خبر الغضب « الإسرائيلي » من « العمال » البريطاني: دفاتر علاقات الصهيونية بالنازية

الساعة 05:13 ص|03 مايو 2016

فلسطين اليوم

لا يعتبر الهجوم الإسرائيلي، الرسمي والإعلامي، على حزب « العمال » البريطاني مفاجئاً، على أثر تصريحات عمدة لندن السابق، كين ليفنغستون، بشأن كون الزعيم النازي أدولف هتلر « صديقاً للصهيونية »، أو « صهيونياً »، بل هو امتداد عملي لتراجع العلاقات بين إسرائيل بقيادة اليمين الإسرائيلي، ممثلاً برئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، وبين بريطانيا الليبرالية ككل، لا « العمال » فقط. وذلك على أثر التطور (وفق المفهوم العربي والفلسطيني، مقابل التراجع الخطير، وفق المفهوم الصهيوني والإسرائيلي) المتراكم في موقف الحزب، أو أقلّه عناصر بارزة فيه، في العقد الأخير، بعد عهد رئيس الحكومة السابق توني بلير، في كل ما يتعلق برفض الاحتلال الإسرائيلي، وممارساته وجرائم الحرب الإسرائيلية في الضفة الغربية المحتلة، وبشكل أكثر تحديداً في قطاع غزة.

وتعزز ذلك مع تحول لندن وجامعاتها إلى معقل لنشاط حركة المقاطعة الدولية، وتراجع التأييد العام والتلقائي لدوائر وشرائح واسعة في بريطانيا للمواقف الإسرائيلية، مع اعتماد إسرائيل في العقدين الأخيرين، على الدعم الرسمي، لا الشعبي، في بريطانيا لها. وهو ما تجلى بشكل خاص في تشريع قوانين بريطانية بدعم حكومات المحافظين ضد إمكانية تقديم أي من المسؤولين الإسرائيليين للمحاكمة بتهم « جرائم الحرب »، والتحايل على القوانين القائمة، عبر إبقاء المسؤولين الإسرائيليين، كما في أكثر من مناسبة داخل الطائرات، وعدم إنزالهم لأرض المطار تحت السيادة البريطانية، كي يتسنّى تهريبهم من نصوص وطائلة مذكرات التوقيف الرسمية.

لكنّ لتصريحات ليفنغستون بُعداً آخر لأنه يمسّ عملياً عصباً حساساً في تاريخ الصهيونية وإسرائيل، وهو طبيعة وحقيقة تعاون « الحركة الصهيونية »، تحديداً التيار العمالي فيها بقيادة دافيد بن غوريون، مع الحركة النازية، ومع الرايخ الثالث، في العقد الثالث من القرن الماضي، أقلّه، قبل توجه الرايخ الثالث إلى « حل المشكلة اليهودية » من خلال الإبادة الجماعية في أفران الغاز.

ويفتح هذا العصب الحساس أوراق « الحركة الصهيونية »، وتاريخ الخلاف بين تياريها الرئيسيين، العمالي بقيادة بن غوريون والتنقيحي (اليميني) بقيادة زئيف جابوتينسكي. مع العلم أن التيار اليميني في « الحركة الصهيونية » الذي قاده جابوتينسكي، ويمثله اليوم نتنياهو (كان والده البروفيسور والمؤرخ بنتسيون نتنياهو المساعد الخاص لجابوتينسكي)، كان أول من اتهم التيار اليساري المؤسس لدولة إسرائيل، بأنه تعامل مع النازية وأبرم معها الاتفاقيات المختلفة لترحيل اليهود من أوروبا إلى فلسطين.

وهو اتهام تلقّفه لاحقاً التيار الحريدي مع اتهام إضافي هو أن الصهيونية، بتعريفها لنفسها كـ« حركة علمانية وحركة تحرر قومي »، لم تلقَ بالاً لمصير اليهود الحريديم، في أخف تعبير. بل ربما كان مريحاً لها اختفاء عشرات ومئات آلاف اليهود الحريديم، الذين كانوا صورة عن « يهود الغيتوهات » أو يهود المهجر.

في هذا السياق، نشر حاييم شاليف في صحيفة « هآرتس »، أمس الاثنين، تقريراً عن العلاقات بين الصهيونية والنازية، في محاولة الاعتراف بالجزء للتستر على الكل، ومحاولة التقليل من شأن هذه العلاقات وعمقها. واستهلّ شاليف مقاله، بالإشارة إلى أن « أدولف إيخمان (من كبار قادة النازيين أيام هتلر) هو الذي كان قد أعلن عن نفسه صهيونياً، لا هتلر. وأن إيخمان رعى اتفاقاً لتهجير اليهود إلى فلسطين، كحلّ بديل عن إبادتهم ».

وتطرّق شاليف إلى كتابٍ وضعه الناشط والكاتب الماركسي لني بيرنير، تحت عنوان « الصهيونية في عهد الدكتاتوريين »، وأيضاً إلى أطروحة رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس، التي قدّمها لمعهد موسكو عام 1982 عن العلاقات بين الصهيونية والنازية. كما أشار شاليف إلى أن اليسارية اليهودية الاشتراكية حنة أرندت، كانت قد أسهبت خلال تغطيتها لمحاكمة إيخمان في إسرائيل في خمسينيات القرن الماضي، إلى جوانب مختلفة من العلاقات النازية ـ الصهيونية، مما عرّضها لغضب وشتائم معارضيها.

وأقرّ شاليف بوجود الاتفاق الرسمي بين الصهيونية وقادة الرايخ الثالث الذي أُبرم عام 1933 بين « نقابة العمال » الصهيونية في ألمانيا وبين النظام الألماني، وتبنّته « الحركة الصهيونية » رسمياً في مؤتمرها التاسع عشر في لوزان، في سويسرا عام 1935. وقد وفّر الاتفاق المذكور بشأن بيع اليهود لممتلكاتهم لألمانيا والهجرة إلى فلسطين، على المشروع الصهيوني في ثلاثينيات القرن الماضي، وهو في أوج أزمته الاقتصادية، نحو 8 ملايين جنيه استرليني بشكل مباشر و6 ملايين أخرى بشكل غير مباشر، توازي في قيمتها اليوم نحو مليار ونصف المليار دولار. وبحسب شاليف فإن نحو 60 ألف يهودي ألماني استفادوا من هذا الاتفاق وشملهم، بينهم والدته، التي استفادت من اتفاق مماثل أبرم لصالح الطلاب اليهود الذين كانوا في تشيكوسلوفاكيا السابقة (انقسمت اليوم إلى دولتين: تشيكيا وسلوفاكيا) في تلك الفترة.

ومع إبرام الاتفاق وتبنّيه من قبل قيادة الحركة الصهيونية، سارع جناح التنقيحيين إلى اتهام قادة « الحركة الصهيونية » في فلسطين، بالتعاون مع النازية، ليس هذا فحسب بل باتهامهم بمسؤولية إفشال أي محاولة لفرض المقاطعة الدولية على ألمانيا النازية. كما أدت هذه الاتهامات وما تبعها من تحريض ضد التيار المركزي في الصهيونية، إلى تنفيذ أول عملية اغتيال سياسي في تاريخ الصهيونية، وهي اغتيال حاييم أرلوسوروف لدوره في التوصل إلى الاتفاق.

وقد اغتيل أرلوسوروف بعد توجيه الاتهام له من قبل تيار جابوتينسكي، بالتعامل مع الرايخ الثالث وإبرام صفقات مع الحركة النازية، تقوم على أساس السماح ليهود ألمانيا ببيع ممتلكاتهم في ألمانيا والهجرة إلى فلسطين. وهو اتفاق أُبرم مع قادة النازية، وصادق عليه أدولف هتلر لاحقا، قبل التحول إلى جريمة إبادة اليهود كلياً.

وتقود جريمة اغتيال أرلوسوروف ، بشكل غريب أيضاً إلى والد نتنياهو، بنتسيون، الذي سارع للدفاع عن اتهام بن غوريون لجماعة حركة « حلف الأشقياء »، الفاشية وعلى رأسها أبا أحي مئير، بالمسؤولية عن اغتيال أرلوسوروف.

وتفسر هذه المسألة هنا، في هذه الجزئية بالذات الغضب، الذي عمّ إسرائيل بعد تصريحات نتنياهو الابن، أي رئيس الحكومة الحالي، قبل أشهر عدة، أمام المؤتمر الصهيوني في القدس المحتلة، ضد مفتي فلسطين، أمين الحسيني، واتهام نتنياهو له بأنه هو من زرع فكرة إبادة اليهود في رأس هتلر، وأن الأخير لم يكن يريد إبادة اليهود، بل فقط طردهم من ألمانيا.

وقد عادت الصحف الإسرائيلية أمس وأشارت إلى أن ليفنغستون استعان في تصريحاته بشأن هتلر، واعتمد، على الأقل حسب ادعائه، على تصريحات نتنياهو، التي أثارت ضده حفيظة الصحافة الإسرائيلية والمؤسسة الأكاديمية، التي لا تزال تشكل معقلاً لتيار الصهيونية التاريخية العمالية، إلى حد ما، وتتحفظ من فتح ملف العلاقات بين الصهيونية العمالية وبين النازية.

 

وفي هذا الإطار، ذكرت « هآرتس »، أن زعيم الليكود، رئيس أول حكومة لليكود في عام 1976، مناحيم بيغن، اعتاد تعذيب بن غوريون، ووخزه ولسعه باستمرار، والتلميح إلى الصفحة السوداء في تاريخ الصهيونية العمالية وعلاقاتها بالنازية. وقد انتقد بيغن اتفاق التعويضات الذي أبرمته حكومة بن غوريون عام 1952 مع الحكومة الألمانية تحت قيادة المستشار الألماني، كونراد أديناور، دفعت بموجبه حكومة ألمانيا الغربية لإسرائيل بين عامي 1953 و1963، أكثر من 3 مليارات مارك، كتعويض عن معاناة اليهود تحت الحكم النازي، وعن قتلهم في أفران الغاز النازية.

واعتبر بيغن يومها أنه « من العار أن تقبل دولة الشعب اليهودي، ثمناً عن أبنائها الذين قُتلوا في أفران الغاز »، تماماً مثلما كان قد اعتبر أن الاتفاق الذي وقّعته الصهيونية مع هتلر والقيادي النازي هيرمان غورينغ، قد مهّد الطريق أمام دول العالم للتعامل مع ألمانيا النازية.

والواقع أن تهمة « التعاون مع النازية »، كانت جزءاً من ثقافة المناكفات والتراشق السياسي والإعلامي في البرلمان والسياسة الإسرائيلية خلال فترة الستينيات والسبعينيات، بين بن غوريون من جهة وأنصار بيغن من جهة أخرى. بل إن هذه الثقافة كانت أيضاً وراء جريمة الاغتيال السياسي الثانية التي وقعت في إسرائيل في الستينيات، وطاولت شخصية إسرائيلية بارزة من تيار الحركة الصهيونية العمالية هو يسرائيل كاستنير، من قادة يهود المجر الذين هاجروا إلى فلسطين، وعُيّن بعد حرب النكبة ناطقاً بلسان وزارة التجارة والصناعة الإسرائيلية عام 1957.

وقُتل كاستنير بعد اتهامه، عبر نشرات وزعها يهودي مسن، من أصول مجرية، ادعى فيها أن « كاستنير تعاون إبان الحرب العالمية الثانية (1939 ـ 1945)، بعد سقوط المجر، مع الحكم النازي، وكان مسؤولا بشكل غير مباشر عن إبادة يهود المجر، ونهب أملاكهم وأموالهم ».

كلمات دلالية