قائمة الموقع

خبر بيرس: اللوزر والموقف الفلسطيني

2016-09-29T07:30:39+03:00
فلسطين اليوم

بقلم: عبد الرحمن شهاب / مدير مركز أطلس للدراسات الإسرائيلية

لقد حقق شمعون بيرس الكثير الذي لا يعد في خدمة شعبه، حيث سخّر حياته لمشروع واحد، وهو حماية دولة إسرائيل من تهديدين:

الأول: الهزيمة أمام العرب؛ فكان مشروعه الأول هو بناء المفاعل النووي، والذي يعتبره الرادع الذي أخضع العرب للقبول بالتسويات مع الدولة الإسرائيلية الجديدة والتعامل معها كأمر واقع. لقد ترافق مع نجاحات حققها ضمن مشروع هائل لا يمكن حصره من تعزيز الصناعات العسكرية بكل ما يحتاجه الجيش في معاركه مع العرب والفلسطينيين، وقد حقق في هذا الجانب كل ما يريد لدولته.

الآخر: التهديد الديموغرافي الفلسطيني؛ فاستطاع اقناع الصقر المتطرف إسحاق رابين بتبني مشروع أوسلو لمنع تحول دولة إسرائيل إلى دولة ثنائية القومية تتشارك مقوماتها مع الفلسطينيين، ثم ترك الحزب من أجل مواصلة مشروعه، وانضم إلى شارون في حزب « كاديما » من أجل تعزيز فكرة الانسحاب من قطاع غزة.

لقد بات على قناعة بأن دولة إسرائيل لا يمكن هزيمتها وإبادتها بالقوة العسكرية، وأن كل ما يملكه الشرق الأوسط من سلاح لا يصمد ساعات في معركة حقيقية ومفتوحة أمام دولة إسرائيل إذا اضطرت لاستخدام كامل قدرتها التقليدية، ناهيك عن قدرتها غير التقليدية، معتبرًا ان المعارك التي يخوضها الجيش الإسرائيلي مع المحيط المعادي ما هي إلا مشاغلة تفرضها العداوة القديمة بين العرب واليهود وعدم وجود حل للمشكلة الفلسطينية، وأن إرضاء الفلسطينيين سيجلب الهدوء لدولة إسرائيل.

كان يدرك أن الخطر الذي يجلبه المتطرفون اليهود إلى الدولة اليهودية هو أعظم الخطر، لأن وصولهم للحكم سيحولهم إلى عائق أمام حل القضية الفلسطينية؛ الأمر الذي سيستنزف المجتمع الإسرائيلي بحروب المشاغلات، ويجعله يقبل يومًا ما بالحل « دولة ثنائية القومية ».

لقد كان يجمع الكل الإسرائيلي في شخصية بيرس، فكان الوصف له بـ « رجل الحرب والسلم » وصفًا دقيقًا من حيث أراد للحرب أن تصنع السلم وأراد للسلم أن يستند إلى حرب انتصرت فيها إسرائيل لتصنع الردع الذي يمنع الحرب، وهذا ما يفسر مقولته الشهيرة « المفاعل النووي هو الذي جعل بالإمكان توقيع أوسلو ».

لم يفت من عزيمته انه كان يلقب بالخاسر (Loser) وذلك لخساراته المتكررة في تحقيق أهدافه، لو لم يكن عنيدًا ومتفائلًا ومصرًا على تحقيق أهدافه لما سُمّي بهذا الوصف ولتوقف عند أول خسارة؛ لكن كل المعارك التي لقب من أجلها بالخاسر عاد وكسبها، وخسر في غيرها ثم كسبها.

لقد رفض في الحكم من قبل اليمين واليسار على غرار كل صاحب مشروع تعلو عليه أصوات الغوغائيين ويستخدم محبي السلطة ضده كل المتطرفين من أجل الوصول إلى مبتغاهم.

على صعيد الفلسطينيين؛ هناك قسمان لم يفهموا بيرس ومشروعه:

جزء من أصحاب فكرة التسوية الذين اعتقدوا ان بيرس حليفهم، وأنه متضامن مع الحق الفلسطيني، وأنه رجل السلام الذي يتطلعون إليه وقد يمنحهم السلاح الذي يقضون به على دولة إسرائيل، لكنه كان يوقعهم في أكبر فخ نصبه محتل للواقعين تحت احتلاله في العصر الحديث، فقد قطع قضيتهم إِربًا إِربًا، فحوّل كثيرين منهم إلى مقامرين على القضية، وبعضهم إلى مقاتلين ضد إخوانهم، والباقين إلى مؤمنين به حالمين بوصوله للحكم كي يعطيهم أرضهم التي بدأ مشروعه الاستيطاني عليها قبل عشرات السنوات.

أما القسم الآخر من الفلسطينيين الذين لم يفهموا بيرس فقد اعتقدوا انهم انتصروا عليه وعلى  مشروعه (المسيرة السلمية)، فيرون انه قد تم تدميره، حيث يعتقدون ان السلام عند بيرس يعني ضد الحرب، وأن استمرارهم في الحرب والحرب وحدها كفيلة بإنهاء هذا المشروع الاستيطاني (إسرائيل)، متغافلين ان الإجماع الإسرائيلي على شخصية بيرس يكمن في فهمه للسلام الذي لا يتناقض مع الحرب، وفي ما يبتلعه الفلسطينيون من آثار ترتبت على معاهدة أوسلو الدولية، والتي نقلت  الفلسطينيين مباشرة  من الاعتراف بواقعية الدولة الإسرائيلية إلى التنافس على ما أبقته لهم تلك الدولة من شظايا أرض أطلقوا عليها « شطري الوطن » يقطن عليها شظايا شعب لم يعودوا يتحدثوا سوى عن المصالحة بين أحزابه  متخاصمين، وبقايا تمثيل كان يسمى « منظمة التحرير الفلسطينية »، لم يعد الجيل  الفلسطيني يعرفه، ومن يعرفه لا يعترف به، ومن يعترف به يسعى للوصول من خلاله، ومن لا يسعى للوصول إليه يسعى لتدميره.

في النهاية يمكن القول متفائلين ان ما حلم بتحقيقه شمعون بيرس لن يتحقق بفعل المتطرفين في دولته، وهو عدم إرضاء الفلسطينيين لأن هذه الأرض (أرض فلسطين) لا تتسع لدولتين ولا يمكن تجزئتها، وأن المشروع الإسرائيلي وصل إلى حد اللا عودة في إحباط  « حل الدولتين »، وما كان يحلم به بيرس طوال حياته هو فصل الفلسطينيين عن أرضهم، وألا يعيش الشعبين تحت ظل دولة واحدة على هذه الأرض؛ هذا لم يتحقق لبيرس في حياته، ولن يتحقق بعد وفاته، فإما دولة « ثنائية القومية » لشعبين أو الصراع  لسنوات أو لعقود أو لقرون حتى يقضي أحدهما على الآخر.

اخبار ذات صلة