خبر مبادرة د. شلح « برنامج وطني »... المطلوب والآليات

الساعة 05:24 ص|22 أكتوبر 2016

فلسطين اليوم

مبادرة د.شلح « برنامج وطني »... المطلوب والآليات

بقلم: د.أحمد الشقاقي

قدم الدكتور رمضان شلح مبادرة وطنية تشكل مساراً منطقياً للخروج من المأزق الفلسطيني الراهن، يمكن البناء عليها وترجمتها بشكل فعلي من المجموع الوطني بعيداً عن حالة النزاع الفلسطيني؛ كونها لا تأتي في إطار منازعة على كراسي أو توزيع حصص في سلطة فقدت مضمونها وانهارت أمام التعنت الإسرائيلي والعجز الرسمي الفلسطيني، بل تتوجه في بنودها العشرة نحو تصحيح مفاهيم جوهر الصراع مع الاحتلال، وإعادة المسار الفلسطيني- المشتت في ظل حالة الانقسام بكافة مستوياتها- إلى طريقه.

مبادرة وطنية تحمل في طياتها توافقاً كبيراً مع الذات، من خلال النقد الموضوعي بعيدا عن جلد الذات وبشكل يتوافق مع توجه الشارع الفلسطيني المثقل بويلات الحصار، ومرارة الاحتلال، ومعاناة الشتات. تدفع حراكاً في الساحة الفلسطينية وتحرك المياه الراكدة في الواقع السياسي بحثاً عن مخارج حقيقية يمكن الشروع فيها بشكل جماعي، وان ارتبطت في عناوينها الرئيسية بشخص الرئيس محمود عباس، غير أنها تقدم مصلحة وطنية وحزبية وشخصية لكافة الأطراف وبشكل أساسي فتح وحماس. هذه المعطيات الأولية تدفع بنا للقول أن مبادرة كهذه تكفل عودة احترام المتابع والمحلل والجمهور للقوى الفاعلة في القرار الفلسطيني.

محددات المبادرة تعطي حركة فتح مساحة أكبر للخروج من تغول السلطة الفلسطينية على هذا التنظيم الوطني، وتمكنه من إعادة ترتيب أوراقه كحركة وطنية ذات قرار وطني، بعيداً عن تدخلات الإقليم والخارج، وتعيد توافق جمهورها مع توجهات قيادتها في مناخ يمكنها من مواصلة مشوارها كرائدة في سياق حركة النضال الوطني. وبالنسبة لحركة حماس فهي تمثل منفذاً لها من التزامات وقيود العمل الحكومي في ظل سلطة الحكم الذاتي، وتستثمر كافة جهودها في ساحة العمل والفعل المقاوم، وهي بذلك تضمن الحفاظ على كونها حركة مقاومة حاولت المزج بين المقاومة والسلطة، بعد أن ثبت بما لا يدع مجالاً للشك أن واجب التحرير أسقط وهم السلطة. 

تناول النقاط العشرة للمبادرة يتطلب منّا أن نكون صادقين مع ذاتنا وجماهير شعبنا في تحديد المطلوب من كل الأطراف الفلسطينية حتى يمكن الانطلاق في ورشة عمل فلسطينية جامعة وقادرة على الخروج بالكل من هذا المأزق الصعب الذي وصلت إليه الأمور على كافة المناحي.

أولاً يذهب د شلح في مبادرته إلى مطالبة الرئيس عباس إلغاء اتفاق أوسلو من الجانب الفلسطيني، وهنا أجد أن حركة فتح وقيادتها الوطنية مطالبة بحمل هذا التوجه على الصعيد الداخلي، وعبر أطرها التنظيمية لتبني هذا الخيار والدفع بهذا التوجه إلى الرئيس ضمن قراءة واعية لهذا القرار، الذي سيقدم نقلة نوعية لفتح وجماهيرها إلى مربع المبادرة وبعيدا عن حالة الدفاع، في ظل الضغوط التى تواجهها الحركة من قبل أطراف إقليمية وعربية.

ثانياً دعوة منظمة التحرير الفلسطينية لسحب الاعتراف بدولة الاحتلال يقلب الطاولة على محاولات إسرائيل مواصلة تضليلها في العالم، ويعيد ترتيب الموقف الفلسطيني الرسمي أمام حالة الصراع المستمرة مع الاحتلال، وينهي آماله في تحقيق التطبيع مع الدول العربية، ويُمكّن الرسمية الفلسطينية من امتلاك أوراق قوة في موقفها على الصعيد الدولي؛ للتأكيد على أن إسرائيل هي قوة احتلال.

ثالثاً إعادة بناء منظمة التحرير لتصبح إطاراً وطنياً يضم كل القوى الفلسطينية، وهي نتيجة تلقائية فور تحقيق النقطتين السابقتين بحيث يُمكّن حماس والجهاد من الدخول إلى الهيكل التنظيمي للمؤسسة الفلسطينية الوحيدة والتي تمثل الشرعية الفلسطينية، وهنا يمكن التقاط رسالة شلح في حرصه على الحفاظ على هذا الجسم موحداً وفق الموقف الوطني لشعب يرزح تحت الاحتلال.

رابعا إعلان أن المرحلة التى يعيشها الشعب الفلسطيني مرحلة تحرر وطني، وهذا يتطلب من الجميع وكافة القوى الوطنية تحمل مسئولياتها، والبحث في حالة الصراع وآلياته ووسائل المقاومة وتطويرها ضمن واقع ثوري يحقق في محصلته النهائية انتصارا للحق الفلسطيني، وينبغي على كل الوطنيين أن يكونوا على قدر المسئولية، وأن يتداعوا فيما بينهم لنقاشات جادة في وسائل المقاومة واليات تطويرها وفق برنامج الثورة الفلسطينية.

خامساً إنهاء الانقسام وهي حالة صدام لا يمكن تجاوزها في ظل الاختلاف الحاد في البرامج، فكل اتفاقات المحاصصة وتوزيع كعكة السلطة لن تجدي نفعاً، حتى وإن سلكنا خيار الانتخابات؛ لان الواقع وأبعاده تقول أننا شعب محتل لا يبحث عن حل لوزارة هنا أو معبر هناك، بل نبحث عن حل لقضايا كبيرة وهامة بحجم تضحيات شعبنا، عن مجابهة للتهويد في القدس، والاستيطان بالضفة، عن عودة للاجئين، وإفراج عن أبطال الحرية.

سادساً البحث في آليات تعزيز صمود وثبات الشعب الفلسطيني، فهو يمثل الحاضنة الأساسية للمقاومة ويشكل الرافعة الأساسية التي تمكنها من تطوير أدواتها بما يضمن تحقيقها لكسر جبروت الاحتلال وبطشه المستمر، هذا الصمود يحتاج من الجميع أن يكون على قدر المسئولية وان يقترب من الجمهور؛ لضمان أن تسير المركب الفلسطيني نحو بوصلتها المنشودة في التحرير.

سابعاً يعيد الدكتور شلح رسم خارطة فلسطين أمام الجميع من بحرها إلى نهرها، في تأكيد على أن القضية لا تقتصر على الضفة وغزة، هذه الإرادة والتصميم تأتي من قبل الواثق بهذا الخيار، وهي تدفع بأمواج كبيرة من الأمل المصحوب بالأدوات في نفوس الشباب والأجيال القادمة التى أكد د شلح على ضرورة إعطائها الفرصة كي تتقدم وتتصدر المشهد.

ثامناً الاتصال بكافة الأطراف العربية والإسلامية والتي تُكوّن حاضنة للنضال الفلسطيني ، وهذا الاتصال تأتي أهميته كونه يوقف الهرولة نحو إقامة علاقات مع الاحتلال، ويقدم قدر الإمكان حلولا تعمل على دعم صمود الفلسطينيين وتجاوز معاناتهم وفق حلول عبقرية وجادة.

تاسعاً ملاحقة الاحتلال في المحافل الدولية وتقديمهم كمجرمي حرب وتفعيل المقاطعة، وهذا التوجه يمكننا من امتلاك مزيداً من أوراق القوة في إطار حالة الصراع، ويستثمر الطاقات الفلسطينية المؤهلة للبحث والاجتهاد في هذا السبيل، بما يعود بنتائج مهمة علي الصعيد الدولي في مساندة للحق الفلسطيني.

عاشراً يؤكد شلح على ضرورة إطلاق حوار شامل، ذا معنى وواضح الأهداف في تحقيق متطلبات هذه المبادرة، لنقاش ايجابي يخدم هذا المسار ويرتقى بقادة بالمشهد الفلسطيني إلى  مسئولياتهم الوطنية نحو استعادة الأرض والحق.

جملة النقاط التي قدمها د شلح تؤكد أن هذه المبادرة مخلصة في غايتها، ودقيقة في خطواتها، وشاملة في أركانها، وواضحة في أدوارها، ومنطقية في عرضها، ووحدوية في بنيتها، ووطنية في برنامجها، وقد وفق في طرحها زمانياً ومكانيا لأننا بأمس الحاجة لكسر الجمود الذي أصاب الفعل السياسي الفلسطيني، ونوعية في آلية طرحها بمحفل وطني شهدته كافة الأطياف الفلسطينية.

صحفي وأكاديمي إعلامي

كلمات دلالية