خبر عمل عربي -معاريف

الساعة 11:02 ص|06 سبتمبر 2016

فلسطين اليوم

بقلم: بن كسبيت

(المضمون: هذا بالفعل عمل عربي، ولكن القصور الذي ادى الى الانهيار امس هو قصور اسرائيلي، يهودي حلال تماما. قصور الاهمال، انعدام المهنية، الاستخفاف، الطمع وثقافة الخفة - المصدر).

لا تبدو ظاهرا علاقة مباشرة بين انهيار سقف اسمنتي هائل وانهيار أربعة طوابق من الاسمنت والفولاذ على عصبة بائسة من عمال البناء وبين نقاط الخلل التي لا تنتهي في الامان والتي أدت الى موت 230 شخصا في مواقع البناء في السنوات الخمسة الاخيرة. فما العلاقة بين خوذات الحماية، أحزمة الامان، انظمة الامان، عوائق الامان والسقالات الآمنة وبين الاخفاق الهندسي؟

خطأ. العلاقة قائمة، مباشرة ووثيقة. فموقف السيارات المنهار في رمات هحيال مرتبط بجسر المكابية المرتبط بالسقف الخفيف المرتبط بكل باقي القصورات التي القاسم المشترك بينها هو ثقافة الخفة، تدوير الزوايا، تقصير الطوابير، تخفيض الكلفات والاستخفاف بحياة الانسان.

عندما لا يحرك أحدا اصبعا ساكنا أمام 230 قتيلا في خمس سنوات، امام جريحين بجراح خطيرة في اليوم (!!)، حين لا ترفع لوائح اتهام، حين لا تغلق مواقع بناء، حين لا تكون أنظمة ادارية ولا تكون رقابة ولا يكون انفاذ ولا يكون عقاب في مستوى الحزام والخوذة، فما الغرو أن المهندسين المستخفين، والمقاولين الموفرين للاسمنت والفولاذ، والكل يضغطون ويغسلون ايدي الكل، و « سيكون على ما يرام » يطارد « توكل » والكل يبدو كالمنظومة المنسية اياها لافرايم كيشون، والذي يروى فيها عن انتاج اسرائيل الذي يكون دوما ينقص فيه برغي واحد من اصل الاربعة. لماذا؟ مجرد هكذا.

« دانيا سيبوس » كمثل. قبل بضعة ايام فقط أقالوا سائق رافعة رفض العمل على آلية لم تجتز اختبار الأمان. كان هو، وكيف لا، عامل مقاول، فأرسلوه الى بيته. في دولة سليمة كان ينبغي ان يقال هذا الصباح مدير العمل الذي أقاله وأن يغلق موقع البناء في بات يام لثلاثة اشهر؛

لولا الحادثة القاسية في تل أبيب أمس، لما كان أحد عرف قصة سائق الرافعة الذي أجرى معه امس آريه الداد مقابلة وعندي في الاذاعة بلا توقف وروى قصته التي لا تصدق. جنزير تبين غير آمن، ترتبط اجزاءه بخيوط حديدية، روابطه هزيلة، ولا يزال يجبرونه على التسلق عليه ومواصلة العمل، وعندما يثور، يقيلونه.

كما أسلفنا بالضبط حصل مع عاملة الرافعة التي رفضت الصعود الى اعلى الجنزير في الريح العاصفة التي عربدت في ذلك اليوم، وفي حالات لا تحصى اخرى والتي ما كانت لتصل الى علم الجمهور لو لم ينهار أمس الاسمنت في رمات هحيال.

يحتمل أن يكون البائسون الذين دفنوا تحت الانقاض طبق الفضة الذي ستقدم عليه حياة كثيرين آخرين هدية، حين تصحو الدولة.

لماذا حصل هذا؟ لانهم عرب او صينيون أو تايلنديون أو مجرد روس او أوكرانيين وباقي غير المرئيين والمستضعفين الذين لا ينتمون الى النخبة الاسرائيلية المحتفلة. ما العمل وهؤلاء هم رجال العمل هنا، في دولة اليهود.

هذا بالفعل عمل عربي، ولكن القصور الذي ادى الى الانهيار امس هو قصور اسرائيلي، يهودي حلال تماما. قصور الاهمال، انعدام المهنية، الاستخفاف، الطمع وثقافة الخفة.

كل هذا تحت رعاية رسمية: المراقبون القلائل الذين اتخذتهم الدولة يكسبون اجرا بالحد الادنى وليس لهم حتى استرداد للنفقات الذي يسمح لهم للتحرك بين 13 الف موقع بناء في أرجاء البلاد. يتعين عليهم ان يصلوا في الباص، وبعد أن يكونوا وصلوا ما الذي يمكن لهم ان يفعلوه؟ لا شيء على الاطلاق. 230 حالة وفاة في خمس سنوات، انتجت 11 لائحة اتهام. يكاد يكون دوما تصل سيارة الاسعاف، تخلي الجثة، يكنسون وراءها، ينظفون بقع الدم اذا كانت كهذه، ويواصلون الى الامام.

هذه الثقافة تتشارك فيها بطاقات عديدة اخرى. الامان على الطرق هو مثال ممتاز. ما يجري في مجال الشاحنات الثقيلة، كما اسلفنا. مثل حقيقة أنه لا يوجد مقياس رقمي في كل شاحنة، يسمح بالتحكم بحركات، افعال، سرعة ومخالفات السائق، مثلما هو دارج في الدول المتنورة.

انظروا الى عدد المراقبين في مواقع البناء وقارنوهم بعدد افراد شرطة حركة السير في الطرقات. ذات الظاهرة بالضبط. لا ميزانية، لا قوة بشرية، هذا لا يهم احدا. الجثث تتراكم والكل يواصل كالمعتاد.

بعد عدة ايام سيترسب الغبار من على موقف السيارات في رمات هحيال. الانقاض ستخلى، وعلى افتراض أن القتلى جاءوا من رام الله، أو وادي عارة، او من اوكرانيا فانهم لن ينجوا حتى ملاحق نهاية الاسبوع. وبعد ذلك، انتم تسألون؟ بعد ذلك كل شيء سيتواصل كالمعتاد.

 

 

كلمات دلالية