خبر توقعات « إسرائيلية » بتعزيز التعاون مع تركيا بعد اعتداءات إسطنبول

الساعة 06:10 ص|02 يوليو 2016

فلسطين اليوم

قلبت العملية الإرهابية التي ضربت مطار أتاتورك في إسطنبول هذا الأسبوع، الكثير من المسلّمات، أو التوقّعات الإسرائيلية بشأن عودة العلاقات التركية-الإسرائيلية إلى سابق عهدها، قبل جريمة اعتراض السفينة « مافي مرمرة » وقتل 10 من الناشطين الأتراك الذين كانوا على متنها. وكان رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، قد أعلن مطلع هذا الأسبوع عن التوصل إلى اتفاق مصالحة مع تركيا باعتباره يخدم المصالح الاستراتيجية والاقتصادية لإسرائيل. لكن عدداً من المحللين في إسرائيل ومن المسؤولين السياسيين، اعتبروا حينها أن المصالحة وإن كانت تعني تطبيع العلاقات مع تركيا، إلا أنها لن تؤشر بالضرورة إلى عودة العلاقات التركية-الإسرائيلية إلى ما كانت عليه، ولا إلى عودة التدريبات والمناورات المشتركة خلال وقت قصير، وأن هناك حاجة إلى بناء الثقة مجدداً بين الطرفين.

لكن العملية الإرهابية في مطار أتاتورك، غيّرت الكثير من هذه التوقعات والتقديرات، على الأقل تلك التي يرددها المراسلون ومحللو الشؤون العسكرية الإسرائيلية. وقد دفعت اعتداءات إسطنبول، مع ما سبقها من حديث عن قواسم ومصالح مشتركة بين إسرائيل وتركيا، بالمحلل العسكري في « هآرتس » عاموس هرئيل إلى اختيار عنوان: « دولتان: نضال مشترك »، وذلك للحديث عن آفاق جديدة للتعاون بين تركيا وإسرائيل، كضرورة وحاجة باعتبارهما بلدين مستهدفين من الجماعات نفسها.

وكتب هرئيل يقول إن العملية تقود إلى استنتاجين أساسيين؛ الأول هو أن تركيا، أكثر من غالبية دول الشرق الأوسط وأوروبا، باتت هدفاً لمنظمات إرهابية تحمل أجندات مختلفة. والاستنتاج الثاني هو أن إسرائيل التي تشاطر تركيا بعض هذه المخاطر، بمقدورها أن تتعاون مع تركيا من خلال مدها بالأدوات والوسائل والمعرفة والمعلومات والخبرات الاستخبارية التي راكمتها إسرائيل، تماماً كما تفعل مع دول أخرى ضمن « محاربة الإرهاب ».

في المقابل أشار هرئيل إلى أن تركيا بدورها، معنية بالحصول على الخبرات الإسرائيلية في هذا المجال، بل إنه في الحالة التركية فإن النظام في أنقرة لن يواجه مشكلة في تشديد وتصعيد الإجراءات التي تتبعها إسرائيل، دون أن يخشى من انتقادات منظمات حقوقية مثل منظمة « بتسيلم » (التي وثق نشطاؤها عملية إعدام الشهيد عبد الفتاح الشريف في مارس/ آذار الماضي في الخليل على يد الجندي القاتل أليئور أزاريا)، بالمنطق نفسه الذي تحدث عنه رئيس الوزراء الإسرائيلي الراحل اسحاق رابين في مطلع التسعينيات في تعليله لاتفاق أوسلو مع الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات.

وبحسب هرئيل، فإن التقديرات التي ترى أن اعتداءات إسطنبول تشير إلى نية تنظيم « الدولة الإسلامية » (داعش)، في ظل تراجع قوته تحت ضربات التحالف الدولي، تنفيذ عمليات مماثلة خارج الأراضي التي يسيطر عليها وتصدير هذه العمليات إلى الدول الأخرى، المجاورة والبعيدة، وهو ما يثير في إسرائيل قلقاً وترقباً، من أن يحاول التنظيم تنفيذ عمليات مشابهة على الحدود الإسرائيلية مع سيناء أو في جنوب الجولان. ويعزز هذا الأمر أهمية التعاون مع تركيا، بحسب الوزير الإسرائيلي، الجنرال احتياط يوأف غالانط، باعتبار ذلك مدخلاً لتعزيز علاقات إسرائيل الإقليمية والتعاون الاستراتيجي مع مصر ودول عربية أخرى بما فيها السعودية، فيما كان وزير الأمن الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان، يطالب بعدم إعطاء الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، مكافأة على موقفه، خصوصاً أن أردوغان قادر على أن يغير موقفه مجدداً وينقلب ضد إسرائيل، بحسب ليبرمان.

واتفق المحلل العسكري في « يديعوت أحرونوت »، أليكس فيشمان، مع هرئيل في أن « الاعتداء على مطار أتاتورك يفتح مجدداً ويسرع من وتيرة عودة التعاون الأمني والعسكري بين تركيا وإسرائيل، لا سيما في ظل الوضع الحرج الذي يواجهه أردوغان اليوم، والتداعيات الاقتصادية الكارثية على تركيا ».

ورأى فيشمان أن « الإخفاقات والأخطاء » التي تجلّت في نظام الحراسة في مطار أتاتورك، من شأنها أن توفر فرص عمل كبيرة لخبراء الحراسة الإسرائيليين، مستعيناً في الوقت ذاته بما نشرته، بحسب زعمه، الصحف التركية عن حاجة تركيا اليوم للتزود بمنظومات « القبة الحديدية » لاعتراض الصواريخ متوسطة المدى. واعتبر فيشمان أن موضوع الأمن الداخلي في تركيا، قد يكون الجسر الذي ستعبر عبره إسرائيل لاستعادة التنسيق والتعاون الأمنيين مع تركيا، خصوصاً أن الكثير من الدول التي ترتبط بعلاقات دبلوماسية مع إسرائيل تستعين بالخبرات الإسرائيلية في مجال أمن وحراسة المطارات والحدود. وبالتالي فإن الاعتداء على مطار أتاتورك قد يكون أول امتحان فعلي لتحديد مسار ومستقبل العلاقات التركية-الإسرائيلية، خصوصاً أنه سبق توقيع اتفاق المصالحة بأسبوع زيارة سرية قام بها رئيس « الموساد » الإسرائيلي يوسي كوهين لتركيا، ما حمل في طياته مؤشرات لمسارات تعاون أمني وثيق بين البلدين، وفق فيشمان.

وأشار فيشمان إلى أنها مسألة وقت حتى تكثّف شركات الصناعات العسكرية والأمنية الإسرائيلية من قسم مراقبة التصدير الأمني في وزارة الأمن الإسرائيلية، مساعيها للحصول على تراخيص للعودة لتصدير المنتجات الإسرائيلية إلى تركيا. ويعزز ذلك أيضاً حقيقة تراجع مبيعات هذه الشركات في العامين الأخيرين، وما بمقدورها تسويقه وبيعه لتركيا، بدءاً من صواريخ جو-جو ومروراً بأجهزة الرادار والمراقبة والرصد، والطائرات من دون طيار (التي تُستخدم لجمع المعلومات، وبعضها قادر على حمل قنابل وعبوات متفجرة) وهي كلها أسلحة وعتاد كانت إسرائيل تبيعها لتركيا قبل عقد من الزمن. وتوقع فيشمان أن تمارس هذه الشركات ضغوطاً كثيفة في القريب العاجل على الحكومة الإسرائيلية للعودة إلى تصدير منتجاتها لتركيا.

وبعد ما كشف عنه فيشمان مطلع الأسبوع من أن الحكومة التركية أقالت رئيس جهاز الاستخبارات التركي حاقان فيدان ونقلته سفيراً لها في أستراليا، كبادرة حسن نية تركية تجاه حكومة إسرائيل، إضافة إلى بعض التفاهمات التي سبقت الاتفاق، فيبدو أن التحديات التي تواجهها تركيا اليوم، ستعزز ميل أنقرة في سعيها لمحاربة « داعش »، وإحباط عمليات على أراضيها، إلى مد يدها لطلب المساعدة من إسرائيل، ولو على شكل التزود بالعتاد الإسرائيلي، كخطوة أولى، ثم السير باتجاه تبادل المعلومات، خصوصاً عن شبكات ونشطاء « داعش » والمعلومات المتوفرة لإسرائيل عنهم وعن مواقعهم. ويتطلب ذلك أن تقوم إسرائيل بدورها بتغيير التعريف الخاص بتركيا من دولة « ذات مكانة خاصة » لا يُسمح ببيع السلاح لها، ويُسمح فقط بتزويدها بعتاد للدعم اللوجستي، إلى تصنيف « دولة عادية » يُسمح ببيع السلاح لها. وسيبقى هذا الأمر في نهاية المطاف منوطاً بالمجمل بموقف ليبرمان، وإذا ما كان سيغلّب مصلحة الصناعات العسكرية الإسرائيلية والاقتصاد الإسرائيلي على مواقفه السياسية المتحفّظة على العودة إلى علاقات دافئة مع تركيا.

مع ذلك وعلى الرغم من بعض « التحفّظ المعلن » من قِبل إسرائيل، فإن موافقة تركيا أخيراً، على السماح بانضمام إسرائيل وفتحها مقراً لها في مقر حلف شمال الأطلسي في بروكسل، قبل إتمام المصالحة وقبل وقوع عملية التفجير في أتاتورك، قد يؤشر إلى استعداد تركي لتطوير العلاقات مع إسرائيل.

كلمات دلالية