خبر حُمرة على شفتي خنزير- يديعوت

الساعة 10:55 ص|25 يوليو 2016

فلسطين اليوم

بقلم: ناحوم برنياع

(المضمون: على حد رواية شفارتس، كاتب السيرة الذاتية، فان ترامب مريض بحبه لذاته. لا يهمه أي شيء الا نفسه. لا الفكر، لا القيم، لا نسائه، لا ابنائه، لا شركائه، لا ناخبيه. وهو يتنافس على الرئاسة ليس لانه يؤمن بشيء ما بل انطلاقا من جنون العظمة - المصدر).

« حلق ذهب في أنف خنزير »، هكذا يصف كاتب عملية التزين والتجمل التي تجرى لتغطية البشاعة. وتوجد لطوني شفارتس، كاتب السيرة الذاتية لدونالد ترامب، رواية خاصة به لهذا التعبير الرائع. « طليت شفتي دونالد ترامب بحمرة الشفاه »، هكذا يعترف في مقابلة منحها مؤخرا للاسبوعية الامريكية « نيو يوركر ». وأثارت المقابلة ضجيجا لا بأس به في وسائل الاعلام الامريكية. فهي تدل على نحو غير قليل على ترامب، على الطريقة التي نجح فيها في اجتياز نصف الشوط الى البيت الابيض، على دور وسائل الاعلام في نجاحه وعلى جهدها اليائس لاصلاح ما خربته. وهذا يمكن ان يدل على شيء ما عندنا نحن ايضا.

كتاب « فن الصفقة » (THE ART OF THE DEAL)، الذي صدر في 1987 كان واسع الرواج. بفضله نال ترامب مسلسل تلفزيوني خاص به « المختص »، والذي بني بالهام من الكتاب. قبل بضعة اشهر شاهد شفارتس تقريرا تلفزيونيا، القى ترامب خلاله خطابا على مؤيديه. « الزعيم الذي نحتاجه هو الرجل الذي كتب »فن الصفقة« ، أعلن. فسارع شفارتس الى اطلاق تغريدة على التويتر. »أنا الرجل الذي كتب « فن الصفقة ». وأنا من يتعين عليه أن يتنافس على الرئاسة« ، كتب يقول.

مرت بضعة اشهر، انتصر ترامب في الانتخابات التمهيدية، وامتلأ شفارتس بمشاعر الذنب. فقرر ان يتبرع بكل المردودات التي يستحقها من بيع الكتاب الى جمعيات تكافح ضد شعارات ترامب. وقال في المقابلة: »هذا لن يطهرني من الذنب. أنا سأتحمل ذنبي حتى آخر يوم في حياتي« .

فكرة نشر سيرة ذاتية لترامب وضعتها ناشرة محترمة، كتبت عنه تقول بكل الصفر في نيويورك، واجتذبت انتباهه. وقع ترامب على العقد ولكنه لم يكن قادرا على الكتابة. فدخل شفارتس الى الصورة بعد أن نشر تقريرا عرض فيه ترامب كشخصية عليلة، مريضة نشر. ولمفاجأته، أحب ترامب التقرير وعرض عليه أن يكتبا الكتاب معا. نصف مليون دولار دفعت الناشرة كسلفة للكاتبين؛ كان شفارتس يحتاج المال.

اعتقد أن ترامب، الذي كان ابن 39 في حينه، سيملي عليه ذكريات. هذا لم ينجح: فلم يكن لترامب ما يرويه. والاخطر من هذا، تبين أنه غير قادر على التركيز، فهو يسرع الى الملل، يقفز من موضوع الى موضوع ومن كرسي الى كرسي. فاقترح شفارتس بديلا: ان يجلس هو الى جانب ترامب في مكتبه، يستمع الى كل محادثاته ويكتب الكتاب بناء عليها. فوافق ترامب. إذ أن السرية لم تكن تهمه، بل المال والشهرة فقط.

شفارتس هو الذي اخترع اسم الكتاب، رغم أنه لم يفكر للحظة بان الاعمال التجارية لترامب هي أعمال فنية. كان يعرف بان القسم الاكبر مما يقوله ترامب لمحادثيه ليس له أي اساس من الصحة. فقد درج ترامب على القول ان الكذب يزيد مساحة المناورة لديه أمام رجال أعمال آخرين: فهم يعيشون في مجال الحقيقة، اما هو فعديم الحدود. وكتب شفارتس في يومياته: »اكتشفت ثقبا اسود". كل هذا لا يوجد في الكتاب.

وعلى حد روايته، فان ترامب مريض بحبه لذاته. لا يهمه أي شيء الا نفسه. لا الفكر، لا القيم، لا نسائه، لا ابنائه، لا شركائه، لا ناخبيه. وهو يتنافس على الرئاسة ليس لانه يؤمن بشيء ما بل انطلاقا من جنون العظمة. ولما كان منصب الرئيس هو المنصب المنشود للغاية، الشهير للغاية، فهو يجب أن يكون له.

يتساءل شفارتس الان كيف سيؤدي ترامب مهام منصبه في البيت الابيض حين لا يكون قادرا على ان يستمع الى استعراض استخباري، والتحكم بكوم من الوثائق السرية او قراءة كتاب. فهو واحد من كثيرين: معظم وسائل الاعلام الامريكية، تندم الان على تعاونها طويل السنين مع الرجل. وفي الاشهر الاخيرة تهاجم الرجل وسجله بلا رحمة. نتنياهو، الذي يكثر من الشكوى على الانتقاد الذي يتعرض له من بعض وسائل الاعلام هنا، يعيش في جنة عدن مقارنة بما يتعرض له ترامب.

ولكن هذا متأخر جدا. فالاراء تبلورت، والحقائق لا تهم احدا. نصف الامريكيين يرون خنزيرا؛ والنصف الاخر يروق لهم احمر الشفاه. وهذا ايضا مثال لا بأس به على وضعنا. 

كلمات دلالية