إسرائيل: اعتراف متأخر بثقافة يهود الشرق

خبر زعزعة خجولة لهيمنة الأشكناز على الصهيونية

الساعة 06:31 ص|15 يوليو 2016

فلسطين اليوم

أثارت توصيات رفعتها «لجنة بيطون لتعظيم تراث يهود أسبانيا والشرق في جهاز التعليم»، ردود فعل متباينة بسبب ارتباط عمل هذه اللجنة بمشاعر الإجحاف الشائعة لدى يهود الشرق جراء محاولات طمس تراثهم في إطار هيمنة أشكنازية على الفكر والممارسة الصهيونية.

وعلى مدى عقود تعايش اليهود الأشكناز والشرقيين في « إسرائيل » كان ميل الصهيونية هو دمج الشرقيين في بيئة غربية للارتقاء بهم من الوضعية الدونية التي كانوا يعيشونها. وخلق هذا الميل إحساسا بالتمييز لدى يهود الشرق خصوصا بين من يفخرون بمكانتهم ودورهم في تاريخ اليهودية.

ورغم أن التوصيات مرفوعة لجهاز التعليم، إلا أنها تدلل على الوجهة التي يريد يهود الشرق اتخاذها في إسرائيل. والتوصيات التي وضعت بعد دراسة وتمحيص لمدة خمسة شهور متواصلة على أيدي لجنة متخصصة برئاسة الشاعر اليهودي المغربي إيرز بيطون، تمثل دعوة للانقلاب على الرواية التي كانت معتمدة سابقا. ومعروف أن الصهيونية كانت ترى أن إسرائيل هي «بوتقة انصهار» للطوائف اليهودية لكنها كانت تقصد انصهار كل الطوائف في الرواية الغربية الأشكنازية.

وإلى وقت قريب كانت محطات الإذاعة والتلفزة الإسرائيلية لا تبث أغاني ليهود شرقيين، ولم يكن هناك إقرار بوجود مفكرين أو علماء أو حتى فقهاء شرقيين على مستوى رفيع. وفقط قبل سنوات قليلة وضعت إسرائيل على عملتها صورا لشخصيات فكرية وثقافية يهودية شرقية وكان أولهم الحاخام الأندلسي موسى بن ميمون. ولذلك فإن توصيات «لجنة بيطون» تتصل بما ينبغي تغييره من مناهج تعليمية في كل مؤسسات التعليم، من رياض الأطفال إلى الجامعات، بحيث تتضمن تعليما إلزاميا حول كتاب وشعراء شرقيين، ونصوصا حول تاريخ يهود الأندلس والشرق وابتكار أسلوب تعليمي عن يهود الشرق وإصدار مسلسل تلفزيوني واسع عن تاريخهم.

وبحسب الكثير من الخبراء، فإن جوهر توصيات «لجنة بيطون» يتركز في وجوب الاعتراف برواية يهود الشرق وثقافتهم ونظرتهم إلى أنفسهم في إطار تعددية إسرائيلية. والغاية الأساسية من تشكيل اللجنة وتوصياتها هو سحب فتيل الانفجار من هذا الموضوع الشائك الذي كان يتعاظم مع تنامي دور جماعات يهودية شرقية تركز على عروبتها في مواجهة الصهيونية.

وبعد عرض التوصيات، قررت وزارة التعليم تخصيص مليار وربع مليار شيكل (حوالي 350 مليون دولار) لتطوير التراث الشرقي عبر تعديل المناهج التعليمية وعبر البدء بتنظيم رحلات جذور إلى المغرب وتونس مثلا. وقد اعتبر وزير التعليم الإسرائيلي نفتالي بينت أن القبول بتوصيات اللجنة والعمل على تنفيذها يعد «إصلاحا لظلم تاريخي بعد 68 عاما» من قيام الدولة العبرية.

ويرى خبراء أن في قبول وزير التعليم لتوصيات اللجنة نوعا من الاعتراف التاريخي بالظلم الواقع على هذه الجماعة التي تشكل حاليا حوالي نصف المجتمع الإسرائيلي. لكن هذا القبول تضمن ليس الأمور الصالحة وإنما أمورا غير صالحة مثل توصيات بالتمثيل المتساوي للشرقيين والغربيين في السلك الأكاديمي بغض النظر عن مستواهم. ومعروف أن الشرقيين في السلك الأكاديمي في إسرائيل لا تزيد نسبتهم عن 9 في المئة حاليا. وهناك من رأى أن قبول التوصيات لا يخرج عن نطاق الإغراض السياسي حيث أن بينت وحزبه، البيت اليهودي، ربما يعتقدان أن هذا سوف يحسن من مكانته الانتخابية لدى الشرقيين وسيصوتون له بدلا من حركة «شاس».

ومن الجائز أن الاعتراف بالظلم التاريخي ليهود الشرق خصوصا من جانب حزب ديني كالبيت اليهودي غربي النزعة والتفكير يمكن أن يسهم في سحب البساط من تحت احتكار «شاس» لأصوات المتدينين الشرقيين. ومع ذلك يبارك كثيرون هذه الخطوة على مساوئها على أمل أن تدفع نحو تغيير النظرة إلى باقي شرائح المجتمع الإسرائيلي المهمشة.

واعتبر معلق الشؤون العربية في «هآرتس» تسفي بارئيل أن تقرير «لجنة بيطون» واحد من «الوثائق المهمة جدا في تاريخ الدولة رغم الأخطاء التي تضمنها. فهو في جوهره وثيقة لتعريف الهوية الثقافية والتاريخية والقومية ليس فقط ليهود الشرق بل لإسرائيل بأسرها». ولاحظ أن الوثيقة التي تمتد على 350 صفحة هي «شهادة مكتوبة على البنية المضعضعة التي بنيت على أساسها الرواية الإسرائيلية التي استبعدت عن قصد قسما من السكان أمروا بتذويب أنفسهم في بوتقة الانصهار المزيفة».

وحسب بارئيل فإن «الوثيقة تتكون من طابقين رائعين، أحدهما مصنوع من طوب الماضي ويحدد مكانة يهود الشرق الذين جاءوا من الدول العربية واسبانيا، والثاني يضع هدفا مستقبليا يضع اسرائيل في الثقافة الاقليمية. ولاول مرة يوضع بشكل موثق دون خجل أو اعتذار طلبا للاعتراف باللغة العربية وبتاريخ الدول العربية والاسلام، والعلاقات التي لا يمكن قطعها بين الشعر العربي واليهودي ودور اليهودية الشرقية في تاريخ شعوب الشرق، وحركات التعليم العالي والقومية العربية. باختصار – تعلم وفهم الثقافة اليهودية الشرقية كجزء من سياق أوسع وليس في اطار انثروبولوجي – قبيلة ينسبون اليها فولكلورا مشتركا». ويضيف أن التقرير تحدث عن «العرب والاسلام ليس فقط في سياق العلاقة مع اليهود، بل ايضا بحد ذاتهم، ويستطيع الطلاب اليهود الاستفادة من ذلك، وتاريخ الدول الاسلامية سيدخل الى السياق التاريخي الذي هو أجدر».

ويشدد بارئيل على أن التقرير «يُخرج من الخزانة» فكرة العربية اليهودية التي توقظ العجائب لدى الكثير من اليهود الشرقيين، وتشكل سببا لتعالي «اليهودي الاوروبي». في مقابلة أجراها ألموغ بهار مع البروفيسور ساسون سومخ في 2008، قال سومخ «من اجل أن تكون عربيا يهوديا عليك الاستجابة لاربعة شروط: لغة الام يجب أن تكون عربية وأن تولد وتكبر في جالية يهودية لغتها عربية في بلاد تتحدث العربية وأن يكون التعليم الاساسي عن طريق الثقافة العربية. بهذا المعنى اذا تطرفت، كنت سأقول إنه من اجل أن يكون الشخص عربيا يهوديا يجب أن يكون الشاعر المتنبي هو أول الشعراء الذين يقرأ لهم، المتنبي هو أحد أكبر الشعراء العرب في العصور الوسطى».

ولكنه يخلص إلى أن «الثقافة الشرقية الاسرائيلية لا يمكنها اصلاح ذاتها فقط بواسطة الميزانيات أو التعيينات حسب الاصل. دون نشر وتعظيم اللغة العربية ودون الاعتراف بتاريخ الدول العربية والأدب القانوني العربي، وعندما يتم رفض كل ما هو عربي على خلفية قومية فان مياه النبع الذي استمدت منه يهودية الشرق ستعتبر مسممة. فتقرير بيطون يطلب من اسرائيل التصالح مع الثقافة اليهودية التي تعتبرها دونية يستطيع فتح مسار الى الثقافة التي اعتبرت عدوة. إنه يمنح الشرعية لالغاء الخوف من الثقافة الشرقية العربية لأنه مليء بالرغبة والتعطش للتفاخر الثقافي الذي حرم منه يهود الشرق».

كلمات دلالية