خبر نماذج فصائلية .. د احمد الشقاقي

الساعة 12:54 م|20 سبتمبر 2016

فلسطين اليوم

اهتزت ثقة الشارع الفلسطيني بالفصائل الفلسطينية الوطنية والإسلامية، وأصبحت العلاقة التي تربط المواطن بالفصيل مرهونة ببطاقة العضوية الحزبية. كذلك تكرست قناعات لدى المواطن أن الفصيل لأبنائه والوطن لأحزابه. هذا التشويش الذي أصاب الحركة الوطنية الفلسطينية جعلنا نشهد موقفا سلبياً تجاه الفصائل والأحزاب.

ما قدمته التنظيمات والحركات السياسية الفلسطينية في سياق النضال الوطني بكافة مكوناتها وتنوعاتها يؤكد علي واجب احترام هذا القوى الوطنية التى تسعى وفق ما أطلقت على نفسها إلى التحرير والمقاومة. وهذه الغايات التي تبنتها الفصائل وإن شابها بعض الانحراف فإنها لا تزال حاضرة في كل بيت وأسرة فلسطينية، مع ارتفاع ظاهرة رفض الأحزاب والإعلان عن تسببها في تراجع القضية على حساب المصلحة الحزبية.

وبعين المتابع والمراقب للحضور الإعلامي والمشهد السياسي يمكن الوقوف أمام شخصيات فلسطينية حزبية تحظى بحضور وطني واحترام شعبي ونخبوي.

الدكتور احمد يوسف

وهو شخصية قيادية في حركة حماس تقدم أفكاراً ورؤى خاصة تتناول الحركة الإسلامية والهم الوطني، ويحظى بقبول فصائلي ومجتمعي لتجاوزه التزامات التحزب السلبية وفي نفس الوقت يعلن دوما اعتزازه بانتمائه وبفصيله السياسي.

ويطل الدكتور يوسف على الجمهور الفلسطيني بمقالات وكتابات، وحتى تغريدات في عالم الفيسبوك تحظى بمتابعة عالية بين قراءة ومتابعة وتفاعل معها من قبل الجمهور، واهتمام بها من قِبله.

هذه الكتابات والتي سرعان ما تصبح مادة دسمة للنقاش السياسي من قبل الكل الفلسطيني وتتناقلها وسائل الإعلام، تجد أصداء كبيرة تدلل على عمقها وعلى حجم اقتراب كاتبها من صنع القرار وشبكة العلاقات التي يبنيها ويتمتع بها.

كذلك على المستوى الشخصي فان الدكتور يوسف يتمتع بتواضع يلمسه كل من يقترب منه، فمن الممكن أن تقابله في صلاة الجماعة بالمسجد، ويبادرك بالتحية بعيداً عن النزعة الفوقية التي من الممكن أن تلمسها في قيادات أخرى.

غير أن هذه الطاقة الوطنية النوعية- ورغم كل ما تحظاه من دعم ومساندة وطنية- تتعرض أحياناً لبعض الانتقادات من قبل متابعيه وحتى أبناء نفس الانتماء السياسي على خلفية توجهاته الأكثر انسجاما مع الكل الفلسطيني على حساب الموقف الحزبي. هذه الصورة التي استطاع نسجها الدكتور يوسف لنفسه تؤكد أن سعيه نحو المثاليات في عالم التحزب والانغلاق على الذات يصطدم بملامح التربية والثقافة الحزبية. ويجعلنا نتساءل عن جدوى ما يقوم به داخل تنظيمه، هل سيتمكن من إيجاد ظاهرة صحية داخل التنظيم تعمل على تجاوز الإخفاق؟ أم أن موجة الرفض لأفكاره ستتمكن من حسم المشهد.

عدلي صادق

اصدر أخيراً الرئيس محمود عباس قراراً بفصل السفير عدلي صادق من المجلس الثوري لحركة فتح ، والمتابع لكتابات صادق ومقالاته يجد نفسه أمام كاتب متمرس يحسن الكتابة ويفقه المرحلة ويستوعب المشهد ويعتز بالانتماء. هذه الشخصية تحظى باحترام كبير من قبل قارئيه الذين تجد فيهم الحمساوي واليساري والجهادي بالإضافة إلى الفتحاوي، ويمكن أن تعرج على تعليقات قرائه لتكتشف أنهم يمثلون الكل الفلسطيني بكافة الانتماءات وحتى من يمكن اعتبارهم مستقلين.

هذه الحظوة التي يمتلكها صادق تعود لأكثر من اعتبار أهمها: أولاً كونه شخصية وطنية وأسير سابق وصاحب تجربة نضالية. وثانياً يعتبر كاتب موفق في طرحه لآرائه ويكفي متابعيه أن يثير فيهم معالم تجربته الشخصية، والتي يثير فيها النقاش حول قضية عامة تخص الفلسطيني في كافة مناطق تواجده، فقد قدم أخيراً تجربته الخاصة المتعلقة بمعاناة السفر والتنقل والإقامة للفلسطيني في بلاد العالم وهو يتحدث عن تجربة إقامته في أوربا. وثالثا فان صادق متحرر من القيود الحزبية ويتعرض بالنقد الذاتي للواقع الحزبي في مسائل بات التعامل معها من قبل القيادات الفتحاوية نادراً.

هذا النموذج الحزبي يتعرض للهجوم من قبل بعض أبناء ذات التنظيم (فتح)، وصلت ذروتها بقرار فصله لأسباب خاصة -وهي مسالة داخلية لا نناقش حيثياتها- لكن السؤال الذي يطرح نفسه، هل المساحة التي تقدمها فصائلنا الوطنية لقيادتها وكوادرها باتت تضيق عليها؟ أم ترسخ لدى تلك القيادات أن التزامها الحزبي يجعلها تخسر في الميزان المجتمعي.

الدور الفصائلي للأحزاب والحركات السياسية الفلسطينية لا يمكن أن ننكره أو نقلل منه، لكننا بحاجة إلى أن تعلو المصلحة الوطنية داخلها؛ لكي نضمن أن يكون مسارنا في طريقه الصحيح، وبدلا من أن نجد سياسة الإقصاء الداخلي قائمة، نأمل أن نجد حضوراً أقوى لأحمد يوسف وأمثاله داخل حماس، وألا تنتقل سياسة الإقصاء الذي تعرض له عدلي صادق إلى حماس. بل نأمل كذلك أن تعود هذه الطاقة الفتحاوية إلى اكبر الفصائل الوطنية وصاحبة الانطلاقة في مشروعنا التحرري.

هذه النماذج الفصائلية ليست حصراً على ما تقدم لكن فصائلنا وتنظيماتنا تمتلك طاقة مهولة من القيادات الوطنية والسياسية التي جعلت نفسها رهناً للوطن والقضية وقدمت نفسها شهداء وأسرى. ما نسعى له أن ننعتق من الارتهان الحزبي وأن نكون فقط رهن المصلحة الوطنية !!

صحفي وأكاديمي إعلامي

كلمات دلالية