خبر التعليم.. ابتزاز « إسرائيلي » من نوع آخر في القدس المحتلة

الساعة 08:39 ص|05 أغسطس 2016

فلسطين اليوم

يواجه الفلسطينيون القاطنون في مدينة القدس المحتلة، تحدياً جديداً بدأت ملامحه تظهر في الأفق من خلال تصريحات وتلميحات « إسرائيلية تتلخص » في مزيد من « الابتزاز » لتحقيق مزيد من « التهويد » للمدينة المقدسة، في مجال آخر يختلف عن الاستيطان وهدم المنازل.. التعليم.

ويأتي هذا « الابتزاز » عبر حصول المدارس العربية على مساعدات مالية - هي بحاجة ماسة إليها - من إدارة المعارف « الإسرائيلية »، مقابل إلزامها بتطبيق المناهج العبرية.

وتساور الفلسطينيون مخاوف من أن تكون تل أبيب تسعى تدريجيا لفرض المنهاج « الإسرائيلي » في المدارس العربية، وهو إجراء سبق أن تصدى له الطلاب وأولياء الأمور (الفلسطينيين) بعد احتلال « إسرائيل » للمدينة عام 1967، قبل أن تتراجع عنه وقتها.

وبهذا الخصوص، قال عبد القادر الحسيني، مدير مؤسسة فيصل الحسيني (غير حكومية)، للأناضول « تتلقى العديد من المدارس التمويل من إدارة المعارف الإسرائيلية، ولكن مع هذا الدعم فإن هناك دائما شروطا تزداد كل عام، وهناك شعور بأن إسرائيل تتدخل في قرارات المدارس بما في ذلك تعيين المعلمين والمناهج ».

وأضاف، مدير المؤسسة التي تركز عملها على قطاع التعليم في القدس الشرقية، « تحاول المدارس إيجاد طرقاً لمواجهة هذا الأمر، ولكن مع كل سنة تزداد المشاكل ».

وكان المحامي أحمد الرويضي، مستشار شؤون القدس في ديوان الرئاسة الفلسطينية، تحدث للأناضول في وقت سابق قائلاً إن « الحكومة الإسرائيلية تحاول جاهدة منذ سنوات، تطبيق المنهاج الإسرائيلي في المدارس الموجودة في القدس الشرقية، وهي الآن تشترط تطبيق هذه المناهج لتقديم المساعدة المالية ».

وقال الرويضي، إن « السلطات الإسرائيلية تستخدم الترهيب، وأيضًا الترغيب، في محاولة لفرض منهاجها، وبالتالي فإن الحديث عن تقديم مساعدات للمدارس التي تطبق المنهاج الإسرائيلي يأتي في إطار الترغيب ».

أما عن الترهيب، يتابع الرويضي، « فالتعليم في المدارس الخاضعة لمسؤولية المعارف الإسرائيلية، يخضع لشروط وقواعد يضعها الاحتلال الإسرائيلي، ومن يخالفها يتم فصله سواء أكان معلمًا أو مدير مدرسة ».

وتقدم سلطة المعارف الإسرائيلية، مساعدات مالية للمدارس الفلسطينية، غير الخاضعة لإدارة الأوقاف الإسلامية، ولوكالة « أونروا »، في القدس .

وأشار الرويضي، أنه « على الرغم من أن هذه المدارس لا تخضع مباشرة لمسؤولية السلطات الإسرائيلية، إلا أن هذه السلطات تفرض عليها قيودًا مقابل الحصول على مساعدات مالية ».

وأكد على أن « كل التعليم الفلسطيني في القدس مستهدف في إطار المساعي الإسرائيلية للقضاء على الثقافة الوطنية الفلسطينية في مدينة القدس ».

وثمة 5 أنواع من المدارس في مدينة القدس ، الأولى تابعة لمديرية التربية (الفلسطينية) الخاضعة لمسؤولية إدارة الأوقاف الإسلامية في القدس، وثانيا المدارس الخاصة (مملوكة لمؤسسات خيرية وكنائس وأفراد)، وثالثا المدارس التابعة للمعارف الإسرائيلية، ورابعا، المدارس التابعة لوكالة الغوث « الأونروا »، وخامسا، مدارس المقاولات (تعود لأفراد يعملون بالتعاقد مع إدارة المعارف الإسرائيلية).

وطبقا لإحصائية أعدتها مديرية التربية والتعليم في القدس، ، فإن هناك 46 مدرسة تابعة لمديرية التربية والتعليم الفلسطينية، وعدد طلابها 12 ألف و420.

كما تشير الإحصائية، إلى وجود 79 مدرسة خاصة، عدد طلابها 28 ألف و42، في حين أن هناك 7 مدارس تابعة لـ « الأونروا »، ويبلغ عدد طلابها ألف و541.

بالمقابل تشير إلى وجود 52 مدرسة تابعة للبلدية الإسرائيلية في القدس، عدد طلابها يزيد عن 41 ألفاً، فضلا عن وجود 19 مدرسة مقاولات.

ورغم أن إدارة المعارف الإسرائيلية تهيمن بالكامل على مدارسها ومدارس « المقاولات »، إلاّ أنها تسعى لفرض سيطرتها على المدارس الخاصة أيضاً.

وتتلقى غالبية المدارس الخاصة، أموالاً من « إدارة المعارف » لتقديم التعليم الإلزامي للطلاب في القدس، ولكن ما كان متاحا بسهولة منذ سنوات باتت شروطه قاسية في السنوات الأخيرة.

بالمقابل ترفض مدارس مديرية التربية والتعليم الفلسطينية، ومدارس وكالة « الأونروا »، الحصول على أي مساعدات مالية من إدارة المعارف الإسرائيلية.

وليس ثمة تقديرات واضحة لقيمة الأموال التي تقدمها إدارة المعارف الإسرائيلية للمدارس الخاصة في القدس الشرقية، ولكن مسؤول في البلدية الإسرائيلية قال للأناضول، مفضلا عدم كشف اسمه، كونه غير مفوض بالحديث للإعلام، « إنها أموال معتبرة ».

من جهته، قال مدير أحد المدارس الخاصة في القدس الشرقية (مفضلا عدم ذكر اسمه لحساسية الموقف)، للأناضول « للأسف فإن الكثير من المدارس باتت غير قادرة على الاستمرار بدون هذا الدعم (الإسرائيلي)، وفي ظل غياب الدعم المالي العربي والإسلامي للتعليم في القدس، فإن البديل لا يكاد يكون متوفرا ».

وأضاف « الضرائب الباهظة، وسلم الرواتب الذي يفرضه القانون الإسرائيلي، إضافة إلى الإمتيازات تجعل مداخيل المدارس - حتى وإن كانت جيدة نسبيا بسبب ارتفاع أقساط الطلاب في المدارس الخاصة - غير كافية لتغطية رواتب المعلمين فما بالك بباقي المصاريف »، مبيناً أن إسرائيل تقدم هذا الدعم المالي « لفرض شروطها على المدارس ».

وقال عدنان الحسيني، وزير شؤون القدس (في السلطة الفلسطينية) ومحافظ المدينة، ردا على سؤال للأناضول « هناك ضغوط ومحاولات لممارسة الضغوط على المدارس الخاصة التي تحصل على دعم مالي، فهم (الإسرائيليين) يحاولون من خلال هذا الدعم التدخل في إدارة هذه المدارس وهذا أمر نرفضه، فالأموال التي يدفعوها للمدارس هي واجبة عليهم، فهي من الضرائب التي تجبى من الفلسطينيين، وبالتالي ليس من حقهم التدخل لا في المناهج ولا في الإدارة ».

وأضاف وزير شؤون القدس « هم يريدون استغلال الأمر من أجل تحقيق مكاسب سياسية، وأعتقد أنه ينبغي على السكان أن يقفوا بوجه ذلك وألاّ يسمحوا بها »، مبيناً « في أسوأ الظروف (ينبغي) أن تكون هناك حلول بديلة في حال وصولنا إلى طريق مسدود، لا أعتقد أنهم (الإسرائيليين) يجرؤون على وصول الأمور إلى طريق مسدود، وإنما يحاولون الضغط، وإذا ما كان موقفنا قويا فإنهم سيتراجعون تماما، كما حصل عند محاولة فرض المناهج الإسرائيلية عام 1967 ».

وتجبي السلطات الإسرائيلية في القدس مئات ملايين الدولارات سنويا، من نحو 316 ألف فلسطيني يعيشون في المدينة، ويقول الأخيرون إنها (السلطات) تستخدم هذه الأموال لتطوير القدس الغربية، بينما تهمل « الشرقية »، كما تستخدم ما يتم جمعه من أموال لجعل حياة الفلسطينيين أصعب.

« وتستخدم إسرائيل الدعم المالي، لإجبار المدارس الخاصة على عدم توظيف معلمين من الضفة الغربية غير حاصلين على أذونات (تصاريح) إسرائيلية للدخول إلى القدس، كما تفرض على المدارس توزيع كتب المنهاج الفلسطيني التي تطبعها هي (إسرائيل) بعد حذف ما لا يناسبها منها وتطويعها سياسيا، فضلا عن الطلب من عدد من المدارس تعليم المنهاج العبري واللغة العبرية »، بحسب عدد من المعلمين تحدثوا للأناضول.

وبهذا الصدد يقول عبد القادر الحسيني « المنهاج المعمول به حالياً في المدارس - بما فيها التابعة لإدارة المعارف الإسرائيلية - هو المنهاج الفلسطيني، ولكن البلدية توزع على المدارس الخاضعة لسيطرتها، والتي تتلقى الدعم المالي منها، المنهاج مشوهاً، إذ يتم شطب مواد وخاصة ما يتعلق بالمادة الوطنية والهوية الوطنية والوضع الثقافي ».

وتعليقاً على ذلك، يقول المسؤول في البلدية الإسرائيلية « يجري تضخيم الموضوع، فما يتم حذفه هو ما يتعلق بالتحريض على إسرائيل ».

لكن الأناضول لاحظت على سبيل المثال، حذف العلم الفلسطيني من كتاب التربية الوطنية للصف الأول الأساسي، وحذف طابع بريدي قديم يحمل صورة قبة الصخرة المشرفة وكلمة فلسطين بالإنجليزية والعربية من كتاب التربية الوطنية للصف الثاني الأساسي، إضافةً إلى حذف كلمات مثل الجهاد والنضال من مواقع في المنهاج.

ورفض وزير شؤون القدس مجددا الكتب التي توزعها إدارة المعارف الإسرائيلية، وقال « سنوزّع المناهج (الفلسطينية) على المدارس قبل منتصف أغسطس (آب) الجاري ».

أما المسؤول في البلدية الإسرائيلية فقال « تعليم المنهاج الإسرائيلي اختياري، ولم يتم فرضه على أي مدرسة »، لكنه أضاف « العديد من الطلاب يريدون الالتحاق بالجامعات الإسرائيلية، وعليه فإنهم يجب أن يتقنوا اللغة العبرية فلماذا لا يتم تأسيسهم بلغة عبرية قوية؟ »، على حد قوله.

وسبق أن أعلن وزير التعليم الإسرائيلي نفتالي بنيت، قبل عدة أشهر، أنه « سيربط تقديم أموال دعم إضافية للمدارس في القدس الشرقية، بتعليم المنهاج الإسرائيلي ».

وينظر عبد القادر الحسيني إلى المحاولات الإسرائيلية لفرض شروطها على المدارس في القدس بأنها تدريجية، موضحاً أن « الشروط الإسرائيلية لتقديم الدعم المالي تزداد كل عام، وتستغل إسرائيل غياب البديل لهذا الدعم من أجل فرض المزيد من الشروط، على أمل أن تصل يوما إلى مرحلة تفرض فيها تغيير المنهاج ».

كلمات دلالية