جميع أعضاءه متطرفين

خبر « الكابينت » الإسرائيلي: نتنياهو المعتدل الوحيد!

الساعة 04:42 ص|23 مايو 2016

فلسطين اليوم

بين أكثر التعابير رواجاً في « إسرائيل » القول بوجوب إبقاء الجيش بعيداً عن اليمين واليسار، أي بعيداً عن الأيديولوجيا والسياسة. لكن نشأة الجيش « الإسرائيلي » كانت سياسية، وكان على الدوام جزءاً من اللعبة السياسية في الدولة العبرية.

ومع ذلك، ومع مرور السنين، وتبلور معايير أكثر «ديموقراطية» في الأداء « الإسرائيلي » الداخلي العام، تراجعت الأيديولوجيا لمصلحة أفكار عامة، وصار الحديث يدور عن جيش احترافي. ولكن حتى الآن يصعب الحديث عن وجود جيش احترافي بعيد عن الأيديولوجيا في مجتمع قائم على الأيديولوجيا والإصرار عليها.

ومع ذلك، وبعد استقالة موشي يعلون من وزارة الجيش، واتضاح أن هذا المنصب سيسلم لواحد من أبرز الفاشيين في « إسرائيل »، عاد الحديث عن الأيديولوجيا في الجيش والمؤسسة الأمنية. لكن الأيديولوجيا هذه المرة صارت تختفي تحت قاعدة إمرة الجيش بيد السياسيين، وهو خاضع للقيادة السياسية.

وصارت هذه العبارة تخفي معاني كثيرة، أبرزها رفض تدخل الجيش، ليس فقط في السياسة بل أساساً في تحديد القيم الاجتماعية. وطبيعي أن هذا يخالف عقيدة الجيش « الإسرائيلي » الصهيونية، وكونه «جيش الشعب» الذي يرفض أن يكون جيشاً لهذه الحكومة أو تلك، أو لهذا الحزب أو ذاك.

ورغم ذلك صدمت استقالة يعلون، والتوجه لتعيين أفيغدور ليبرمان في منصب وزير الجيش، القيادة العسكرية والمؤسسة الأمنية الإسرائيلية عموماً. وتحدث البعض عن تبخيس قيمة الأمن، حتى أن معلقاً عسكرياً مشهوراً، هو روني دانييل في القناة الثانية، وهو قائد كتيبة سابق، قال إنه بات لا يتمنى أن يعيش أولاده في هذه الدولة. وبديهي أن مواقف كهذه أثارت سجالات طويلة خلال الأيام الماضية، لكن ما هو أهم من ذلك واقع أن غياب يعلون وطريقة تعامل رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو مع وزارة الجيش دفع الكثيرين للتساؤل عن مستقبل الأمن، والعلاقة بين القيادتين السياسية والعسكرية، وأثر ذلك على مستقبل الدولة العبرية.

وطبعاً هناك من يقولون إن الأوضاع ستغدو أفضل، وإن الأمن سيستتب. بل هناك من يفترض أن وصول متطرفين، مثل ليبرمان، إلى مثل هذا الموقع سيقود إلى تلطيف الأجواء، وربما العودة إلى العملية السياسية وتحقيق اختراقات سلمية مع الفلسطينيين ودول عربية. ويناقض آخرون هذا الكلام مظهرين الفارق مثلا بين مناحيم بيغين، الذي كان زعيماً، ونتنياهو الذي يراقب كل ساعة استطلاعات الرأي ومزاج الشارع ويتصرف وفقاً لذلك.

ومع ذلك، من الوجهة الموضوعية قاد التغيير السياسي الأخير إلى تغيير صورة القيادة السياسية المشرفة على القيادة العسكرية، وهي هنا المجلس الوزاري المصغر والمعروف بـ «الكابينت».

وحتى وقت قريب كان هذا المجلس يعاني من تفوق المتطرفين فيه، ما دفع شخصاً متطرفاً مثل موشي يعلون نفسه، للظهور بمظهر المعتدل والكابح للنزعات المغامرة. والواقع أن جانباً من صورته هذه نالها بفضل تبنيه لمواقف القيادة العسكرية ودفاعه عنها في مواجهة المتطرفين في اليمين. وبديهي أن هذه الحال ستتغير مع غيابه، لدرجة اندفاع البعض للقول إنه من الآن فصاعداً سيغدو نتنياهو نفسه صوت الاعتدال في حكومته والكابح أمام المغامرات التي يطالب بها من هم أشد تطرفاً.

وفي كل حال، وعلى هامش العاصفة السياسية الدائرة حالياً، قرر نتنياهو تعيين وزير البناء الجنرال احتياط يؤآف غالنت عضواً ثابتاً في الكابينت. فاستقالة يعلون تعني خلو الكابينت من أي شخصية ذات تاريخ عسكري، وقد رأى نتنياهو ضرورة تعبئة هذا الفراغ بإحضار الجنرال غالنت وهو من حزب «كديما». وتقريباً، للمرة الأولى في تاريخ الحكومات الإسرائيلية، كان الكابينت سيخلو من عسكري رفيع المستوى.

وبالعموم فإن وزير الدفاع الإسرائيلي الجديد أفيغدور ليبرمان لم يخدم في الجيش الإسرائيلي سوى لعام واحد، وأدى خدمته الاحتياطية كجندي في المخازن. أما زعيم «البيت اليهودي» نفتالي بينت فأنهى خدمته العسكرية برتبة رائد، ما جعله، وفق موقع «والا»، الشخص الأعلى رتبة عسكرية في الكابينت بعد استقالة يعلون.

ومن المهم ملاحظة أن العسكري الأرفع مرتبة حالياً في الكابينت، وهو الجنرال غالنت، سبق له أن أبدى موقفاً حاداً ضد تعيين ليبرمان وزيراً للدفاع. وكان ذلك أثناء الانتخابات الأخيرة، حين كان هذا بين شعارات ليبرمان الانتخابية وبين أول مطالبه في المفاوضات الائتلافية. وحينها كتب «أعتقد أنه ليس بوسع ليبرمان أن يكون وزيراً للدفاع في دولة إسرائيل. وأعتقد أن الأمور يجب أن تكون أيضاً أكثر مسؤولية، وأكثر جدية وأكثر مهنية. وأقترح ألا نضع في مناصب حساسة، لا في المالية ولا في الدفاع، أشخاصاً ذوي اهتمامات بعيدة عن المنصب».

وعموماً، فإن الكابينت الإسرائيلي الجديد يختلف عن الذي أدار مثلاً الحرب على غزة قبل عامين، حين كان بين أعضائه اسحق اهرونوفيتش الذي خدم في الشرطة 30 عاماً ورئيس «الشاباك» السابق يعقوب بيري، فضلاً عن يعلون، وبمشاركة رئيس مجلس الأمن القومي سابقا الجنرال يعقوب عاميدرور. واليوم ليس في رئاسة الحكومة مستشار للأمن القومي، ما يجعل عديد المشاركين في المداولات الأمنية من ذوي الخبرة ضئيلاً جداً.

وفي نظر المعلق السياسي لموقع «والا» فإن الكابينت الجديد يختلف عن سابقيه، ليس فقط في منسوب الخبرة بل في مقدار تطرف أعضائه. واليوم سيكون فيه متطرف يدفع متطرفاً، بل إن صاحب الخبرة الأمنية الأوسع فيه، الجنرال يؤآف غالنت، كان ولا يزال يحمل مواقف لا تبتعد كثيراً عن مواقف ليبرمان ونفتالي بينت. وهذا يجعل وزير المالية موشي كحلون الرجل الأقرب إلى تبني مواقف المؤسسة العسكرية. وفي كل حال، واضح أن نتنياهو، لاعتبارات كثيرة، سيتحول إلى الرجل الكابح والمتوازن في الكابينت الجديد.

كلمات دلالية