خبر ليبرمان.. إطاحة «حماس» وعباس أم تطويعهما؟

الساعة 07:15 ص|21 يونيو 2016

فلسطين اليوم

بقلم: هاني المصري

صرّح وزير الحرب « الإسرائيلي » أفيغدور ليبرمان بأن الحرب المقبلة مع «حماس» ستكون الأخيرة، لأن « إسرائيل » لا يمكنها أن تقبل باستمرار حرب الاستنزاف. لكنه ناقض نفسه بقوله إن « إسرائيل » لا تريد إعادة احتلال قطاع غزة، لأن إطاحة سلطة «حماس» من دون وجود بديل يحل محلها ـ كما قال ـ سيؤدي إلى غرق إسرائيل مجددًا في مستنقع غزة.

واعتبر ليبرمان أن أبو مازن هو الخطر المركزي على « إسرائيل »، لكونه يمثل إرهابًا سياسيًا، ولا يريد التوصل إلى اتفاق سلام معها، وهذا قد يعني أنه يريد إطاحة سلطتي «حماس» وأبو مازن وإحلال سلطة عميلة محلهما.

وهذا غير متاح حاليًا على الأقل، أو أنه يستهدف بقوله الضغط على السلطتين المتنازعتين الواقعتين تحت الاحتلال للاستجابة أكثر للشروط والإملاءات الإسرائيلية.

بغضّ النظر عن أي احتمال هو الأرجح، لا بدّ من التأكيد على أن السياسة « الإسرائيلية » لا يقررها وزير الحرب، خصوصًا عندما يكون معتوهًا مثل ليبرمان، الذي لا يمثل حزبًا له ثقل وبرنامج واضح، بل هو حزب الشخص الواحد الذي يمكن أن يُباع ويُشترى، وليس لديه رزانة ولا خبرة عسكرية تمكّنه من القيادة، ومن الصعب عليه أن يدرك ما يدركه العسكر في إسرائيل بعد مئة عام من الصراع وحوالي سبعين عامًا على قيام إسرائيل لناحية أن هناك حدودًا للقوة الإسرائيلية.

إن مَن يقرّر سياسة إسرائيل هو رئيس الحكومة لكونه يمثل الحزب الأكبر، وبنيامين نتنياهو ليس مثل أي رئيس حكومة عادي، بل هو الرجل القوي الذي لا يوجد من ينافسه حتى الآن على مقعده بعدما جلس عليه أكثر من أحد عشر عامًا، وسيتفوّق من حيث مدة الحكم على ديفيد بن غوريون مؤسس إسرائيل في حال استمر على رأس حكومته حتى نهاية ولايتها.

ورئيس الحكومة في إسرائيل مهما كان قويًا ليس مطلق اليدين ليقرر ما يشاء وحده أو مع حزبه، بل لا بد أن يأخذ رأي المؤسسة العسكرية في الحسبان، وبخاصة أن إسرائيل جيش أسس دولة، ولعب الجيش دائمًا دورًا حاسمًا في بقائها.

في هذا السياق، تدور في السنوات الأخيرة حرب باتت معلنة بين الجيش ونتنياهو، يحاول فيها فرض سيطرته عليه، كما ظهر في إقالة موشيه يعلون الذي أُجْبِر على الاستقالة، وتعيين ليبرمان كأداة لإحكام سيطرته على الجيش.

إذا حاولنا التعرّف إلى السياسة الإسرائيلية المعتمدة إزاء الفلسطينيين عمومًا، وإزاء حكمَي أبو مازن و «حماس» خصوصًا، سنجد أنها تنطلق من أن الوضع الفلسطيني الحالي مناسب لإسرائيل للمضي في استكمال تحقيق أهدافها التي لم تتحقق بعد.

لا نضيف جديدًا بالقول إن إسرائيل ساهمت في وقوع الانقسام، وإنها تعمل على استمراره وتحويله إلى انفصال دائم، وتسعى لرمي قطاع غزة في حضن مصر في الحد الأقصى، أو بقائه في الحد الأدنى سجنًا محاصرًا على حافة الانهيار من دون تركه ينهار. وهي تفعل ذلك من خلال بعض الإجراءات التي تخفف الحصار، والشروع في مفاوضات غير مباشرة مع سلطة «حماس» من أجل ترسيخ معادلة «هدوء مقابل هدوء»، والاستعداد لتطويرها برفع الحصار والسماح بإقامة ميناء، وربما مطار لاحقًا، إذا أبدت «حماس» استعدادًا لهدنة طويلة الأمد، تتضمن تخليها عن محاولاتها للحصول على السلاح وتطويره وبناء الأنفاق، خاصة الهجومية منها على حدود قطاع غزة مع إسرائيل، وصولًا إلى الاعتراف بإسرائيل والاتفاق على تعاون أمني معها مثل ذاك القائم بينها وبين السلطة الفلسطينية منذ توقيع «اتفاق أوسلو» حتى الآن.

أما إذا لم توافق «حماس» على مثل هذا الاتفاق، وواصلت التسلّح وتطوير سلاحها، فإن إسرائيل ستقوم مثلما فعلت في السنوات السابقة بتوجيه ضربة عسكرية تضمن بقاء قوة «حماس» وغيرها من الفصائل التي تملك أجنحة عسكرية وترفع لواء المقاومة تحت سقف «عدم القدرة على تهديد إسرائيل». علماً أن قدرة «حماس» على تطوير قوتها العسكرية في مختلف المجالات تراجعت بشكل كبير بعد تدهور علاقتها بمصر التي أغلقت الأنفاق وغمرتها بالمياه ومنعت حركة التنقل من القطاع وإليه، وفي ظل تراجع علاقتها بإيران التي كانت تزوّدها بالمال والسلاح، والتي لا يوجد لها بديل.

فحلفاء «حماس» في تركيا وقطر على علاقة جيدة بإسرائيل ودورهما يستهدف ضمن ما يستهدف استخدام الورقة الفلسطينية خدمة لمصالحهما، ومواصلة العمل على ترويض «حماس» لتأهيلها كي تدخل في إطار الخريطة التي يجري رسمها في المنطقة.

في ضوء ما سبق، ليس من ضمن أهداف إسرائيل، على المدى المنظور على الأقل، إطاحة حكم «حماس»، لأن مثل هذا التطور قد يؤدي إلى إنهاء الانقسام، لا سيما أن إسرائيل لا تفكر بإعادة احتلال القطاع بسبب الثمن الباهظ الذي ستدفعه إذا أقدمت على ذلك. فسقوط حكم «حماس» من دون إعادة الاحتلال المباشر أو وجود بديل مقبول من إسرائيل سيؤدي إلى حصول فوضى، الأمر الذي يساعد على زيادة نفوذ التنظيمات السلفية الجهادية، وعلى رأسها «داعش» التي لديها تنظيم فاعل في سيناء ويهمّه أن يمدّ نفوذه إلى غزة.

وإذا انتقلنا إلى السياسة الإسرائيلية إزاء سلطة أبو مازن، سنجد أنّها تراها مقبولة إلى حد كبير، لأنها تحافظ على التزاماتها المنصوص عليها في «اتفاق أوسلو»، السياسية والأمنية والاقتصادية، برغم عدم التزام إسرائيل بالتزاماتها، ولأن تهديدات أبو مازن بحل السلطة تارة، وباستقالته تارة أخرى، وتحديد العلاقة مع إسرائيل تارة ثالثة، بما في ذلك التلويح بوقف التنسيق الأمني والتبعية الاقتصادية، وصولًا إلى تجميد الاعتراف بإسرائيل، لا تعدو كونها تهديدات لفظية من دون استعداد عمليّ لتطبيقها.

دور السلطة الفلسطينية

ما يزعج إسرائيل من سلطة أبو مازن هو عدم قبولها بالشروط الإسرائيلية الجديدة التي تتضمّن: الاعتراف بإسرائيل كدولة «للشعب اليهودي»، والقبول باستمرار السيادة الإسرائيلية على بعض أراضي «الدولة» الفلسطينية في المرحلتين الانتقالية والنهائية، واستئناف المفاوضات الثنائية من دون شروط، وعدم اللجوء إلى التدويل والانضمام إلى المؤسسات الدولية، ولا التهديد بالمصالحة وبالمقاومة السلمية، حتى لو بشكل رمزي وتكتيكي للضغط على إسرائيل من أجل دفعها لقبول استئناف المفاوضات. إذ إن كل ما سبق يفتح نافذة، ولو صغيرة، لطرح مبادرات لإدارة الصراع، تتضمّن دورًا دوليًا لا تريده إسرائيل، لأنها ترغب بالاستفراد بالفلسطينيين وتطبيق الحل الذي تراه مناسباً من دون تسوية تضمن الحد الأدنى من الحقوق الفلسطينية.

ما تريده إسرائيل هو ترويض سلطة «حماس» كما أسلفنا، وفك السلطة وتركيبها في الضفة لتتلاءم أكثر مع تحقيق الأهداف الإسرائيلية التي تسعى حكومة نتنياهو لتنفيذها، وهي: إحياء خطة إقامة «إسرائيل الكبرى»، وإزالة الخط الأخضر، وتديين الصراع، وتمهيد الطريق لضم مناطق (ج) لإسرائيل، وتحديد صلاحيات سلطة الحكم الذاتي الفلسطينية على المعازل الآهلة بالسكان في مناطق (أ) و(ب).

وما يهمّ إسرائيل جدًا هو بقاء السلطة الفلسطينية لأنها تعفيها من المسؤولية عن احتلالها، ولأن المنظمة المشلولة تمثل الشعب الفلسطيني رسميًّا، وهو النقيض التاريخي للمشروع الصهيوني وأداة تجسيده إسرائيل. وهي تريد ذلك لكي تحصل على شرعية فلسطينية لما هو قائم ولأي اتفاق مقبل. لذا، فإن أي دور أردني يجري الحديث عنه هدفه مساعدة السلطة الفلسطينية على البقاء والسيطرة على السكان من دون مساس بالسيادة الإسرائيلية على كامل «أرض إسرائيل»، وأن يُبقي السلطة في رام الله، أسوة بسلطة غزة، على حافة الانهيار، حتى تكون السلطتان تحت رحمة تل أبيب وتتنافسان في ما بينهما على الدور الذي يجري تأهيله والاعتراف به لتمثيل الفلسطينيين والاندراج في الخريطة الجديدة للمنطقة.

كلمات دلالية