دعا لاستراتيجة وطنية جامعة

خبر د.الهندي يستعرض التأثيرات الإقليمية والدولية على القضية الفلسطينية

الساعة 11:53 م|22 يونيو 2016

فلسطين اليوم

أكد عضو المكتب السياسي لحركة الجهاد الإسلامي الدكتور محمد الهندي،  ضرورة الاتفاق فلسطينياً على إستراتيجية وطنية جامعة تستجيب للمخاطر والتغيرات السريعة في المنطقة والتصدي للمخططات الإسرائيلية، وضرورة تحقيق المصالحة الداخلية وتجاوز الانقسام الذي يتجذر مع الوقت.

جاء ذلك خلال لقاء حواري نظمه مركز « مسارات »، مساء الأربعاء، عقد بالتزامن في غزة ورام الله، بعنوان « ما العمل »؟؟ حضره عدد من الساسة والكتاب والمثقفين.

وقال الدكتور الهندي:« إن القضية الفلسطينية تعمل في ثلاث دوائر أساسية، تتمثل في الدائرة الداخلية، والدائرة العربية – الإسلامية والدائرة الدولية.

وأوضح أن تأثر القضية على صعيد علاقتها بالدائرة العربية – الإسلامية، نابع من أن القضية تؤثر وتتأثر بالتغييرات الداخلية للأقطار العربية والإسلامية سواء تلك التي تستضيف اللاجئين أو البعيدة حيث البعد العقدي للقدس والأقصى عند المسلمين والعرب. وعلى الصعيد الدولي، فالقضية تتأثر من حيث الأهمية الاستراتيجية للمنطقة في الصراعات الدولية إضافة إلى المسألة اليهودية التي كانت ولا زالت قضية دولية.

وشدد الدكتور الهندي على ضرورة فهم المستجدات في هذه الدوائر الثلاث قبل الاجابة على سؤال »ما العمل« في ظل المتغيرات السابقة.

وقال: » على الصعيد الدولي، فإن العالم وبعد أن بدا وكأنه أصبح أحادي القطبية بعد تفكك الاتحاد السوفييتي في نهاية القرن العشرين، يعود ليأخذ ملامح عالم متعدد الأقطاب اقتصادياً وعسكرياً. تعود الدول الكبرى رغم حذرها من التورط في عمليات برية للتدخل في المنطقة وقيادة تحالفات مختلفة. مشيراً إلى أن أميركا بعد تراجعها عن التدخل العسكري المباشر في العراق، وتزايد الحديث عن انسحاب تدريجي من الشرق الأوسط نحو جنوب شرق آسيا، تعود على وقع اجتياح تنظيم الدولة لمساحات واسعة في سوريا والعراق لتقود تحالفا ضد التنظيم.

أما في سوريا فإن روسيا تقود تحالفا آخر في عملية عسكرية أكثر شدة تعكس رغبتها بالعودة إلى مكانة دولة عظمى ورؤية عالمية لمصالحها وصراعها مع الغرب خاصة في شبه جزيرة القرم وأوكرانيا. كما قال .

وعلى المستوى الإقليمي، لفت الدكتور الهندي إلى أنه بدا واضحاً في السنوات الخمس الأخيرة تحول المنطقة إلى ساحة حروب بين قوى إقليمية كبرى، حيث تعرضت بعض الدول إلى تدخل مباشر من القوى الدولية في اضطراب إقليمي لم تشهده المنطقة منذ انتهاء الحرب العالمية الأولى، وانهيار دولة الخلافة، ورسم حدود المنطقة. مرجحاً استمرار الصراع لوقت طويل قبل أن تستقر المنطقة خاصة وأنه اتخذ أبعاداً طائفية ومذهبية، ومن الصعب أن تعود بعض الدول التي يأكلها الصراع على الأقل سوريا والعراق دولاً مستقلة بل ستتفكك إلى دويلات غير مستقرة أو تنشأ فيها أطر فدرالية هشة.

أما على المستوى الوطني الفلسطيني، فأشار الدكتور الهندي إلى غياب الاستراتيجية الجامعة للعمل الوطني منذ اتفاق أوسلو، موضحاً أن ذلك يتجلى في فشل كل جولات المصالحة، وتجاوز الانقسام الذي يتجذر مع الوقت، وفي تعمد غياب أي تقييم لما أطلق عليه المسيرة السياسية بعد أكثر من 20 عاماً، وأخيراً في التعامل مع انتفاضة القدس.

وأضاف، أنه إلى جانب ذلك أصبحت السلطة أسيرةً للعملية السياسية لأنها رُكبت أساساً نتيجة لهذه العملية، وفقدت القدرة على اشتقاق برنامج سياسي يستجيب لأي تغيرات، وأخذت معها منظمة التحرير التي يتم التفاوض باسمها، كما انعكس هذا الاستسلام للعملية السياسية، وغياب البرنامج السياسي على حركة فتح إلى حد كبير. حسب قوله.

وحول تهديد بعض رموز السلطة بالبدائل، بيّن أن هذا التهديد يفتقد لأي مضمون أو جدية، وكأنه يهدف لشراء الوقت ونشر الوهم بأن هناك حراكاً سياسياً أو بديلاً عن الانتفاضة، وذلك بعد الفشل في كل مرة منذ التهديد بالذهاب إلى مجلس الأمن أو الجمعية العامة أو محكمة الجنايات الدولية وحتى في قضايا مثل تقرير « غولدستون » أو قرار المحكمة الدولية بخصوص الجدار. منوهاً إلى أن مهمة السلطة قبر هذه القرارات وكذلك المشاركة في حصار المقاومة الشعبية- التي لوحت بها السلطة- ناهيك عن استدعاء النشطاء والتضييق عليهم.

وانتقد الدكتور الهندي تعلق السلطة بالمبادرة الفرنسية التي تظهر عجز فرنسا وأوروبا عن القيام بأي دور في المنطقة بعد أن أكدت أنه لا بديل عن المفاوضات المباشرة.

وعرج الدكتور الهندي في حديثه على وجود مشاكل بنيوية وتنظيمية وسياسية تعصف ببعض الفصائل الفلسطينية وتجعلها نهباً لصراعات داخلية وإقليمية وأحيانا تخضع لأجندات خارجية.

واستعرض عضو المكتب السياسي للجهاد ، جملة من التغيرات العميقة على ضوء البيئة المتحولة دولياً وإقليمياً وفلسطينياً- التي أتى على ذكرها-  ومنها: ضعف الدول العربية وتفكك جزء مهم منها على وقع صراعات طائفية ومذهبية وقومية وقبلية مع احتمال أن تنشأ أطر فدرالية وكيانات ضعيفة غير مستقرة تكون نهباً للضغوط والتدخلات الخارجية لوقت طويل.

ونوه إلى اختفاء التهديد التقليدي لإسرائيل من قبل جيوش الدول العربية. محذراً من أن « إسرائيل » « كمشروع هيمنة » تمثل تهديداً استراتيجياً لكل دول المنطقة بما فيها الدول العربية المعتدلة.

وأكد الدكتور الهندي أن تطور الصراع في المنطقة يشكل فرصة غير مسبوقة لإسرائيل كي تطور منظومة علاقات وثيقة مع دول عربية معتدلة، حيث يعتبر الطرفان إيران النووية « الساعية إلى الهيمنة على المنطقة » خطراً على الأمن القومي لهم.

ولفت إلى أن فشل المسيرة السياسية بين السلطة وإسرائيل لم يمنع توثيق العلاقات والتعاون الأمني بين « إسرائيل » والدول التي وقعت اتفاقات سلام معها، وكذلك تطور العلاقات مع دول أخرى عبر قنوات سرية.

وتحدث عن ظهور تنظيمات لا ترتكز على الدولة القطرية أو القومية في المنطقة وفي مقدمتها تنظيم الدولة، الذي يفقد في نهاية الضغط العسكري في سوريا والعراق من قاعدته الجغرافية، ويفقد مساحات شاسعة، مستدركاً بالقول أن « قوة جذب أيديولوجيا التنظيم في ظل واقع سياسي يحرم سنة العراق وسوريا من حقوقهم السياسية بشكل عام، يمنح هذا التنظيم قوة استقطاب ونهوض تبقيه لاعباً مهماً لسنوات قادمة في المنطقة.

وقال الدكتور الهندي إن تهديد تنظيم الدولة، وملف إيران النووي خلق تفهماً عريضاً في العالم وفي المنطقة أيضاً بأن القضية الفلسطينية ليست هي أساس مشاكل الشرق الأوسط، وهذا يفتح المجال أمام »إسرائيل« لمحاولة عقد تحالفات في المنطقة وبلورة استراتيجية جديدة بها.

وتابع يقول: إنه مع تعدد اللاعبين المحليين والإقليميين، ومع زيادة حدة التدخلات الدولية تحت مبرر محاربة الإرهاب، يزداد تعسكر الحلول السياسية التي تلاحظ مصالح الدول الإقليمية الهامة (تحديداً تركيا وإيران والسعودية).  وفي هذه الحالة من الطبيعي أن نتوقع تصاعد التطرف وخلق خارطة قتال متغيرة في محيط معقد ومتعدد المشاركين.

ومن جملة التغيرات العميقة في المنطقة- كما يقول الدكتور الهندي-  أن أمريكا وروسيا ستتحكمان في التسويات السياسية القادمة على حساب دور ومصالح دول الإقليم، مشيراً إلى أن مصالح »إسرائيل« سواء في الملف الفلسطيني أو في هضبة الجولان ستؤخذ بالاعتبار خاصةً وأن »إسرائيل« تحافظ على علاقات متينة مع الروس ونجحت في منع الاحتكاك مع القوات الروسية وبالتنسيق معها بخصوص عملياتها في سوريا.

وحذر الدكتور الهندي من أن ضعف السلطة الفلسطينية وفقدان الدعم العربي الرسمي لها وتقلص الاهتمام الشعبي، قد يُمكن إسرائيل من استغلال الظروف لتفرض حلاً نهائياً عبر مفاوضات مباشرة مع السلطة، وترتيب إقليمي مع الدول العربية المعتدلة أو أن تلجأ إلى اتفاق مع السلطة يعتمد على سلسلة ترتيبات انتقالية (حل مرحلي) يتحول إلى دائم وتسويق ذلك بأنه ليس حلاً نهائياً.

ونبه من مخاطر اتخاذ إسرائيل خطوات أحادية قوية على الأرض بغطاء دولي ، تفرض من خلالها حلاً يتناسب مع مصالحها  في خطوةٍ استباقية ترسم من خلالها حدود الكيان الفلسطيني، يصاحب ذلك تصعيداً كبيراً في الضفة أو عدواناً جديداً في غزة.

وأمام هذه المخاطر غير المسبوقة في تاريخ الصراع ، اعتبر عضو المكتب السياسي لحركة الجهاد الإسلامي، أن سؤال: ما العمل؟! ، يصبح أكثر صعوبةً من أن يجيب عليه شخص أو فصيل أو حتى مجموع من الفصائل الفلسطينية!!

وشدد الدكتور الهندي على أن أي قيادة مسؤولة للشعب الفلسطيني يجب أن تسعى لبناء استراتيجية توافقية جديدة للسنوات الخمس القادمة على الأقل، يتم على أساسها اعتماد سياسات وطنية للتعامل مع التهديدات المتطرفة في الإقليم والاستفادة من أي فرصة متاحة.

وركز في حديثه على ضرورة أن يتم بناء هذه الاستراتيجية بشكل وطني بعيداً عن أي حسابات ومصالح حزبية أو فئوية وهذا يتطلب انجاز المصالحة الوطنية دون أي اعتبار للضغوط الخارجية.

وأفرد الدكتور الهندي، جانباً للحديث عن ما وصفها بالسياسات المشتقة من هذه الاستراتيجيات المأمولة، مطالباً بعدم العودة للمفاوضات المباشرة، وعدم التوقيع على أي اتفاق نهائي مهما كانت الضغوط والتداعيات.

وأوضح أن المفاوضات تعكس موازين القوى على الأرض، منوهاً إلى أن السلطة تفقد كل أوراق القوة تقريباً. إضافة إلى أن منظمة التحرير الفلسطينية التي باسمها يجري التفاوض مفككة أكثر من أي وقت مضى وفصائلها في معظمها لا تعكس قوة حقيقية على الأرض. إلى جانب أن حركة فتح تعصف بها مشاكل داخلية، وتتعرض لضغوط عربية متعددة تحت مبرر تحقيق مصالحة داخلية أو ترتيبات لمرحلة ما بعد الرئيس محمود عباس وذلك مقدمةً لجهدٍ عربي لتحقيق السلام مع »إسرائيل« .

ورأى أن المصالحة بين فتح وحماس متعثرة لأن مفهوم سلطة رام الله للمصالحة هو استعادة غزة لـ »الشرعية« لتقوية فرص التفاوض مع »اسرائيل« وليس بناء شراكة وطنية!! لذلك تُصر على أن برنامج أي حكومة توافقية هو برنامج الرئيس أي أنها ترغب في وضع الجميع ضمن إطار سلطة تعمل في خدمة وهم التفاوض والتنسيق الأمني. فضلاً عن أن الاعتقاد بأن اتفاق السلطة مع »إسرائيل« مدخل لإسرائيل لجني ثمار التطبيع مع الدول العربية تغيّر الآن وأمام »إسرائيل« فرصة لفتح علاقات مع العرب والقيام بدورٍ مهم في السياسة الإقليمية بدون التوصل لاتفاق السلطة.

وأوضح، أنه في »إسرائيل« حكومة متطرفة تجد في الوضع الإقليمي فرصتها لحصد الجوائز المجانية وإملاء شروطها (وحين ينتخب مندوبها رئيساً للجنة المختصة بالقانون الدولي ومكافحة الإرهاب يبرر ذلك مزيداً من الغطرسة).

وأكد، أن هذا الوقت ليس وقت الحديث عن تسوية نهائية للقضية الفلسطينية، وأن كل الجهد الذي يبذل اليوم في المبادرات والتعديلات واستئناف المفاوضات المباشرة يتم على قاعدة حصار قوى الشعب الفلسطيني وعلى الأخص برنامج المقاومة وفي قلبها الانتفاضة.

كما رأى، أن من بين السياسات المشتقة، هو الحفاظ على القضية الفلسطينية فوق المحاور التي تتشكل في الإقليم وإذا كانت المنطقة منقسمة في السابق بين محورين هما: محور الاعتدال الذي يدعم ما سمي بالمسيرة السياسية والاتفاق مع »اسرائيل" ومحور المقاومة والممانعة، فإن كلا المحورين شهد اهتزازات عميقة، وباتت المنطقة تشهد أربعة محاور معظمها لم يستقر بعد:

وأوضح، أن ما تبقى من محور الممانعة، ومحور الاعتدال انقسم إلى محورين الأول أعطى أولوية لمواجهة الهيمنة الإيرانية في المنطقة، والآخر أعطى الأولوية لمواجهة التنظيمات الراديكالية وفي مقدمتها تنظيم الدولة. والمحور الرابع تنظيم الدولة وما يشابهه من قوى راديكالية.

وأكد أن فلسطين في هذه الحالة يجب أن تكون فوق المحاور، لتبقى رافعة للأمة تضبط البوصلة في اتجاه العدو المركزي للأمة – إسرائيل- الذي يستهدف كل مكوناتها على مدار الوقت. وأن أي انحراف أو محاولة حشر لفلسطين في أي من هذه المحاور تحت أي ضغوط أو حسابات سيكلف القضية والشعب الفلسطيني جروحاً يصعب شفاؤها.

وشدد على ضرورة أن يؤخذ بالحسبان في الاستراتيجية المأمولة، دعم وتفعيل الانتفاضة لتصبح شعبية بامتياز، وأن التمسك بها يمثل طرف الخيط في نظم مفردات القوة لدى الشعب الفلسطيني، فإسرائيل التي عملت على إدارة الصراع بتكلفة زهيدة وجدت نفسها تدفع الثمن من أمنها ومكانتها أمام انتفاضة تختلف عن سابقاتها ولا يمكنها توقع مكان وزمان فعاليات أفرادها الذين يقررون بشكل منفرد خطواتهم. مؤكداً أن المسؤولية الأهم في هذا الجانب تقع على السلطة وحركة فتح التي يمكن أن تستعيد دورها وحيوتها إذا تبنت الانتفاضة، وأول خطوة وقف التآمر على الانتفاضة بوقف وتجريم التنسيق الأمني مع العدو مهما كانت النتائج والتداعيات. وهذا في حد ذاته ديناميكية لإتمام المصالحة واستعادة بعض التعاطف الدولي والإقليمي.

كما شدد على ضرورة انجاز المصالحة الفلسطينية الداخلية وأن الأساس هنا هو تحديد هدف المصالحة ببناء استراتيجية وطنية لإدارة الصراع في المرحلة القادمة، وليس الهدف الانتخابات أو الحكومة أو المحاصصة، وهذا يستدعي شراكة حقيقية والاعتراف بالوقائع الموجودة على الأرض اليوم ولا نبقى أسرى أوضاع ومعادلات قديمة.

ودعا إلى ضرورة إعطاء أهمية أثناء ترتيب أوضاعنا للحرب الناعمة للمس بمكانة إسرائيل الدولية وروايتها حول دور الضحية والتي عممتها على العالم، وفضح جرائم إسرائيل، والدعوة إلى مقاطعتها. لافتاً إلى أن الشبكة العنكبوتية تغلبت على كل وسائل الإعلام الأخرى، وعلى منابر الدعاية، وأثبتت قدرتها على تحريك الأشخاص وتكوين مجموعات وتكتلات فاعلة في كل المجالات، وتشكيل الرأي العام في المنطقة والعالم.

وخلص الدكتور الهندي إلى ضرورة ألّا يغيب عن بال الجميع أن كل هذه العوامل والسياسات لا تعمل إذا كان الشعب الفلسطيني صاحب المصلحة الحقيقة محبطاً ويائساً وفاقداً الأمل في قيادته، داعياً إلى دعم صمود الشعب الفلسطيني اليوم وإعطائه الأمل والمثل يجب أن يقف على رأس سلم السياسات الفلسطينية.

كلمات دلالية