أجواء من التآخي والمحبة

خبر مسيحيون في غزة صاموا رمضان وافطروا على « طبلية » واحدة مع المسلمين

الساعة 03:18 م|05 يوليو 2016

فلسطين اليوم

تنادي الحاجة أم وجيه عكيلة بأعلى صوتها من شباكها الخشبي المتواضع على جارتها المسيحية أم موسى سابا سائلةً اياها: شو طابختي اليوم؟! تردُ أم موسى بصوتٍ أعلى منه اللي قسمه ربنا، أم وجيه ترد: شو بالزبط علشان ما بدنا نعمل أكل مكرر للأولاد..

بعد هذا الحديث اليومي تجلبُ أم موسى وجارتها أم وجيه الأطباق التي صنعوها، ويتجمع الكبير والصغير من كل أسرى بالقرب من « طبلية » -منضدة مستديرة منخفضة يؤكل عليها- ويبدأ الجميع بالأكل من طبقٍ واحد، وأثناء الأكل يتبادلون النكات التي تعبرُ عن قوة العلاقة بين العائلتين.

هذا الحب الذي صنعته أم وجيه وأم موسى قبل (40 عاماً) لم يكن في حينها وليد اللحظة بل كان منذ الأزل، فلا دين فرقهم، ولا عصبية استطاعت أن تنسيهم وطنهم السليب أو فطرتهم السليمة.

أبو نجيب الترزي: ونحن صغار كنا نفرح عندما يأتي رمضان أكثر من المسلمين وكنا نحمل الفوانيس ونسير بالشوارع نغني وحوي يا وحوي

لك الحالة من الحبِ انتقلت منذ قديم الأزل حتى يومنا هذا، فاليوم أولاد أم وجيه المسلمة وأم موسى المسيحية يضربون أروع الامثلة في التعايش والمحبة والوئام.

ابو نجيب الترزي ( 55 عاماً) -حفيد أم موسى سابا- يقول: نعيش منذ مئات السنين في حواري قطاع غزة مع أخوتنا المسلمين لا اذكر إلا كل حب وسلام ووئام معهم.

يضيف: ما يجمع المسلم والمسيحي في فلسطين هو ترابها وهوائها وخضرتها والكفاح المشترك ووحدة الدم على هذه الأرض.

الترزي: خير دليل على قوة الوحدة بين المسلم والمسيحي أن غالبية الجمعيات والمؤسسات المسيحية في غزة أعضائها وروداها من المسلمين وعلى قلبنا زي العسل

وتابع: لا أذكر يوماً أن تشاجرت مع أي جار في قطاع غزة، كلهم كانوا ولازالوا بمثابة أخوتي، أذكر أني عملت مع شريك لي أسمه علي غبن لمدة تزيد عن (23 عاماً) ولا أذكر أن اختلفت معه ولو مرة واحدة، لقد كان نعم الشريك، وعندما أنهينا الشراكة قال لي حرفيا: عاشرت كتير وقليل لم اجد فيهم من خصالك.

وأوضح أن العادات والتقاليد لا تختلف بين المسلم والمسيحي، لأن جميع تلك العادات والتقاليد انصهرت في قالب واحد اسمه الحب والإخاء.

ويوضح أنه من درجة الحب والتآخي بين المسلم والمسيحي أن غالبية الجمعيات المسيحية روادها وأعضائها من المسلمين.

وتابع: شاركنا وتشاكنا في الكفاح ضد المحتل، وكان أول شهيد في الانتفاضة الأولى مسيحي، في غزة، ولا يوجد أي فرق بين المسيحي والمسلم من يفرق بينهما فهو مخطئ وخائن.

هلال مسجد « كاتب ولاية » يعانق صليب كنيسة « القديس بيرفيروس » منذ مئات السنين

وفي مشهد آخر يوحي بالتآخي بين المسلمين والمسيحية بغزة، يعانق هلال مسجد « كاتب ولاية » صليب كنيسة « القديس بيرفيروس » منذ مئات السنين، فكثيراً ما يجتمع شباب المسجد بعدما ينهون صلاتهم في باحة الكنيسة لقضاء سهرتهم برفقة جيرانهم وأصدقائهم المسيحيين.

ومع أن المنطقة العربية تشهد حروباً طائفية، لكن الحال في قطاع غزة مغاير؛ حيث يتشارك المسلمون والمسيحيون الهموم ذاتها؛ لكونهم يعيشون تحت سيطرة محتل واحد، ففي الانتفاضة الأولى كانت تحتضن الكنيسة المقاومين كنوع من الحماية، لكن جنود الاحتلال كانوا ينتهكون حرمتها ويعتقلونهم، كما تعرضت لأكثر من مرة لقصف طائرات الاحتلال الإسرائيلي، آخرها كان في الحرب الأخيرة حينما كانت تؤوي عائلات مسلمة هجرت قسراً من بيوتهم خلال العدوان.

في حي الرمال تعيش المسيحية أليسار مسعود برفقة عائلتها المكونة من خمسة أفراد، بجوار عائلة مسلمة، ويتشاركون الأفراح والأحزان.

أليسار مسعود: في إحدى المرات شاهدت ابن جارتي المسلمة يقوم بتقليدي خلال صلاتي (..) وقتئذ صحبته إلى والدته وأخبرتها بما حدث كي تفهمه

تصف إليسار علاقتهما في حديث لمراسلة « الخليج أونلاين » بأنها كالعائلة الواحدة، حيث التشابه في العادات والتقاليد، فلا تشعر بأن هناك اختلافاً بينهما، لكن الجارتين تحرصان على عدم الخوض في الحديث عن الأمور الدينية.

تقول: « في إحدى المرات شاهدت ابن جارتي المسلمة يقوم بتقليدي خلال صلاتي (..) وقتئذ صحبته إلى والدته وأخبرتها بما حدث كي تفهمه »، مضيفة: « أحرص على تعليم أبنائي حينما يبلغون سناً معيناً الفرق بين الديانة الإسلامية والمسيحية كي لا يحدث لبس لديهم عند تعاملهم مع أصدقائهم في المدرسة ».

ولفتت إلى أنها تعيش حياتها الطبيعية دون مشاكل سوى المشاكل التي تسبب بها الاحتلال ويعاني منها كل أطياف الشعب الفلسطيني.

لا تجد مسيحياً في غزة يتناول في شوارعها الطعام أو الشراب خلال شهر رمضان المبارك لئلا يؤذي مشاعر المسلمين

كما ويحترم اصحاب الديانة المسيحية الطقوس والعبادات الخاصة بالمسلمين، فلا تجد مسيحياً في غزة يتناول في شوارعها الطعام أو الشراب خلال شهر رمضان المبارك، لئلا يؤذي مشاعر المسلمين.

بل ويتبادل المسلم مع المسيحي العزائم في هذه الشهر المبارك.

كما أن المسحيين في غزة ينظمون حملات تطوعية من تلقاء أنفسهم لإفطار المسلمين، فيوزعون خلال الحملة الماء والتمر على المواطنين المتأخرين عن موائد إفطارهم في غزة، و ذلك تأكيداً على أجواء المحبة والتسامح في المجتمع الفلسطيني.
 

وتستهدف المبادرة، المواطنين الذين تُعيقهم ظروف عملهم عن الوصول إلى منازلهم في وقت الإفطار، حسب ما أفاد فريق عمل المبادرة.

يقول سهيل نقولا ترزي، مدير مؤسسة بيلست الوطنية للدراسات والنشر والإعلام« القائم على المبادرة، إنه يعتز ويفتخر بانتمائه للتاريخ العربي والإسلامي، مُبينا أن المُبادرة التي ينفذونها تشعره بـ “سعادة مطلقة عند التخفيف من توتر الصائمين واستعجالهم لإدراك الإفطار”.

المسيحيون في غزة ينظمون حملات لإفطار المسلمين فيوزعون خلالها الماء والتمر على المواطنين المتأخرين عن موائد إفطارهم

وأضاف ترزي »أن هذه الحملة تأتي للتخفيف من وقوع الحوادث المرورية، وخاصة وقت ما قبل الإفطار (أذان المغرب) بسبب لجوء بعض السائقين للسرعة والتجاوزات الخاطئة للوصول لتناول الإفطار، وللتخفيف عليهم ومساعدتهم للتقيد والالتزام بقوانين السير وتجنب وقوع الحوادث.

وظل مسيحيو قطاع غزة، كما هي الحال في الضفة الغربية، طوال القرون الماضية، جزءا أصيلا من نسيج وبنية المجتمع الفلسطيني، وكانوا وما زالوا شركاء في النضال والتضحية، وعاشوا مع المسلمين من أبناء شعبهم أسوأ الظروف، خاصة في ظل الحصار وفي الحربين الأولى والثانية على القطاع

ويبلغ عدد المسيحيين في قطاع غزة حاليا نحو 1400 شخص، ينقسمون إلى قسمين من حيث أصولهم الجغرافية: فهم مسيحيون مقيمون في غزة منذ مئات السنين، وتعتبر غزة بلدهم الأصلية، وآخرون هاجروا إليها بعد نكبة العام 1948.

 

كلمات دلالية