خبر مقال مترجم: استقرار الردع في الشمال والجنوب - التحضيرات اللازمة لحالة التصعيد

الساعة 08:58 ص|23 أكتوبر 2016

فلسطين اليوم

بقلم: عاموس يدلين

الأحداث الأمنية التي وقعت الأسبوع الماضي في الجنوب وفي الشمال أعادت الاهتمام الإسرائيلي بجبهتي المواجهة الأكثر تقلبًا، أمام حزب الله وأمام حماس. في الـ 5 والـ 6 من أكتوبر أطلقت من قطاع غزة صواريخ وقذائف مدفعية من قبل تنظيم سلفي متطرف، وإسرائيل من جانبها ردت بشدة، وسيما من الجو. في ذات الوقت نُشر انه تم القبض في الشمال على خلية من مواطني قرية الغجر حركها حزب الله وخططت لتنفيذ عمليات في إسرائيل.

هذه الوقائع تطرح السؤال: هل يحدث تطور على هاتين الجبهتين أمام التنظيمات الإرهابية؟ وهل نحن على وشك اندلاع جولة قتال أخرى في الجنوب أو الشمال؟ أو ربما على الجبهتين في آن واحد؟

تجدر الإشارة إلى ان حماس وحزب الله ليسا معنيتين في الوقت الحالي بالتصعيد، ولكن هناك احتمال بأن أحداث تكتيكية من هذا النوع تقود إلى التدهور. في هذا المقال سنحلل موازين القوى والعناصر التي من شأنها أن تخرق التهدئة، ونسلط الضوء على القضايا التي يجب على إسرائيل دراستها قبيل المواجهة القادمة.

للجبهتين خصائص متشابهة؛ فعلى كليهما يقف الجيش الإسرائيلي أمام تنظيمات إرهابية تأسست وتلقت خصائص متشابهة، على كلا الجبهتين العدو ليس معنيًا في هذا الوقت بالحرب مع إسرائيل. أمام حزب الله وأمام حماس أيضًا تحقق إنجاز قوي في جولات القتال السابقة، في حرب لبنان الثانية وفي « الجرف الصامد »؛ هذا الردع تحقق في أعقاب الثمن الباهظ الذي دفعه التنظيمان والتجمعات السكانية التي يستندان عليها.

الردع أمام حزب الله صمد حتى في الاختبارات التي وضعتها حالات الاغتيال المركز لمسؤوليه أمام التنظيم، وكذلك الهجمات على ناقلات السلاح النوعي القادمة إليه من سوريا. بسبب تدخل حزب الله العميق في الحرب السورية - والذي جعله يخسر كثيرًا، بالإضافة إلى الأزمة المالية التي يعاني منها التنظيم (التوقعات بأن تتدفق إليه المساعدات المالية من إيران ازدادت في أعقاب صفقة النووي وإلغاء العقوبات) - حزب الله مردوع إلى أبعد الحدود عن الحرب مع إسرائيل، وليس حريصًا على فتح جبهة ثانية.

على الساحة الجنوبية حماس منشغلة بالأمور الداخلية؛ إعمار غزة بعد جولة القتال السابقة وتعزيز قوتها العسكرية. كذلك يعاني التنظيم مثل تنظيم فتح في الضفة الغربية من انهيار كبير في شرعيته الشعبية، وهو هدف للانتقادات الشعبية الشديدة بسبب عظم الضرر الذي حل بالسكان خلال المواجهة الأخيرة مع إسرائيل وبسبب انجازاته القليلة في هذه الحرب. على الساحة السياسية حماس تعيش في مواجهة مع مصر بسبب قربها من الاخوان المسلمين، والذين يرى نظام السيسي انهم عدو وتهديد وجودي، مصر نجحت بأن تتسبب بضرر كبير لمنظومة أنفاق التهريب من شبه جزيرة سيناء إلى القطاع، وهذا الضرر - إلى جانب الضرر الذي لحق بالتهريب إلى القطاع عقب ابتعاد السودان في علاقتها مع إيران - يصعب على حماس استعادة قوتها العسكرية كما كانت عشية عملية « الجرف الصامد »، والدول الداعمة لحماس، وعلى رأسها تركيا وقطر، لا تعتبر سندًا تشغيليًا أو سياسيًا قويًا بما يكفي، ولا يتوقع ان تحصل على هذا السند في حال وقعت جولة قتال جديدة.

رغم غياب الاهتمام بالتصعيد من قبل جميع الأطراف المعنية على هاتين الجبهتين؛ فقد يحدث تدهور يقود إلى اندلاعها. حزب الله يبحث عن استجابة للهجمات على قوافل سلاحه النوعي والتي ينسبها إلى إسرائيل، بما في ذلك رد تنفيذي ذو خصائص مشابهة لهذه الهجمات، والتي يمكن ان تتضمن عمليات سرية يرد عليها بعمليات سرية، هذه هي بالضبط الخطوط العريضة لعملية كانت من الممكن ان تزوده بها الخلية التي تم اكتشافها في الشمال: الحدث التخريبي الذي تم كشفه كان من المفترض ان ينفذ ببصمة مموهة من دون ربط مباشر بحزب الله أو تبني المسؤولية من قبل التنظيم.

على الأرجح ان يستمر حزب الله في المحاولة وتطوير أدوات تنفيذية للمساس بإسرائيل بهذه الطريقة، بالإضافة إلى ان هجمات أخرى ضد قوافل السلاح النوعي المحمول إلى حزب الله، وسيما على الأرض اللبنانية، سيكون من شأنها ان تقود إلى رد تقوم به خلية نائمة أو بنية إرهابية تابعة لحزب الله في الخارج ضد أهداف إسرائيلية، وذلك إلى جانب العمليات الحدودية في هضبة الجولان وعلى الحدود اللبنانية أيضًا. خطر التصعيد سيزداد بشكل خطير إذا وقعت خسائر في الأرواح، إسرائيلية أو لبنانية، بحجم يعتبر من قبل الجانبين موجبًا للرد.

الوضع على الجبهة الجنوبية أقل استقرارًا منه على الجبهة الشمالية، إذ ان المواجهة في الشمال بالفعل لها طرفان، ولذلك فمسيطرٌ عليها أكثر، رغم جميع القيود إسرائيل وحزب الله يستطيعان توقع خطوات الطرف الآخر وأن يوقفا بسهولة نسبية الانجرار إلى الحرب، بالإضافة إلى انه في الجبهة الشمالية لا يوجد عناصر تخلق احتكاكًا مستمرًا ترفع منسوب خطر التدهور. على الجبهة الجنوبية في المقابل توجد مكونات احتكاك مستديمة من بينها: القيود المفروضة على الدخول إلى غزة والخروج منها، والإغلاق البحري، وحفر الأنفاق إلى داخل إسرائيل، والتوتر حول الحاجة الإنسانية لإعمار البنى التحتية المدنية في القطاع، وأكثر من ذلك فالجبهة الجنوبية أكثر تعقيدًا بسبب كثرة اللاعبين فيها، التنظيمات السلفية تنفذ عمليات إطلاق نار ضد إسرائيل تحديًا لحماس أكثر من كونها تستهدف المساس بإسرائيل، فهم يفترضون (بحق) ان إسرائيل التي تعتبر حماس الجهة المسؤولة عن الوضع على الأرض سترد ضدها.

الإطلاق سيخلق لإسرائيل معضلة خطيرة جدًا، في الظاهر سياسة دولة إسرائيل بخصوص أي إطلاق لصاروخ من قطاع غزة واضحة: رد قوي عنيف ضد أهداف حماس. رغم ذلك واضحٌ ان لهذه السياسة جانب خطير يكمن في إمكانية حساب خاطئ بخصوص رد حماس، مثلًا في حال شعرت حماس انها تفقد ممتلكات على مستوى كبير أو إذا وقعت في القطاع خسائر خطيرة بالأرواح؛ فعلى التنظيم أن يرد بالإطلاق بشكل واسع على إسرائيل، ومن هناك فالطريق قصيرة نحو جولة مواجهة أخرى.

توصيات بانتهاج سياسة

المصلحة الإسرائيلية العليا هي الأمن والهدوء على حدودها، حزب الله وحماس لم يتنازلا عن الدعوة لتدمير إسرائيل، والتنظيمان كلاهما ينظران إلى المواجهات العسكرية على انها الطريقة المركزية لتحقيق هذا الهدف، ولأجل إيقافهما فالمطلوب ردع قوي وإضرار بخطوات تعزيز قوتيهما. رغم ذلك فجولة مواجهة أخرى في الشمال أو الجنوب من شأنها ان تتأجل إذا درست إسرائيل جيدًا إدارة التوتر ما بين التطلع للحفاظ على الهدوء وبين الحاجة لتعزيز الردع ومنع تعزيز قوة هذه العناصر الإرهابية.

في الوقت الحالي فالتوتر مع حزب الله مستوعبٌ بشكل جيد، الهدوء استمر لأكثر من عقد بفضل الردع الإسرائيلي القوي (وهناك من سيزعم ان هناك ردع متبادل) وتورط حزب الله في سوريا وكون النظام ثنائي الجانب، موضوع تعزز القوة يعالج بسياسة حكيمة تركز على منع تزويد حزب الله بسلاح نوعي (صواريخ دقيقة ووسائل دفاع جوية وطائرات بدون طيار وصواريخ بر - بحر وسلاح كيماوي) والامتناع عن تبني المسؤولية عن الهجمات المنفذة بشكل عام على الأرض السورية فقط.

ولكن على القادة أن يبدوا حساسية تجاه الهدوء الهش على الساحة الجنوبية، على إسرائيل ان تدرس سياسة الرد الأوتوماتيكية على أي إطلاق من قطاع غزة، تدخل طرف ثالث على هيئة تنظيمات سلفية معنية بالمواجهة بين إسرائيل وحماس هو عنصر إشكالي يجب بلورة سبل لمواجهته، من الصواب ان تكون أولوية المهاجمة للتنظيمات المسؤولة عن خرق وقف إطلاق النار إذا كان هذا السبيل ممكنًا من الناحية الاستخبارية والتنفيذية، وكذلك لا يمكن إعفاء حماس من مسؤوليتها عما يجري؛ مع العلم ان المساس بمكونات قوة حماس الثمينة أو المساس الخطير بالأرواح في قطاع غزة سيقودنا إلى التغيير في سلوك التنظيم والمواجهة.

سياسة « كل هجوم سيواجه بالرد » هي سياسة ميكانيكية للغاية، أحد الإنجازات الأهم في حرب لبنان الثانية ان نصر الله فقد ثقته بقوة تنبؤه بخصوص الرد الإسرائيلي، التشكك بشأن الرد الإسرائيلي عنصر لاجم من جهة الخصم، إذ انه بالفعل يصعّب عليه ان يقوم بمخاطرة حد الذهاب إلى حافة الهاوية. الآن تتوقع إسرائيل كثيرًا وتنظيمات مارقة (سلفية ومتمردين سوريين و« داعش ») يستطيعون « استدعاء الهجمات الجوية الإسرائيلية » على النظام الذي يواجهون (حماس أو نظام الأسد) كلما أرادوا ذلك.

من هنا تنبع رؤية أساسية ومركزية بشأن إمكانية التصعيد: بالنسبة لإسرائيل سيكون الصواب في الدخول إلى مواجهة شاملة فقط إذا استكمل التحقيق حول « الجرف الصامد » وتطبق دروس العملية وتبلور حلول أفضل للقضايا الاستراتيجية التنظيمية والتكتيكية التي فشلت فيها إسرائيل وجيشها في هذه الحرب. لن يكون من الصواب الانجرار إلى مواجهة غير مخططة مرة أخرى كما حدث في مواجهة « الجرف الصامد »، والتي استمرت 50 يومًا، وانتهت دون أي تغيير في الوضع الاستراتيجي ومن دون قواعد وترتيبات لمنع تعزز قوة حماس مستقبلًا أو المساس المؤلم بالتنظيم وسيما ذراعها العسكري؛ لأن الجيش الإسرائيلي عمل على أساس معلومات استخبارية واهية بخصوص نوايا العدو وأنفاقه.

لذلك، وقبل الدخول إلى مواجهة عسكرية في الجنوب أو الشمال، على حد سواء على المستوى السياسي والجيش الإسرائيلي ان يتعلموا ويستوضحوا جيدًا القضايا الاستراتيجية والتكتيكية الآتية:

1) ما هو الهدف الاستراتيجي الذي تربد إسرائيل تحقيقه؟ وما هي انعكاسات كل خيار؟

2) ما هي الرافعة المركزية لتحقيق الهدف؟ مباشرة أو ملتوية؟ وهل ستتضمن مهاجمة بنى داعمة في مجهود الحرب لدى العدو؟

3) كيف نقصر أمد الحرب؟ وما هي آليات انتهائها؟

4) كيف ستدور المعركة السياسية على المستوى الدولي والإقليمي؟ وفي هذا الإطار: هل سيتدخل في المعركة لاعبون دوليون واقليميون (بالتهديدات والعقوبات أو حتى التدخل العسكري)؟ ومتى ستطالب الجهات الدولية والإقليمية بوقف الحرب؟ ومتى وكيف ستجري المفاوضات بشأن قرار مجلس الأمن بخصوص الأمر إذا كان هناك قرار؟ كيف ستستغل الجهات الدولية والإقليمية من أجل تقصير أمد الحرب وتحقيق أهدافها؟

5) ما هو التوقيت الصحيح للحرب؟ هل بالإمكان القيام « بضربة استباقية » أو على الأقل خلق مفاجآت تكتيكية تحقق إنجازات مهمة عند بدئها؟

6) ما مدى جودة ومستوى الاستخبارات الإسرائيلية حول قدرات العدو وتوجهاته؟ في هذا الإطار: ما الذي يختلف الآن عن الحرب السابقة؟ أين وكيف ستفاجأ إسرائيل؟ في أي الأمور يمكن ان تعكس التقديرات فكرة استخبارية وتنفيذية أو سياسية خاطئة؟

7) هل ستتضمن الحرب مناورة برية؟ وإذا كان الأمر كذلك؛ ما الغرض منها؟ وما هو التوقيت المناسب؟ وما هو العمق المناسب؟ هل ستتوجه إسرائيل إلى احتلال الأرض أو التواجد مؤقتًا عليها؟

8)  كيف ستعمل إسرائيل على الاغتيال المركز لمسؤولي هذه التنظيمات؟ وما هي القدرة المطلوبة لفعل ذلك؟ وما هو الأثر المترتب عن عمليات كهذه؟

9) كيف ستستعد الجبهة المدنية الإسرائيلية قبيل الحرب؟ وهل وكيف يمكن إدارة توقعات الشعب؟ وما هو موقف الجبهة الداخلية؟

10) ما مدى خطر فتح جبهة ثانية؟ وكيف نتجهز لاحتمال كهذا؟

كل واحد من المواضيع أعلاه يوجب نقاشًا معمقًا في الكابينت، والذي هناك حاجة لإجرائه قبل الحرب، وليس وقت القتال أو بعده أمام لجنة تحقيق. القيادة المسؤولة تختار التوقيت الصحيح والمناسب للحرب ولا تنجر إلى تدهور غير مسيطر عليه يفرض توقيتها وطريقة إدارتها. إذا قدر لإسرائيل أن تعلق بمواجهة أخرى على الجبهة الجنوبية أو الجبهة الشمالية؛ يجب ان نستعد قبيلها بطريقة مدروسة ومخطط لها، على خلاف الجولات الأخيرة في لبنان وقطاع غزة تمامًا.

كلمات دلالية