خبر الاحتلال يقهر المقدسيين ويجبرهم على هدم منازلهم بأيديهم

الساعة 07:47 م|28 سبتمبر 2016

فلسطين اليوم

بأيديهم المتعبة من سنين العمر، وأرواحهم المجهدة من قهر الاحتلال، يهدم المواطنون الفلسطينيين في القدس المحتلة منازلهم « ذاتياً »، ليغيب السقف الذي حمى ذكرياتهم، والجدران التي ترددت ضحكات الأطفال في ظلها.

فمنذ بداية العام الحالي، هدمت آليات الاحتلال أكثر من 180 منشأة سكنية وتجارية في القدس وضواحيها بحجة البناء بدون تراخيص، من بينها منشآت تم هدمها “ذاتياً”، أي أن صاحب المنشأة ذاته هو من يقوم بتحمّل كافة تكاليف الهدم مُجبراً على ذلك، وإلّا سيتم الهدم من قبل آليات بلدية الاحتلال وسيتم تغريمه بعشرات آلاف الشواقل.

هي حكاية ليست جديدة، وإنّما متجدّدة ومتكرّرة، فيومياً بتنا نسمع عن عمليات هدم واسعة في المدينة المقدّسة، تنال من صمود الفلسطينيين على أرضهم، إمّا بحجة أنّ الأرض مصادرة، أو بناء حدائق تلمودية، أو مشاريع استيطانية، والحجة الأكبر والأوسع هي “البناء بدون ترخيص”.

قام عماد جابر ببناء منزله في بلدة بيت حنينا شمالي القدس المحتلة عام 2006، سكنه مع زوجته وأطفاله الأربعة، فأكبرهم فتاة عمرها 12 عاماً، وأصغرهم طفل يبلغ ست سنوات، لكن بلديّة الاحتلال سلّمته قبل أربعة شهور أمر هدم لبيته الذي تبلغ مساحته 80 متراً، مكون من غرفتيْن والمرافق.

بصوتٍ متألّم قال لـ”قدس برس” لم أتخيّل يوماً أن أهدم منزلي بيدي، كنت أرى على التلفاز أو مواقع التواصل الاجتماعي عمليات هدم الاحتلال لمنازل الفلسطينيين، وكنت أقول في نفسي أعانهم الله على مُصابهم، لكن صدقاً “ما بحس بالوجع غير اللي بجربه”.

وأضاف أن بلدية الاحتلال أمهلته حتى تاريخ اليوم لهدم المنزل، ليقرّر أن يهدمه ويخفف على نفسه تكاليف هدم الاحتلال للبيت، فبدلاً من دفع 80 ألف شيقلاً لبلدية الاحتلال، يقوم هو بدفع أقل من ذلك بكثير، لكنه سيصبح دون مأوى.

وأشار إلى أنه حاول منذ عشر سنوات أن يحصل على ترخيص بناء لمنزله، لكنّ بلدية الاحتلال كانت تُقابله بالرفض، كما دفع أكثر من 67 ألف شيقلاً كمخالفات بناء لبلدية الاحتلال.

ولا تكتفي البلدية بإجبار المقدسي على هدم منزله “ذاتيًا” بل تحضر في اليوم التالي لتصوّر ما إذا تم تنفيد العملية بالكامل أم لا، بمعنى أن عليه أن ينقل جميع الرّكام إلى مكان مخصص، لا أن تبقى آثار الهدم موجودة.

الترخيص ليس بالأمر السهل في المدينة، فهو يحتاج إلى محامين وإجراءات قانونية تكلّفك مئات آلاف الشواقل، ولا تُعطى خلال شهور، بل تحتاج لسنوات عديدة، كما أن المقدسي يُفاجئ في معظم الأحيان بأن قرار الهدم قد نُفّذ حقّاً وهو في المحاكم الإسرائيلية يُحاول فعل أي شيء كي لا يتم ذلك.

يقول المواطن رامي علّون، وهو الذي يقطن في بلدة بيت حنينا أيضاً، إن لديه أربعة منازل، تسلّم بحقّ جميعها أوامر هدم، حيث بدأ منذ ثلاثة أيام في هدم المنزل الأوّل.

نصف مليون شيقل تكلفة بناء وصيانة وتأثيث أحد منازله الذي تبلغ مساحته 340 متراً، يسكنه وزوجته وسبعةٌ من أطفاله وهو شقّة عبارة عن طابقين، حيث استمرّ علّون في هدمه لمدة ثلاثة أيام على التوالي.

ويضيف لـ”قدس برس” إن المنزل حديث الإنشاء، بناه قبل نحو أربع سنوات، لافتاً إلى أن أول قرار هدم وصله عام 2013، حيث تنقّل ما بين محاكم الاحتلال حتى وصول أعلاها “المحكمة العليا الإسرائيلية” وتم رفض جميع ما تقدّم به للحصول على ترخيص بناء.

وأمهلت بلدية الاحتلال علّون حتى الـ30 من شهر أيلول/ سبتمبر الجاري لتنفيذ عملية الهدم وإلّا ستهدم البلدية من خلال آلياتها المنزل، وسيتم تغريمه بمبلغ 86 ألف شيقلاً وفقاً لما أبلغه به محاميه.

عندما بدأ علّون عملية هدم المنزل، وقعت عليه إحدى الأعمدة (من الطوب) ما تسبّب في ثلاثة كسور في قدمه اليُمنى، وقال: “لم أحبّذ هذه الخطوة أبداً، كنت مقهوراً وأنا أقوم بالهدم، وتعرّضت لكسر في قدمي”.

وأضاف: “أن أهدم بنفسي أفضل من أن تهدمه آليات الاحتلال، ليس فقط بسبب التغريم، وإنّما حجم الخراب والضرر سيكون أقل بكثير”.

ووفقاً لرصد “قدس برس” فإن 21 مواطناً مقدسيّاً أُجبروا على هدم منشآتهم السكنيّة والتجارية أو أجزاء منها “ذاتياً”، في مدينة القدس .

وأضافت الوكالة أن مناطق الهدم الذاتي تركّزت في بلدة سلوان شرقي المدينة وهي من أكثر البلدات المقدسيّة التي تتعرّض لسلسة من المضايقات من قبل بلدية الاحتلال، والاستيلاء على العقارات الفلسطينية لصالح المشاريع الاستيطانية، تهدف من خلالها الحكومة الإسرائيلية إلى تفريغ وتهجير الفلسطينيين منها.

تتواصل الإجراءات التي تسعى إلى تهويد القدس المحتلة وتغيير معالمها، وتتزايد مضايقات الاحتلال لسكان المدينة، لكن مشهداً واحداً قادر على أن يؤكد للجميع أن وجه المدينة عربي، كأن يغرس طفل مقدسي علم فلسطين في ركام المنزل الذي هدمه والده، ولسان حاله يقول، إن الأرض لأهلها، وإن النصر آتٍ، آتٍ كوجه الله الغامر.

كلمات دلالية