خبر بورتريه عيد وحلوى - بقلم : سهير زقوت

الساعة 09:19 ص|04 يوليو 2016

فلسطين اليوم

متحدثة رسمية باسم الصليب الأحمر – غزة

شهر رمضان في فلسطين كما كل بلدان العالم العربي ، ليس فقط شهرا للعبادات وعمل الخير هو أيضاً شهر جمعة الأهل والزيارات والمودة ووصل ما انقطع من الرحم. فانوس رمضان كان له رونق وإن كان مصنوعاً من علب الحليب الفارغة يقوم الأطفال بدقها بالمسامير لإحداث ثقوب فيها ووضع شمعة، ينتشرون بعد الإفطار في حارات المخيم. في الأيام العشرة الأخيرة تكثف العبادات وتبدأ العائلات رغم ضيق الحال بشراء ما تيسر من ملابس للأطفال وصنع كعك العيد. تتجمع النسوة في المخيمات والقرى منذ ساعات الظهيرة لصنع عجينة الكعك ويقضين لياليهن قبل العيد في إعداد التمر أو المكسرات لحشوه وتتنافس الجارات على نقشه بأشكال مختلفة  ثم يتناوبن على انضاجه ، قد تمتد سهرتهن حتى صباح العيد ليتم توزيعه على الجميع هكذا لم يكن بيت يخلو من الكعك في أول أيام العيد.

في يوم شديد الحر من الأيام الأخيرة في شهر الصيام وحين كانت اللجنة الدولية للصليب الأحمر تستعد لتوزيع ما يقارب من ثلاثة آلاف قطعة من الحلوى على النزلاء في مراكز الاصلاح والتأهيل ، والشرطة وغيرها من مراكز الاحتجاز في قطاع غزة بمناسبة عيد الفطر، رافقنا مندوبي اللجنة إلى داخل أحد المراكز.

دخلنا من بوابة ضيقة ، شعرت بإحساس للمرة الأولى ولم أستطع تفسيره، استقبلتنا مسئولة المركز في مكتبها ،  تحدثت إلينا لوقت قصير وقادتنا إلى مطبخ مجهز لإعداد أصناف مختلفة من المعجنات بأنواعها ، البيتزا والحلويات، ضمن مشروع تعمل فيه النزيلات، و تسويق المنتجات حسب الطلب للزبائن وأغلبهم من المؤسسات.

اللجنة الدولية اعتادت توزيع البقلاوة في السنوات الماضية هذا العام ستقوم بشراء الحلوى من صنع أيدي النزيلات في محاولة لدعم وضمان استمرارية هذا المشروع الناجح، والذي يتعدى أثره كون الحلوى من نزيلة إلى نزيل، إلى الآثار النفسية الإيجابية التي يتركها على من يعمل في اطاره.  التقينا بثلاثة من النزيلات يعددن طلبية من التشيز كيك ، لإحدى المؤسسات.

بلو بيري ، كريمة ، كراميل، بسكويت أربعة أوعية مصفوفة على طاولة معدنية لامعة ، ارتدت النزيلات قفازات طبية وبدأن في التعبئة ، ماجدة (اسم مستعار م. أ) كانت تخفق المزيد من الكريمة بخلاط كهربائي بدت لنا أنها (الشيف) اقتربت منها، نظرت الى الشارة التي أضعها ابتسمت وارتسمت على وجهها علامات الارتياح ثم قالت نعم صحيح من الصليب الأحمر حيث كنا قد عرفنا عن أنفسنا بمجرد دخولنا وكأنها تأكدت حين رأت الشارة. سألتني عن المندوبة والطبيبة اللتين تقومان بزيارتهن بانتظام فأوضحت مرة أخرى أننا من دائرة الاعلام وزيارتنا منفصلة تماما عن عمل زميلتي. « نحب زيارتهن »تجديد« قالت.

كانت تنظر الى وعاء الكريمة وترفع عينيها من وقت لآخر للحديث اليّ، قالت: »أنا أعمل هنا بعد أن تلقيت دورات تدريبية لمدة عام على أيدي مدربين مهرة يعملون في مجال المطاعم والفنادق. مدة الدورة ثلاثة أشهر أي أنني انهيت أربع دورات.

يبدأ يومي بالنزول الى هنا بدوام عادي أثناء رمضان أعمل من التاسعة صباحا حتى الثانية والنصف أحيانا الثالثة عصرا، هذا يمنحني شعورا بأنني كأي امرأة عاملة تخرج من بيتها صباحا وتعود عصرا. العمل يساعدني في اخراج كل الطاقة بداخلي، إنه يقتل الوقت.  بعد العمل أرتاح قليلا في الغرفة، سألتها إن كانت تقرأ فقالت "ما عندي طولة بال للقراءة، فقط اقرأ القرآن خير الكتب . في المساء نعد الافطار ونجتمع كلنا في مكان الفورة لتناوله والصلاة بعده.

مثلا ،  مساء أمس قررنا صنع كعك العيد قضينا ليلتنا في العمل الى وقت متأخر ولكننا انتهينا من اعداد ستة كيلوجرامات من الكعك المحشو بالتمر، وتذكرت عائلتي هذه جمعة أهل. هنا نشعر أننا أخوات ان مرضت احدانا نقوم جميعا بالاطمئنان عليها لأنك ببساطة ستكونين مريضة يوما ما وستجدين هذه المشاعر حولك.

أفكر في أمي وأولادي أعد الأيام التي سأستطيع احتضانهم مجددا، بقي عام واحد ليحدث هذا.  ليس دفاعا عن نفسي ولكنني دفعت ثمنا باهظا جدا من سنين عمري وعمر أولادي وأنا بعيدة عنهم . بعد الخروج لن أهتم كثيرا للانتقادات التي قد تواجهني ، سأفتح مشروعا خاصا بي وأكمل تربيتهم تصديقا لكلام الله عز وجل (ومن يتق الله يجعل له مخرجا). اول كعكة ستكون مجانا لك قالت مازحة.

شكرتها، تمنيت لها أن تقضي العيد القادم في بيتها بين أولادها وغادرنا المطبخ، بين الأصوات كان صوت البحر طاغيا ، البحر الذي لا يصلهن منه سوى رطوبته الخانقة في الصيف وبرده وهديره في الشتاء.

يقع المبنى في شارع نمر منه كل يوم، لم ندرك أن خلف هذا السور حياة من نوع آخر وتحديات خاصة تواجهها النزيلات أهمها تحدي أنفسهن ومحاولة التغيير -وإن اعتىرى هذه الرحلة لحظات كثيرة من الاحباط - لتعينهن على طبيعة وجودهن هنا، وعلى القلق مما قد يحمله المستقبل بعد الخروج ، وهل سيتقبلهن المجتمع كانسان استطاع أن يكون منتجا و مؤهلا لإعالة ذاته وأسرته من جديد؟

تتعدد الأسباب التي قد تفضي بأحد خلف القضبان ولكن لا يوجد سبب لأن تسقط عنه الكرامة الانسانية.  عدنا وكلنا قناعة بالمبادئ السامية التي ينبثق منها عملنا.



سهير زقوت1

سهير زقوت3

سهير زقوت2

كلمات دلالية