خبر هل تنجح التحركات في فرض « التسوية » والتطبيع؟!!..هيثم أبو الغزلان

الساعة 05:37 ص|04 يونيو 2016

تشهد المنطقة حراكاً سياسياً مُعلناً بهدف « إحياء عملية التسوية » بين « إسرائيل » والسلطة الفلسطينية.. فشهدنا الاعلان عن « مبادرة فرنسية »، وجملة من التصورات أطلقها الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، عقب لقاءات لمسؤول الرباعية السابق توني بلير بالسيسي ورئيس الوزراء « الإسرائيلي » بنيامين نتنياهو، وبعلم وموافقة وزير الخارجية الأمريكية جون كيري وأطراف عربية..

أسئلة كثيرة تطرح نفسها: هل يمكن إحراز تقدم حالياً في عملية التسوية؟ وعلى أي صعيد: الفلسطيني أم العربي؟! وهل يمكن أن تنجح أصلاً هذه الجهود في دفع هذه العملية المتوقفة منذ نيسان 2014؟! ولماذا تخرج هذه التحركات الآن، وبهذا التوقيت بالذات؟!! وما هو دور نتنياهو في كل ذلك؟! وما هي سياسته المتبعة حالياً حيال عملية التسوية، خصوصاً مع انضمام اليميني المتطرف أفيغيدور ليبرمان إلى الحكومة « الإسرائيلية »؟! وهل سيتنازل نتنياهو عن مواقفه ومخططاته في الاستيطان، ويسمح بقيام دولة فلسطينية؟!

من الواضح أن جملة التحركات الجارية، تنطلق من مصالح ورؤى مختلفة، وتراعي ظروف وأوضاع مُطلقيها، وتسعى إلى تحقيق « إنجازات » وفق هذه الرؤية وأهدافها. أما الأكثر وضوحاً في الساحة « الإسرائيلية »، فهو في اتباع نتنياهو – ليبرمان سياسة « المرونة في الشكل مع أقصى التشدد في الجوهر ». ويتضح ذلك من خلال تصريحات نتنياهو التي أعلن فيها أنه « ملتزم بتحقيق السلام مع جيراننا.. »، وأن « مبادرة السلام العربية تتضمن مكونات حيوية يمكنها أن ترمم مفاوضات بناءة ».. وهذا نفسه ما أكد عليه بشكل مفاجئ ليبرمان الذي أيّد كلام نتنياهو « ..بما في ذلك حل الدولتين.. وخطاب بار إيلان الشهير ».. وهذا يقودنا إلى أن هذه التصريحات « المعتدلة » تجاه عملية التسوية هدفها امتصاص ردود الفعل ومنها تقرير الرباعية الدولية التي سيتحدث عن تهديد السياسات الاستيطانية لعملية « السلام » وفرص قيام دولة فلسطينية قابلة للحياة... وفي ظل فرض الوقائع « الإسرائيلية » على الأرض. وتتحدث تقارير عن وجود نية لدى الرئيس الأمريكي باراك أوباما، وبعد الانتخابات الرئاسية المقبلة، أن يعرض تصوراً للحل النهائي أو أن يقوم بتقديمه لمجلس الأمن، أو أن يسمح بتقديم مشروع قرار يدين الاستيطان ويجدد التزام المجتمع الدولي بمعايير حل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي والتأكيد على  « حل الدولتين »، وهذا ما يثير مخاوف نتنياهو الذي يعمل على مواصلة الإستيطان وإحباط قيام دولة فلسطينية غربي نهر الأردن قابلة للحياة. ورغم ذلك يُبقي نتنياهو العين « الإسرائيلية » مفتوحة باتجاه إنجاز تسوية مع الدول العربية وتحقيق التطبيع معها! وهو ما حذّر منه رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس، داعيًا أن يكون التطبيع مع الدول العربية والإسلامية بعد إنجاز التسوية مع الفلسطينيين لا قبلها.

وفجأة تصحو الدبلوماسية الفرنسية على « مبادرة للسلام » وتعمل على تسويقها عبر مؤتمر في باريس، دون أن يعني ذلك حصول أي تغيير في موازين القوى الموجودة والظاهرة، أو طرح أفكار جاهزة يمكن فرضها على طرفي « النزاع ». وبدا مبكراً أن هذه « المبادرة الفرنسية »، تتساوق مع الجانب « الإسرائيلي » بشكل كبير، وتعَزَّز ذلك وظهر للعلن مع رفض رئيس الوزراء « الإسرائيلي »، بنيامين نتنياهو، لهذه المبادرة.

ولاحقاً، أثارت التصريحات الفرنسية التي ظهرت مبكرا، عقب رفض نتنياهو للمبادرة، الصدمة فعلاً، فخلال زيارة رئيس الوزراء الفرنسي مانويل فالس لـ « إسرائيل »، دعا خلال مقابلة مع صحيفة « يديعوت أحرونوت » العبرية « الدول العربية للاعتراف بإسرائيل » من أجل « دفع العملية السياسية في المنطقة ». وأكد أن « أمن إسرائيل يُشكل الشغل الشاغل لفرنسا وشرطاً للتقدم في عملية السلام »، واعتبر أن الهدف من المبادرة الفرنسية هو « منع تدهور الأوضاع وحدوث جولة أخرى من العنف والحرب بين إسرائيل والفلسطينيين ». وأكد أنه صديق شخصي لـ « إسرائيل »، وأنه يراعي « مصالحها وإحتياجاتها الأمنية ». وقبله أعلن وزير خارجية فرنسا تراجع بلاده عن « شرط الاعتراف بدولة فلسطين في نهاية العملية السياسية كشرط أساسي للمبادرة، سواء تكللت هذه العملية بالنجاح أو الفشل ».

أما خطاب الرئيس السيسي فقد خرج بجملة تصورات تدعو إلى الالتزام بالمبادرة العربية المعلنة منذ العام 2002 في بيروت، والتي رآى الكثيرون أنها تتكامل مع المبادرة الفرنسية. ورأى نتنياهو في المبادرة العربية أساسًا يمكن التفاوض بشأنه مع لحظ « التغييرات الدراماتيكية في المنطقة منذ العام 2002 » ومن ضمنها (عدم البحث بقضيتي الجولان واللاجئين ـ حسب القناة العاشرة الإسرائيلية ـ، ومواجهة الخطر الإيراني وانتشار الإرهاب)، واعتبر ليبرمان أن « في المبادرة العربية عناصر إيجابية، تسمح بالحوار ».

كما دعا السيسي الفصائل الفلسطينية، إلى « التوحد وتحقيق مصالحة حقيقية »، مبدياً استعداد بلاده للعب دور الوساطة بين الفصائل. وكان أول المستجيبين لذلك، وفد من حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين، يضم الأمين العام للحركة الدكتور رمضان عبد الله شلح، ونائبه زياد النخالة، حيث بحث مواضيع عدة من بينها المصالحة ومعبر رفح..

ويبقى السؤال هل يمكن الوصول لاتفاق « سلام » بين العرب و« إسرائيل » قبل حصول ذلك على الصعيد الفلسطيني؟

يبدو أن التحركات « الإسرائيلية » تسعى إلى تحقيق « سلام » وتطبيع مع الدول العربية، قبل أن يتم ذلك مع السلطة الفلسطينية. وقد تحدث وزير الماليّة « الإسرائيلية » ورئيس حزب « كلنا »، موشي كحلون، أن « إسرائيل تتجه لدخول مسار سياسي إقليمي »، ودعا زعيمَ المعارضة « الإسرائيليّة » ورئيس « المعسكر الصهيوني »، إسحاق هرتسوغ، إلى الانضمام للحكومة للمشاركة في هذا المسار. كما كشفت مصادر سياسية « إسرائيلية » في القدس المحتلة أن المشاورات العربية « الإسرائيلية » حول « عملية السلام » تأخذ بعدًا جديًا، وأن تلك المحادثات تتطرق إلى مواضيع هامة تتعلق بمستقبل المنطقة و« السلام » مع الفلسطينيين في ظل تغييرات كبيرة يشهدها الشرق الأوسط.

إن ما يحصل من تحركات يهدف إلى إكساب « إسرائيل » المزيد من الوقت للسيطرة على كل الضفة الغربية (المنطقة ج المحددة في اتفاق أوسلو التي تبلغ مساحتها نحو‏60%‏)، وكل منطقة ترى فيها « إسرائيل » ضرورة لأمنها (غور الأردن‏،‏ وهي المنطقة الحدودية بين شمال الضفة الغربية والمملكة الأردنية)، والتمهيد لإعلان الضفة الغربية كلها جزءا من أرض « إسرائيل » تحت اسم « يهودا والسامرة ».. ولكن يبقى الشعب الفلسطيني وانتفاضته ومقاومته حجر عثرة في وجه كل مشاريع تصفية القضية الفلسطينية.

كلمات دلالية