خبر جندي غولاني في لندن.. هآرتس

الساعة 12:52 م|30 يونيو 2016

بقلم

خُذوا شاب اسرائيلي. مجرد شاب عادي. أنهى الجيش للتو. كان في الوحدات الخاصة أو موظف في الكرياه. بعد قليل سيذهب الى الهند أو أنه عاد من هناك وهو يبحث عن شقة. خذوا هذا الشاب وضعوه في لندن، قبل اسبوع، في الاستفتاء الشعبي. الآن اسألوه ماذا كان سيختار. نحن نعرفه. كان سيصوت مع الانفصال وضد الاوروبيين والمهاجرين المسلمين. كان سيصوت مع العلم ومع النشيد الوطني وضد مستقبل أفضل، لأنه لا يوجد شيء كهذا وأن العالم كله لا يعنيه.

الآن خذوا شاب من لندن، من الطبقة المتوسطة، لم يذهب بعد الى الجيش ولم يقتل اصدقاء له، لكنه مثل الاسرائيلي ما زالت الحياة أمامه. ما الذي اختاره؟ نحن نعرف اليوم. اختار البقاء، مثل الكثير من الشباب. اختار البقاء في الاتحاد الاوروبي رغم المهاجرين ورغم أنه يحب بريطانيا ليس أقل من حب الاسرائيلي لاسرائيل.

هل الشاب من لندن ساذج؟ هل الشاب الاسرائيلي راشد وبالغ أكثر. لا. إنهما متشابهان في كل شيء تقريبا باستثناء الأمل بمستقبل أفضل. البريطاني يطمح الى مستقبل افضل والاسرائيلي لا. الشاب البريطاني يأمل أن تساعد الحدود المفتوحة والثقافات الاخرى في بناء مستقبله، الاسرائيلي يعرف أن الحدود المفتوحة يجب نسيانها والثقافات الاخرى تخيفه. في جميع الحالات لا يوجد له مستقبل.

كيف أصبح هكذا؟ 12 سنة من الدراسة جعلته هكذا، احاديث عن عدم وجود من نتحدث معه وأننا سنعيش الى الأبد على حد السيف، سببت له ذلك. الجيش جعل منه كذلك. نحن نسمعه ولا نصدق. هذا هو إبننا. وهذا هو الولد الذي ذهب معنا الى المظاهرات؟ والذي قرأ صحيفتنا وسمع اصدقاءنا؟.

في الاسبوع الماضي اشتكى والد جندي من غولاني من أن « الظل » ظهر أمام جنود الوحدة. انتبهوا: الجنود لم يشتكوا، ولا الضباط منعوا ذلك. والد الجندي هو الذي اشتكى. يمكننا أن نتخيل ما الذي مر على هذا الجندي. إنه يعرف أن « الظل » هو موقف سياسي أكثر وموسيقى أقل، هو يعرف أن هذا موقف عنصري وكراهية. ويعرف ايضا أن اغلبية الاصدقاء في الكتيبة يتفقون معه.

بعد بضعة أيام من ظهور « الظل » ظهر الجنرال يئير غولان أمام خريجي دورة الضباط. من بين المزايا الجديرة للضابط ذكر ايضا القدرة على الصمود بشجاعة أمام موقف الاغلبية. في الجيش؟ هل معقول أن غولان لم يتحدث أصلا عن الاغلبية والاقلية في الجيش؟ ففي الجيش لا يوجد تقسيم كهذا. يمكن أن غولان تحدث عن الواقع ما بعد الجيش؟ يمكن أنه تحدث عن وضع تعارض فيه الاقلية « الظل »، وبالتالي تضطر هذه الاقلية الى الوقوف بشجاعة في وجه الاغلبية التي تؤيده؟

الاغلبية لا تسأل. الاغلبية لا تحتمل من يسأل. الجنود لا يسألون، إنهم لم يسألوا في الشجاعية ولا في بنت جبيل. الجنود الذين لا يسألون يتحولون الى مواطنين لا يسألون. المواطنون الذين لا يسألون ليسوا مواطنين اغبياء فقط بل يائسين. فهم يعرفون مسبقا أنهم سيكذبون عليهم، لماذا يكلفون أنفسهم إذا؟ ألا يريدون معرفة لماذا نحتاج الى الـ اف 35 ومن الذي ستحاربه الغواصات ولماذا التصميم على المفاوضات مع الفلسطينيين رغم أنه لا يوجد شيء نقترحه.

ذات مرة كنا لا نفهم كيف لا يسأل الطلاب ولا يحتجون مثلما هي الحال في اوروبا والولايات المتحدة. وقد اعتقدنا أن هذا بسبب التعب من الجيش وصعوبة االحياة. نحن نعرف الآن أنه ليس التعب وصعوبة الحياة هي التي تُبقي هؤلاء الشباب في البيت. إنهم يبقون في الجيش بسبب التسليم بما هو موجود. إنهم لا يؤمنون بالتغيير ولا بقدرتهم على احداثه. إنهم لا يؤمنون بالتغيير لكنهم يؤمنون بالاعداء الفظيعين. الرابحون من صمتهم يقولون: سنحميكم بالـ اف 35 وهم يصدقون. يقولون لهم: اعتمدوا علينا، وهم يعتمدون.

عندها يتركون الجيش ولا ينجحون في استئجار شقة. يقولون لهم إن اليأس هو شيء طبيعي في جيلهم، وأن الخوف هو قدَر وأن الأمل هو كلمة العجائز. إنهم خائفون ويائسون وفاقدون للأمل. من يستطيع يهرب الى برلين ومن يبقى يتحول الى زومبي سياسي أو الى وطني عنصري. لن تكون له شقة ولا مستقبل لاولاده، لكن الوطنية والعنصرية توجدان بوفرة. الوطنية والعنصرية لا تُشتريان من الحانوت، بل يتم الحصول عليهما بالمجان من التلفاز.

لسنا أول من اكتشف أن الطريق من اليأس والخوف وغياب الأمل تؤدي الى القومية المتطرفة والعزلة. في بريطانيا اختار اليائسون الخائفون ومن لا أمل لهم هذه الطريق. في بريطانيا اختار ذلك الكبار الذين يئسوا من الحياة، وعندنا يختار ذلك الشباب الذين لم تبدأ حياتهم بعد.

كلمات دلالية