قائمة الموقع

خبر الانتخابات الفلسطينية: قفزة نحو مجهول أم معلوم؟

2016-07-26T05:10:11+03:00
فلسطين اليوم

هاني المصري

إذا مرّت الانتخابات المحلية الفلسطينية على خير وسلام، وجرت في أجواء حرة ونزيهة واحتُرِمت نتائجها، وتمكّنت المجالس المنتخبة من العمل من دون عراقيل، وهذا احتمال قائم يجب العمل على أن يكون الاحتمال الوحيد، يمكن أن تفتح الطريق نحو الانتخابات العامة التي ستعبّر عن إرادة الشعب الفلسطيني وخياراته، بشرط أن تكون ضمن رزمة تؤدي إلى إنهاء الانقسام واستعادة الوحدة الوطنية. أما إذا جرت في ظل الانقسام، فستكون قفزة في المجهول، وستساعد على تحويل الانقسام إلى انفصال دائم.

بداية، لا بد من التفريق بين الانتخابات المحلية، بما تشمله من بلديات ونقابات واتحادات وجمعيات ومنظمات أهلية وجامعات ولجان الشعبية في المخيمات، التي يُفترض أن تجري بشكل دوري ومنتظم في الأحوال كافة وفي مختلف المناطق، وبين الانتخابات العامة الرئاسية والتشريعية وانتخابات المجلس الوطني التي يتطلّب إجراؤها توفر بعض الأسس حتى تكون نتائجها مثمرة وإيجابية.

قبل إجراء الانتخابات العامة، يفترض تبني استراتيجية سياسية يفتح الاتفاقُ عليها الباب أمام إنهاء الانقسام واستعادة الوحدة، على أن تتضمن الاستراتيجية تلك توافقاً على الهدف الوطني أو الأهداف التي يراد تحقيقها في هذه المرحلة. والأخيرة لا بد أن تتضمن إنهاء الاحتلال، وحق العودة، وتقرير المصير الذي يشمل الحق في إقامة دولة فلسطينية ذات سيادة، والمساواة الفردية والقومية لفلسطينيي أراضي 48، وهي أهداف يمكن أن يعتبرها البعض مرحلية، بينما يراها البعض الآخر أهدافًا نهائية. ولنأخذ في هذا السياق النموذج الذي سارت عليه حركة المقاطعة BDS، التي تضم قوى ومؤسسات مجتمعية مختلفة، إذ حددت الأهداف المذكورة مع إعطاء الحق لأصحاب الرؤى والاتجاهات كافة بالاحتفاظ بوجهات نظرهم حول التحرير الكامل أو الدولة الواحدة بمختلف أشكالها.

وبالفعل، إذا دققنا في الخريطة السياسية الفلسطينية، سنلحظ إمكانية للاتفاق على برنامج الحد الأدنى الوطني (العودة والاستقلال والمساواة) بين غالبية القوى والفصائل وأفراد الشعب الفلسطيني، في حال عدم اشتراط الموافقة على اتفاق «أوسلو» والتزاماته. وحتى يتحقق ذلك لا بد من تغليب المصلحة الوطنية على المصالح الفردية والفئوية والجهوية والعائلية والفصائلية، وتغليب الوطنية الفلسطينية على أي مشاريع أو محاور أو ارتباطات عربية أو إسلامية أو إقليمية أو دولية. كما لا بد للاستراتيجية أن تشمل الاتفاق على أشكال العمل والنضال المناسبة، أي لا بد من الاتفاق على أن قرار السلم والحرب قرار لا يتخذه فصيل لوحده أو حتى فصائل عدة، بل هو قرار وطني تتخذه مؤسسات الإجماع الوطني.

ما سبق ذكره يقودنا إلى الحديث عن أهمية الاتفاق على إقامة مؤسسة وطنية جامعة، يُفترض أن تكون «منظمة التحرير» بعد إعادة تشكيل مؤسساتها، لتضم مختلف ألوان الطيف السياسي والاجتماعي التي تؤمن بالمشاركة وقواعد وأهداف العمل الوطني والديموقراطي. بالإضافة إلى ذلك، لا بد من الاتفاق على إعادة النظر في شكل السلطة ووظائفها والتزاماتها كي تتحول من سلطة حكم ذاتي إلى سلطة وطنية ونواة تجسيد للدولة الحرة ذات السيادة. وإذا تعذّر ذلك فلتذهب السلطة إلى الجحيم. لكن رحيلها في هذه الحالة لن يكون نوعاً من الانتحار السياسي، بل ستكون المنظمة برؤيتها الجديدة المستمدة من استخلاص العبر والدروس هي البديل الذي يمنع الفراغ الذي يُخشى أن يملأه الاحتلال أو التنظيمات الإرهابية التي تتغطى بالإسلام.

من يقول إن الانتخابات العامة هي الطريق الوحيد لإنهاء الانقسام أو للحسم من دون وحدة وطنية أولًا يدفع، بعلم أو بجهل، نحو تعميق الانقسام وتجدد الاقتتال، لأنه يتناسى أن فلسطين محتلة، وأن الاحتلال لاعب رئيسي يستطيع، ما لم تكن هناك وحدة وطنية، أن يتحكم بالانتخابات، من خلال السماح بتنظيمها أو منع ذلك، والاعتراف بنتائجها أو عدم الاعتراف بها، وإلغاء مفاعيلها بصورة جزئية أو كبيرة، كما حدث بعد الانتخابات التشريعية السابقة، إذ قاطعت سلطات الاحتلال حكومة «حماس» وحكومة الوحدة الوطنية، واعتقلت عشرات النواب وعدداً من الوزراء، الأمر الذي عطّل عمل المجلس التشريعي، في ظل غياب الإرادة والإجراءات والقوانين المتفق عليها، التي تحول دون قدرة الاحتلال على ذلك.

إن أهمية الاتفاق على قواعد العمل الوطني والديموقراطي المشترك ضرورة لا غنى عنها، لأن فلسطين تمر بمرحلة تحرر وطني، ولا بد من الاتفاق على قواسم مشتركة. فعلى سبيل المثل، إن مسألة تبني المقاومة أو الإحجام عن ذلك ليست وجهة نظر قابلة للنقاش، بل هي حق وواجب. أما النقاش فيكون حول أشكال المقاومة المناسبة في كل مرحلة، مع عدم إدانة أو تحريم أو رفض أي شكل من أشكالها التي تقرها جميع الشرائع الدينية والدنيوية. كذلك الأمر بالنسبة للموقف من المسار السياسي المعتمد منذ «اتفاق أوسلو»، الذي قام أساساً على الوهم بإمكانية التوصل إلى تسوية من خلال الاعتماد على المفاوضات الثنائية كطريق وحيد أو رئيسي. فهذه ليست مجرد وجهة نظر، بل خطأ فادح قاد إلى الكارثة التي نحن فيها، وسيقود إلى كارثة أكبر تؤدي إلى إغلاق ملف القضية الفلسطينية حتى إشعار آخر. إذ ثمة حاجة ملحة لمسار سياسي جديد مختلف جوهرياً عن المسارات المعتمدة (المفاوضات الثنائية والمقاومة المسلحة كخيارين أحاديين).

في ضوء ما تقدم، لا يمكن الذهاب نحو الانتخابات العامة قبل حسم مسألة التزام الفلسطينيين بـ «اتفاق أوسلو» وبقائهم تحت سقف العملية السياسية التي يمكن أن تؤدي إلى ما هو أسوأ من «أوسلو». يفترض بالكل الوطني أن ينطلق من فكرة قوامها أن الانتخابات لا يمكن أن تكون نزيهة إن جاءت لتكريس الوضع الراهن وشرعنته. فالانتخابات شكل من أشكال ممارسة الحرية، ولا حرية تحت الاحتلال. وتنبع أهمية إجرائها من مدى قدرتها على المساهمة في التخلص من هذا الاحتلال، وفي أن تكون أداة من أدوات البرنامج الوطني.

إن الوحدة الوطنية على أساس القواسم المشتركة ضرورة لا غنى عنها، وهي لا تمنع التعددية والتنوع والمنافسة وحرية الاختلاف، ولكن في إطار الالتزام ببرنامج مشترك، ويمكن أن تكون الوحدة مصدر الشرعية إذا تعذر إجراء الانتخابات جراء رفض الاحتلال تنظيمها.

مسألة أخرى لا بد من حسمها: هل بالإمكان في ظل المعطيات الحالية الفلسطينية والعربية والإقليمية والدولية تحقيق برنامج الحد الأدنى الوطني، أو حتى جزء منه، مثل الاستقلال أو العودة أو المساواة، أم أن أي إنجاز جوهري بحاجة إلى تغيير جدي في موازين القوى؟ الفرضية الثانية تعني أن أي إنجاز جدي يحتاج إلى وقت طويل، وأن الأهداف المباشرة للشعب الفلسطيني يجب أن تتمثل بالحفاظ على القضية الوطنية حية، وتوفير وتعزيز عوامل الصمود والتواجد البشري الفلسطيني على أرض فلسطين، والحفاظ على ما تبقى من إنجازات ومكاسب، وإعادة الاعتبار للقضية بوصفها حركة تحرر وطني، وإعادة بناء الحركة الوطنية والتمثيل والمؤسسات الوطنية الجامعة، وتعزيز وإغناء الهوية الوطنية، وتعطيل المخططات الإسرائيلية التي تستهدف الشعب الفلسطيني في مختلف أماكن تواجده.

إن هذا يقتضي إجراء عملية تجديد وإصلاح شاملة في الفصائل الفلسطينية ومجمل النظام السياسي، على أساس بلورة رؤية مختلفة. وإذا تعذر ذلك، وهو ما يبدو حتى الآن على الأقل، سيفتح هذا الطريق أمام قيام أحزاب وفصائل وحركات اجتماعية جديدة قادرة على مواجهة المخاطر التي تهدد القضية الفلسطينية، وتوظيف الفرص المتاحة التي ستبقى قائمة بسبب عدالة القضية وتفوقها الأخلاقي، وتمسك الشعب الفلسطيني بأهدافه، وإصراره على الكفاح من أجل تحقيقها، وبسبب اتضاح متزايد على المستوى العالمي لحقيقة المشروع الاستيطاني العنصري، وبروز الخطر المتزايد الذي تمثله السياسة الإسرائيلية على الأمن والاستقرار الإقليمي والدولي، فضلاً عن وجود نقاط ضعف كبيرة لدى إسرائيل يمكن أن تحيّد عناصر قوتها، إذا أحسن الفلسطينيون الاستفادة منها والكفاح ضدها.

اخبار ذات صلة