الهدف من استخدامه

خبر الشهيد أشرف الأسمر.. 14 عاما ولا زالت « الخضيرة » تشهد

الساعة 05:56 م|23 أكتوبر 2016

فلسطين اليوم

يوم الاثنين الموافق 21/10/2002، لم يكن يوما عاديا، أطلّ فيه قمران ينتميان لحركة الجهاد الإسلامي، في ليلة واحدة، ليضيئا سماء العفولة بعملية استشهادية لا زال صداها يتردد كلما تجددت الذكرى.. إنهما الاستشهاديان أشرف صلاح الأسمر و محمد فوزي حسنين، اللذين جعلا من جسديهما قنبلة بشرية وروت دماؤهما أرض فلسطين، فأثبتا للعالم أن القوة لا تجابه إلا بالقوة.

ونفذ الاستشهاديان العملية الجريئة، على مفرق كركور بين مدينتي العفولة والخضيرة، وأسفرت عن مقتل وإصابة عشرات الإسرائيليين. وجاءت تلك العملية بينما كانت قوات الاحتلال الإسرائيلي تمعن بالشعب الفلسطيني الأعزل ومقدساته قتلا وتخريبا وتهجيرا، لتشفي صدورا أثقلتها الآهات والأوجاع.

 

الشهيد أشرف الأسمر

ولد شهيدنا المجاهد أشرف صلاح أحمد الأسمر بتاريخ 3/2/1984 في مدينة جنين بالضفة المحتلة، وتربى في أسرة محافظة على حب الله وحب الجهاد في سبيله وحب الرسول صلى الله عليه وسلم.

درس من الصف الأول حتى الثالث الابتدائي في مدارس الأردن، وعقب انتهاء الانتفاضة الأولى انتقلت عائلته إلى فلسطين ليكمل دراسته حتى الصف السابع في مدرسة ذكور عز الدين القسام الأساسية في جنين ، ترك دراسته رغم تفوقه في دراسته إلا أنه اختار ترك تعليمه سعيا وراء لقمة العيش إلى جانب والده لإعالة أسرتهم .

وربطت الشهيد أشرف الأسمر برفيقه محمد حسنين علاقة وطيدة استمرت حتى الشهادة معا، حيث يوضح بعض أصحابهما، أنهما كانا كالتوأمين لا يفترقان إلا للعمل أو النوم, فهما يتنقلان معاً ويصليان في المسجد نفسه، بل إن علاقتيهما كانت أكبر من علاقة الأخوّة، فعندما يجلسان مع أبناء الجيران ينصب حديثهما على الشهادة.

يقول صديق للشهيدين: فوجئت بالعملية وبجرأة الشهيدين أشرف ومحمد، لأننا لم نلحظ عليهما هذه الروح، ولكن عندما أفكر بكل كلمة أو تصرف لهما، أشعر بعظمتهما وقوة شخصيتيهما والسرية الكبيرة التي يتمتعان بها، بالإضافة لحبهما الكبير للشهادة, فقد استشهدا دوما في أحاديثهما بالآيات القرآنية التي تكشف منزلة وعظمة الشهادة والشهيد« .

وعن تلك العلاقة بين الشهيدين، يقول أحمد، شقيق الشهيد الأسمر: قبل استشهاده بعام ارتبط بعلاقة وطيدة جدا مع الشهيد محمد حسنين، حيث كانا يلازمان بعضهما البعض، ولا يفترقان ».

 

صفاته وأخلاقه

تصف أم طارق فلذة كبدها أشرف بأنه كان هادئا ومؤدبا وشجاعا، يأخذ حقه من الشخص المقابل له بكل جرأة، حتى أنه كان يعرف في الحي بـ« الذكي » لقدرته على تخليص حقه بطريقة ذكية وهادئة، مبينة أنه كان ملتزما بالصلاة والصيام، حتى أنه نفذ العملية وهو صائم.

وتقول الأم: عندما يذكر اسمه أشعر بأن صورته أمامي وتتسارع نبضات قلبي، فقد أصبح كل شيء اسمه أشرف يرتبط بأشرف الشهيد ويعيد صورته أمامي، أتمعن في أحرف اسمه أينما شاهدته« .

 

الأسبوع الأخير

تتذكر الأم تلك الأيام التي انقضت دون أن تشعر بأن موعد الفراق قد اقترب، وأشرف يترك لها آخر لمساته ولحظاته التي ستخلد في ذاكرة كل صغير، لتضيف بالقول: على غير عادته، كان يطلب مني نوع الطبخة التي يشتهيها، وكان يكثر من الاستماع لقصة يوسف عليه السلام وحفظ أسماء الله الحسنى التي كان يستمع إليها عبر المسجل، وفي الأيام الثلاثة الأخيرة التزم البيت، وفي اليوم الرابع هَمّ للخروج، فسألته أين ستذهب؟ ليرد راسما على شفتيه ابتسامة جميلة تملأ وجهه ولا أستطيع نسيانها »على الجامع« وغادر البيت ».

 

يوم الاستشهاد

في صبيحة يوم الخامس عشر من شعبان، خرج أشرف صائما، حيث تتذكر أمه أنه سأل ليلتها: ما هو الشهيد ؟ فردت عليه أنه الانتقال من الدنيا إلى الآخرة والفوز بالجنة « ولم أكن أعلم ما يخطط له ولا ما يجول في خاطره ولم ألحظ أي تغير على تصرفاته » بحسب قول الوالدة.

وتضيف: قبل مغادرته صباحا وقف معي ورافقني في البيت بطريقة غريبة لدرجة أنه لازمني ولاحقني من غرفة لأخرى، وتعمد الحديث معي قبل خروجه وهو يتأمل وجهي ويبتسم« .

استيقظ من نومه عند الساعة الثامنة صباحا ولازم والدته حتى خروجه من البيت الساعة الثامنة وعشرين دقيقة، وهي المرة الأولى التي تدقق فيها الأم بعقارب الساعة، ولم تدر أن الساعة اقتربت وسينشق قمرها.

بقوة إيمان تملأ وجهها، تتابع والدة الشهيد أشرف الأسمر حديثها:  شعرت أن قلبي انقبض بشكل مفاجئ، كنت أذاكر لابنتي دروسها وقتها، وفي الساعة الرابعة والنصف عصرا طلبت منها أن تغلق الكتب لكي نخرج للتنفس في السهل بسبب ما أصابني من ضيق صدر، وعند عودتنا للبيت سمعنا أطفال الحي يقولون هناك عملية استشهادية ».

وتردف قائلة: قبيل أذان المغرب دخلنا البيت وبدأنا بتجهيز أنفسنا للإفطار، لأن جميع أفراد العائلة كانوا صائمين، فسألتني ابنتي: ألا ننتظر أشرف؟ فرددت عليها: عندما يأتي نضع له فطورا ويفطر لوحده، وبعد أن انتهينا من الإفطار، طلب والده كوب شاي، حيث كنا معتادين شرب الشاي أمام العمارة التي نسكنها، وفي هذه الأثناء انصرف عني ضيق الصدر الذي انتابني« .

وبينما كانت العائلة تجلس أمام البيت، كان الجيران ينظرون إلى الأب والأم والأبناء بدهشة، فهم يعلمون أمرا لم يصل إلى مسامع الوالدين والأخوة، وتحدث الناس عن عملية استشهادية في دولة الاحتلال، ليقول والد الشهيد أشرف: إذا كان منفذ العملية صائما سيفطر في الجنة، وإذا كان فاطرا سيتعشى في الجنة. تقول الأم عن تلك اللحظة: من دون وعي قلت »يا خوف قلبي يكون أشرف هو منفذ العملية« .

وتضيف:  دخلت البيت، فأخبرتني ابنتي أن ابني الكبير طارق اتصل وسأل عن أشرف أكثر من مرة، فحملت الهاتف واتصلت به وسألته من وقتيش بتعرف إنه أشرف استشهد؟ فأغلق الهاتف، وما هي إلا لحظات حتى جاء وأكد لي نبأ استشهاده ».

أما شقيقه أحمد فيقول متحدثا عن لحظة سماع خبر العملية: خرجت من جنين الساعة الثالثة عصرا متوجها للعمل في قرية كسال الفلسطينية المحتلة قرب الناصرة، وبعد ساعة من وصولي هناك، جاء خبر عن عملية استشهادية، وأن المنفذ من جنين، وقبيل صلاة العشاء علمت أن أشرف هو المنفذ، فغادرت إلى البيت، ووصلت الساعة 12 ظهرا رغم الإغلاق المحكم الذي فرضته قوات الاحتلال على المدينة على إثر العملية التي هزت الدولة العبرية".

وفي رد أولي، أغلقت قوات الاحتلال مدينة جنين وحولتها لمنطقة عسكرية مغلقة، حيث لم تشهد المدينة أصعب من تلك الأيام، ليستمر الإغلاق 17 يوما. وفي اليوم الثاني للعزاء، اقتحم الاحتلال محيط المنزل، وحوله الجنود إلى نقطة عسكرية لرصد التحركات في جنين.

واعتقلت قوات الاحتلال جميع المسئولين عن العملية، واستشهد العقل المدبر لها القائد إياد صوالحة،  وبعد العملية بأسبوع هدمت قوات الاحتلال بيت الشهيد أشرف الأسمر وبيت الشهيد محمد حسنين.

كلمات دلالية