خبر ما هي المشاعر ولماذا “نشعر” بها؟

الساعة 08:47 م|18 أكتوبر 2016

فلسطين اليوم

إذا قمت في أي وقت مضى بضرب أنفك بقوة جعلت عيونك تدمع، فقد تلاحظ أيضاً بأن درجة حرارة جسمك قد ارتفعت قليلاً، وبأن فمك قد أصبح جافاً بعض الشيء وأن نبضك بدأ بالتسارع، وستجد بأنك تشعر برغبة قوية لضرب شيء ما أمامك، وربما الصراخ أثناء القيام بذلك، ولكن في نهاية المطاف، ستجد بأنك قد تغلبت على هذا التدفق المفاجئ من المحفزات المادية والعقلية، وبدأت تهدأ قليلاً مع زوال الألم تدريجياً، ولكن هل تعلم بأن ما مررت به للتو هو العاطفة الأساسية للغضب؟

لطالما كان السبب الذي يجعل مثل هذا التأثير الطفيف على الأنف يؤدي لتلك السلسلة من التغيرات الفيزيولوجية والنفسية محط نقاش وتكهنات، ولكن معظم علماء النفس يتفقون على أن العواطف الأساسية، مثل الغضب، توجد لدينا باعتبارها زناد تطوري، حيث يبدو بأننا نحن البشر – ومعظم الحيوانات الأخرى – مجهزون بمجموعة من الاستجابات التي يمكن التنبؤ بها بحسب الحالات المختلفة، ونحن ندعو هذه الاستجابات بالعواطف الأساسية، وهي الغضب والخوف والدهشة والاشمئزاز والفرح والحزن.

مع الوقت، تم إعادة تشكيل هذه القائمة من العواطف الأساسية، حيث تمت إزالة وإضافة العديد من البنود إليها على أساس فكرة أن عواطف الإنسان هي أمر عالمي، ويشير هذا المفهوم إلى أنه في أية حالة معينة، مثل التعرض للضرب على الأنف، فإن أي فرد ينتمي إلى أي ثقافة سيشعر بما يشبه الغضب، حيث أصبح اعتبار المشاعر أمراً موضوعياً نظرة مقبولة على نطاق واسع، على الرغم من وجود مدرسة فكرية ناشئة تعتقد بأن العواطف هي أمر أكثر فردية، وهي تقول بأنه بدلاً من وجود 6 أو 11 نوع من العواطف الأساسية، فإن هناك عاطفة لكل تجربة بشرية محتملة.

تحتوي جميع تفسيرات العواطف تقريباً على بند يشير إلى أنها رد فعل طبيعي على حالة ما، ولكن ما إذا كان هذا الرد ناتجاً عن تقييمنا الخاص أو رداً تلقائياً مرمزاً في جيناتنا، فإن هذا مرتبط بالدراسات التي ستأتي لاحقاً.

يمكن تقسيم وجهات النظر حول طبيعة العواطف إلى فئتين في مجال علم النفس، إحداهما تشير إلى أن العواطف تأتي نتيجة لحكمنا على الوضع الراهن، أو نتيجة لتصور التغيرات التي تحدث داخل أجسامنا، وبعبارة أخرى، فعندما نشعر بالاشمئزاز، فإن هذا يمكن أن يكون نتيجة لحكمنا حول الكيفية التي نشعر بها عندما نرى قيئاً، على سبيل المثال، في حين أن الفئة الثانية تشير إلى أننا نشعر بالاشمئزاز لأن جسمنا يخضع لتغيرات فيزيولوجية مثل الغثيان وزيادة درجة الحرارة عندما نرى القيء.

مع مرور الوقت، قامت الأبحاث أيضاً بفصل مجموعة أخرى من العواطف التي كان المجمع العلمي يعتقد بشكل واسع بأنها تُختبر فقط من قبل البشر وبعض الرئيسيات الأخرى، وتستند هذه العواطف أو الأخلاقيات العليا على الوعي الذاتي، والقدرة على التعاطف مع الآخرين، مثل الشعور بالفخر والشعور بالذنب والخجل والعار.

بشكل مماثل للعواطف الأساسية، فإن العواطف الأخلاقية تُحدث تغيرات فيزيولوجية مصاحبة مرتبطة بها، ولكنها تختلف عن العواطف الأساسية في أنها تميل إلى الظهور بعد قيام الشخص بعملية التفكير الذاتي، وهي تدعم النظرية القائلة بأن العواطف هي نتائج الأحكام، وليست ببساطة نتيجة لردود طوعية للمحفزات.

في خضم النقاش المحتدم حول أصل أو طبيعة العواطف الأساسية أو العليا، يبقى هناك سؤال واحد: لماذا نختبر هذه المشاعر في المقام الأول؟

قد تشير العواطف إلى حدوث تغيير في بيئتنا، أو في داخلنا أو تغيير في كليهما، وهذه الإشارات هي عموماً إشارات عابرة بالمقارنة مع الحالات العقلية الأخرى، ونتيجة لذلك، فإن العواطف هي أمر يختلف عن الحالة المزاجية، التي يمكن أن تستمر لساعات أو لأيام أو حتى لأسابيع، كما أنها تختلف أيضاً عن الشخصية، التي تعتبر مجموعة من الصفات التي تميّز ردات فعلنا الفردية المتوقعة تجاه المواقف المختلفة مدى الحياة، بل يبدو بأن وظيفة المشاعر هي الحصول على اهتمامنا وجعلنا نقوم باستجابة ما، وقد ناقش علماء النفس ما إذا كان هذا العمل هو رد فعل فيزيولوجي غير طوعي أو نتيجة لحكم قمنا به بعد تقييمنا للوضع الحالي.

ولكن لماذا نشعر بالغضب إذا ما تلقينا ضربة على الأنف أو بالخجل إذا قمنا بالسرقة؟

هنا ينتهي النقاش، ويظهر إجماع علمي، حيث أن الجميع يتفق بأن العواطف هي عبارة عن نوع من المحفزات، فمن وجهة النظر التطورية، تعد العواطف عوامل تغيير وردود فعل، فالاشمئزاز هو الاستجابة السريعة والسيئة التي نختبرها عندما نواجه أمراً قد يجعلنا نمرض، في حين أن الغضب يحولنا بسرعة من الحالة الهادئة إلى أخرى نكون فيها على استعداد للقتال، أما الخوف فيدفعنا إلى الفرار من الحالات الخطرة، والحزن، من ناحية أخرى، يمكن أن يولّد العزم اللازم لتغيير حياتنا، كما يمكن للعواطف أيضاً أن تكون بمثابة حافز لنا لمواصلة ما نقوم به، فتجربة الفرح هي تجربة ممتعة، وتجعلنا مندفعين للاستمرار بذلك السلوك لذي أدى إلى توليدها.

إلى جانب قدرتنا على التعاطف مع الآخرين، تقوم العواطف أيضاً بالحفاظ على الروابط الاجتماعية، فنحن نظهر العواطف لتكون بمثابة إشارات اجتماعية، وهذا يسمح لنا بالتفاعل مع الآخرين آخذين حاجاتهم أيضاً بعين الاعتبار وليس حاجاتنا فقط، وهو الأمر الذي يعتبر أساس المجتمع.

هناك الكثير من الأمثلة على الكيفية التي تساعد فيها العواطف في الحياة الاجتماعية، فتخيل مثلاً أن تقوم بتربية أطفالك دون وجود ذاك الارتباط العاطفي الذي يوجد بين الأهل وأطفالهم، كما أن الشعور بالوحدة يؤدي إلى الشعور بالحزن، الأمر الذي يدفعنا بدوره للبحث عن شركاء آخرين، كما أن العواطف الذاتية الواعية، مثل العار، تمنعنا من تكرار السلوك الذي كان ضاراً للآخرين، مثل السرقة.

من خلال ما تقدم، يبدو بأن المجتمع كان قادراً على الظهور نتيجة لقدرتنا على اختبار العواطف التي تنتج عن تعاملنا مع الآخرين، أم أن الأمر حدث بالعكس؟ مما يثير اهتمام، هو أن نظرية البنية الاجتماعية للعواطف تقول بأن المجتمع هو من بدأ بفرض الاستجابة العاطفية على الأفراد، وليس العكس، ومع تقدم الشخص بالعمر، فإن عواطفه تتطور لتتحول من ردود فعل فيزيولوجية غير محسوبة، إلى استجابات يمكن تكييفها، وبهذا المعنى، فإن مشاعر الفرد يتم التحكم بها من خلال توقعات المجتمع الذي يعيش فيه، مما يجعل هذا الشخص أكثر ملاءمة للعيش بسلام في ذلك المجتمع.

كلمات دلالية