خبر اعذرني أستاذي صالح .. واجب غير موفق ..محمد بدر

الساعة 06:05 م|08 نوفمبر 2016

محمد بدر

بعد أن طلب مني الدكتور صالح مشارقة أن أكتب عن أزمة عربية أو قضية وطنية كبرى؛ عدت بسيارتي من الجامعة للبيت أفكر في أي قضية ممكن أن تكون أولوية للكتابة عنها؛ استحضرت اليمن وسوريا والمؤتمر الفتحاوي السابع ومستقبل حكم حماس في غزة وألف قضية وقضية؛ وفي غمرة تفكيري فجأة سمعت من يصرخ  « عتسور »؛ عتسور كلمة عبرية تعني بالعربية قف .. توقفت لأجد جنديا يصوب سلاحه باتجاهي ويطالبني بالوقوف.. وأصبحت  قضيتي المركزية التي تشغل تفكيري في تلك اللحظة هذا الحاجز وهذا الجندي وهذا السلاح..

هذا الحاجز القريب من بلدتنا أحيانا تضطر للوقوف عليه ساعات وأحيانا يفاجئك جندي بتصويب سلاحه تجاهك وهو يمازح زميلته؛ ذات مرة أوقفني وصوب السلاح باتجاه وبدأ يمزح مع زميلته قائلا لها: ماذا تريدين أن تري! أنا لا أعلم ما تعني له تلك الشقراء ليثبت رجولته التي لا تثبت لولا السلاح في وجه العزل .. وفي كل مرة أمر من هناك أضطر لترديد الشهادتين فالموت  قد يقرّه تداعيات مزاح ذاك الجندي مع زميلته وأخشى أن يكون بالمقابل  قد أغضبته صديقته فتكون روحي هي الحل لمشكلتهم العاطفية. بصراحة قبل أن أمر عن هذا الحاجز أغلق الموسيقى في سيارتي ومع إيماني أن الموسيقى ليست حرام لكن المرور عن هذا الحاجز يجعلك تترك كل شك وتأخذ بالورع من الأشياء وسبب اخر أنه قد يناديني أحد الجنود فلا أسمعه بسبب الموسيقى  فيطلق النارتجاهي.. حتى الشيطان في تلك اللحظات أكون غير معني بمشكلة معه .

قيادتنا دائما ما تتحدث عن أعداد الحواجز والجغرافيا المظلومة بفعل تلك الحواجز ولكنهم لم يتحدثوا يوما عن أقدرانا التي تتعطل على تلك الحواجز .. لا يتسائلون نفس السؤال الذي أسأله لنفسي كل يوم؛ هل سأحيا طوال حياتي أطفأ الموسيقى قبل الحاجز وبعده حتى لا تكون الموسيقى سببا للموت أو للعذاب! سامح الله أستاذ التربية الإسلامية الذي قال لي يوما أن الموسيقى حرام؛ لست مقتنعا بكلامه الآن ولكن الحاجز يعيدك طفلا خائفا؛ يعيدك سيرتك الأولى؛ يلغي أفكار ويبقي أخرى؛ أخرى لا تحمل إلا معاني الخوف. لا ترى بأفكارك إلا الله والجندي.

 

أنا لا أريد للرئيس وللزعيم ولقائد الفصيل أن يشعر بذات الشعور؛ أنا لا أريد لهم جميعا أن يشعروا بما أشعر به أنا وطبقة المواطنين؛ أذكر أنني خلال نقلي لسجن مجدو كان معي وزير سابق وعضو مجلس تشريعي وخضعت للتفتيش قبله وعندما جاء دوره للتفتيش، بدأت بالصراخ بالسجانين كيف تفتشون رجلا كبيرا بالسن وصاحب حصانة! كان حديثي مضحكا بالنسبة لهم خاصة فيما يتعلق بالحصانة.. قال لي أحد السجانين: من إيجابيات السجن أنه يجمعك بقيادات شعبك فلا تستطيع رؤيتهم وهم على الكراسي الفخمة؛ هل كان صادقاً هذا القاتل! فعلا لا اريد للقيادة أن تمر بنفس الشعور على الحاجز ولا أريد منهم أن يشاركوني خوفي من الموسيقى ولا أريد أن ينطقوا بالشهادتين تحسبا للحظة الموت في اليوم عدة مرات  ولا أريد لهم ان يروا الله كثيرا .. كل الذي أريده ان يشاركونني خوفا واحد هو خوفي على وطني المشتت الممزق بفعل الإحتلال والإنقسام.. أليس من حقي أن يشاركونني بخوف واحد فقط؛ خوف يجمعنا كلنا.

 

بعد أن أشار لي الجندي بالمرور تركت التفكير بالأزمات الكبرى التي كنت أنوي الكتابة عنها .. فهكذا هو الإحتلال يقتل فينا التفكير الكبير والتحليل الكبير والنظرة الكبيرة والكتابة الكبيرة ليبقينا بين الحاجز والحاجز.

كلمات دلالية