام ١٩٦٥ على ما أذكر. وإذا فقدنا حتى الحلُم، في خضم عالم الدم والقهر والقحط الروحي الذي نحن فيه، فإننا سنبصرُ نجوم الظهر في رأد الضُّحى، ونعشى، بل نعمى، لكثرة كم البؤس واليأس المتهاطلين علينا.؟!

فلنحلم معاً: خبزٌ وماءٌ ولباسٌ وحذاء.. وحرية ومساواة وكرامة، في فضاء عربيٍّ آسرٍ مفتوح.. تحلق في مداه أرواحٌ منعتقة من كل قيد، بأجنحة شفَّافةٍ ملوَّنة.. كذا، نعم كذا.. فلنحلم لكي نخترق واقع السجون، والمعتقلات، والمخيمات، والغرقى في البحار والمحيطات.. واقع القذائف، والصواريخ بأنواعها، والمعارك بأرزائها، والسياسات بأوزارها وسوءاتها وأزيائها.. واقع الإحباط والمعاناة، بشمول يسخر من شموليات الأنظمة والنظريات.. ولنعانق الأشواق الحارة، والآثام الحادة أيضاً، حتى لو كانت بجحيمية المحرَّمات التي تنغل بها نفوسٌ في بيوت ومنتديات وحانات.. ألا فلنحلُم، ولنحاول أن نخرج من شرانق الكوابيس، إلى فضاءات أحلام مريحة مشروعة.. فنعيش لحظة حنين مشتعل: للبيت، والأسْرة، والماضي، والذكريات، وترابِ الأرض الذي نريده، ويريد كل فلسطيني على حافة القبر، أن يدفَن فيه.. منذ أول من توفي خارج بيته وأرضه منهم، ممن لجأ ونزحَ في بدايات التشرد والاقتلاع من فلسطين.. إلى من توفي من زعماء المقاومين ودُفن خارج فلسطين، مثل المرحوم جورج حبش، ابن اللد، الذي دفن في عمان يوم 29/1/2008 وليس في اللد التي يحب.

موجُ الحلُم، والحدث، والقتل، والحصار، والتضييق، والإحباط.. كل ذلك يمكن أن يدفعنا، نحن أهلَ الشَّتات العربي الجديد، وأخوتنا الفلسطينيين الذين أمضوا في الشتات سنين قاربت السبعين.. وعرباً، وعرباً آخرين، ومسلمين.. نازحون عن ديارهم ولاجئون، وضائعون.. إلى أن نتقدم جميعاً نحو بلداننا، وبيوتنا، وحقولنا، ومقابر آبائنا وأجدادنا. لنكون معاً في » ملحمة الدَّم والطين« ، نُشوى بنارٍ لا كالنار، ونعيش عَيشاً غير عيشِ الذلِّ والعارِ في الغربة.. ونحلمُ أيضاً بألا يكون الوطنُ غربة، والبيتُ غربة.. في ظل ذوبان القدرة على امتلاكِ الذات، وامتلاك مقومات الدفاع عن الحق في الحياة.

ولكي يكون ذلك، ويحدث هذا، لا بد من تمردٍ كاسح، يبدأ من الذَّات، على كل مالحق العقول والضمائر والأرواح من أدران. لا بدّ من نقاء زاخإ غامر، يكفل لك شجاعة المؤمنين بحقهم في البقاء.. لا بد من جنون من نوعٌ أخلاقي، إنساني.. إذا كان ثمة نوعٌ من هذا الجنون.. لا بدَّ من ثورة جياع للأمن، للخبز، للحرية المسؤولة، وللدولة المستقرَّة التي تحيا بالإنسان، وتحيي الإنسان. لا تلك التي تضيق وتضيق وتضيق، لتصبح سُلطة تعيش وتنمو على حساب الإنسان. ولكي يكون ذلك.. لا بدَّ من أسباب وأسباب ودوافع، وإرادات مشدودة إلى الحقوق والحريات، إلى الأماني العريضة، والانتماء الواعي، والأحلام المتوهجة. قد ينتج الانفصال بين ما هو كائن وما ينبغي أن يكون، قد ينتج ذلك، عن » فِصام« مرَضي نفسي.. قد.. وقد.. وقد ينتج عن انسداد أفق الحياة والأمل والعمل، وغيبوبة العقل، وغياب العدل.. هذا إذا امتد ذلك لعقود من الزمن، وحجب الرؤية عن أشخاص وصلوا مشارف الموت، وهم يعيشون شكلاً من أشكال الموت كل يوم.. وعن أجيال تنتظر أن تجد ذاتَها، منذ سنوات وسنوات، وتعيش حرماناً من الأمن والعمل والأمل والاستقرار والكرامة، في أوساط أعماها الشَّرَهُ، والشَّرُّ، والتسلُّط، والفساد.. عن الاستقامة، وعن رؤية الآخر شريكاً كامل الأهلية والمسؤولية في الشراكة… أجيال تعاني من ذلك كله يوماً بعد يوم، وعاماً بعد عام.. وتتوق إلى الانعتاق من سجونٍ شتى، تكبِّل الإنسان العربي بقيود وأغلال وسلاسل، فوق قيود وأغلال وسلاسل؟!.

هذا التَّوق المتجذِّر في النفوس، يراود النفس في الحلُم، ويمكن أن ينشده الحالمون، وأن يسعوا إليه بكل طاقتهم.. لكنه يحتاج الآن، ونحن في كُروبنا ومِحَننا، إلى تربية سليمة من نوع خاص، قد تستغرق سنوات.. وهي ما لا يٌعنى به من يحاربون الوَعي، واستقلالَ الشخصية، والمواطَنَة المتفتِّحة على الواجب والحق، بعدالة وشجاعة وصدق. إن عاصفةً يتوهج فيها الوجدان الوطني والقومي والإنساني، تشيع الحياة والحيوية في الروحي والمعنوي، وتزيح الرمال والأتربة عن صفاء النفس والقلب، وتفسح الدروب للمد القومي - الإنساني.. أمرٌ مستبعدٌ، يُستبعَدُ الآن.. لأن الذين يفترَض فيهم أن يتحرَّكوا ويحرِّكوا بهذا الاتجاه، غابوا وغُيبوا، ويغيَّبون.. ولأن المناخَ ملوَّث، ولأن الاهتمامات منصرفة إلى غير هذا من الأمور.. مع أن في ذلك الخراب، وفيه تخريب ما يمكن أن يُبنى أو يُرمّم، مما هو خراب.. ولا أقصد العمران المادي فقط، بل كلَّ ما يدخل في باب العمران، بشمول الكلمة للمادي والمعنوي، العقلي والروحي، الوجداني والنفسي، الاجتماعي والحكومي، الشرعي والتشريعي. ومن ضرورات العمران، بهذا المعنى الشامل، وأولويات البدء به.. وضعُ حد لتدميره وتدمير من يعون ضروراته وشؤونه وتفاصيلة. ومن أسف أنه خَلَفَ في أرضنا خَلَفٌ، يضخُّ الهزال الروحي والمعنوي والمادي والمعرفي في الجسد القطري والقومي.. ويضخُّ فساداً وإفساداً يقضيان على النقاء الثوري، والعمل البنَّاء، والإرادة القوية، والرؤية السليمة، والحلم الجميل.. خَلَفٌ لا يريد أن يسمعَ حُداء الهيم على دروب الحرية والتحرير والمسؤولية الأخلاقية والوطنية والقومية… خَلَفٌ يشوِّه بحمق وجهل وحقد، ولا يستطيع بناءً، ولا إنصافاً لمن يبنون.. ويصنع حالة من الانحلال والرَّخاوة، ويقدم بدائل تنازلية، وتشرذمية، وانحلالية للحالة النضالية السليمة، التي يستدعيها الوضع العربيٍ البائس.

الأحلامُ يمكن أن تُغذّي الخيال، ويمكن أن تكون مداخل لتغيير الواقع، لكنها لا تصنعُه.. فصناعة الواقع تحتاج إلى يقَظة، ووعي، وعلم، وعمل، وإرادات، وإمككانيات. أحلامٌ.. بأن يعود الاستقرار والأمن والعدل إلى أرض السّلام، ويذهب الاشكينازيم والصهاينة الغُلاة وسجونهم واحتلالهم ومعتقلاتهم وبؤسهم الروحي وحقدهم العنصري التاريخي، ويذهب معهم، من يقف وراءهم من الغربيين المتطرفين دينياً، والمهوسين بالاستعمار والاستعباد والاستغلال، ونهب خيرات الشعوب وثرواتها، وإقامة ازدهارهم على حساب فقرها وجوعها وبؤسها وخراب أوطانها.. ويذهب معهم حلفاؤهم من العرب وغير العرب، أو أن يصحوا على الحقائق، صحوة عقلٍ وضمير.

أيها البؤساء.. تعالوا نحلُم.. تعالوا نكتسحُ أرض البشر سلمياً، بأطفالنا ونسائنا وشيوخنا وشبابنا.. ونعيد الوضعَ العالمي إلى إنسانية واستقرار وازدهار.. تعالوا نفعلُ فعل الماء المندفع في الأواني المستطرقة.. يثور ويفور ويترجرج ويتموَّج، ثم يعطي المنسوبَ الصحيح، للوضع الصحيح، ويستقر.

الحلُم يتوهج.. أفقُ الأملِ مفتوح.. الرصاصُ يَخرس، الدم يُحقَن، الحدودُ وبوابات العبور المحروسة بالدبابات والجدران والمسلحين، تتزعزع.. ترتجف.. تسقط، وتصبح نعلاً لقدميك أيها الإنسان البائس.. تقدَّم.. تقدَّم..  الحداء يطرق طبلة الأذن.. تقدم.. تقدموا.. ازحفوا إلى بيوتكم وأوطانكم بكل الأدوات والوسائل والقدرات والتطلعات والأحلام.. كل إلى بيته، وحقله، وشجرة زيتونه، ونهره، ومائه.. تقدموا إلى أوطانكم بكل العزم.. لا تتنازلوا عن حقكم في ذَرَّة من تراب.. تقدموا إلى مواطن الذكريات.. عيشوا كما يعيش الخلق.. عيشوا، ودعوا غيركم يعيش.. ولْنصنع سداً بوجه القتل والاستعمار والعنصرية والكراهية والغزو والاحتلال والانحلال والبغضاء.. نعيش، وندع كل الناس الأنقياء في هذه الأرض التي تعِب فيها الناس.. يعيشون، نعم يعيشون بأمن وسلام.. ازحفوا، لقد بُحَّ الصوت.. إنَّ حداءَ الأرواحِ يشدُّ نِياط القلب إليه.. الأرض تناديكم، وشوقُكم إلى أرضكم طال، وأنتم قوافل العطش.. ليس لديكم ما تخسرونه إذا ما غفوتم بصورة ما على حدود الوطن، وحلمتم بالغَد.. إن ترابه حنون، يهزج في الهزيع الأخير من كل ليل، منادياً أهل التراب إلى التراب.. يُزَعْفِر النشيدَ بريحِ الوطن، بالزَّعتر والريحان والليمون والطَّيون والزيتون. وبكل خضرة من رائحة ولون.. لا تخشوا إن غفوتم على حافة جرف، يشرف على الوطن، أو قريب من البيت، فالتراب حنون، والتراب يناديكم.. وكثيرون منكم يوصون أن: »إذا متنا، ادفنونا في تراب وطننا".

هَيا.. هَيا.. تقدموا واحلموا.. احلموا وتقدموا.

 

 

 

 

كلمات دلالية