خبر رأس كبير -يديعوت

الساعة 10:41 ص|22 مارس 2016

فلسطين اليوم

على ماذا بكي دغان

بقلم: أمنون أبرموفيتش

(المضمون: دغان عثر على نقاط الانكسار الاسرائيلية: الانهيار في داخل دولة ثنائية القومية، دولة ابرتهايد، التآكل في الاسناد الاستراتيجي، الفوارق الاجتماعية، المركز والمحيط. على كل هذه وليس على ايران تحدث واشتكى، بكى وذرف الدمع في خطابه الاخير - المصدر).

في بداية 2002 هاتفني مئير دغان وسأل بصوت منخفض ومؤدب اذا كنت مستعدا لان اساعده على تعبئة نماذج للاعتراف به كمعوق من الجيش الاسرائيلي. بالتأكيد، بسرور، قلت. فهو لم يصدق في حينه، وكذا من يعرفه لم يقدر، بأن بانتظاره محاولات افتراء. بعد بضعة اشهر هاتفني مرة اخرى، هذه المرة بصوت عال وصارخ: أسمع أنك تقول لاريك (شارون) ان شلومو يناي يجب أن يكون رئيس الموساد؟ نعم، صحيح، قلت. شعرت براحة تامة في أن أرد هكذا لانه مؤخرا فقط وبناء على طلبه أرشفت ملفه في قسم التأهيل وليس في قسم الاحباط. واذا كان اعتبر نفسه كمن مر زمنه، من السابقين، فما كان سبب يجعل المحيطين به يتعاطون معه بشكل مختلف. فرد بكلمات ليست نقية. فقد كانت له لغة متنوعة جدا.

لم يكن فخار دغان على كونه رئيس الموساد بل على كونه رأس كبير. ليس فقط بسبب نزعة قتالية عملياتية بل أساسا بسبب الشجاعة المدنية. ان يقول ما يفكر به، مباشرة وباستقامة، دون الاحتساب كيف سيستقبل هذا وما الذي سيكسبه او بالاحرى سيخسره.

نحن، الصحافيين، نميل الى اجراء المقارنات شبه العلمية بين رؤساء اذرع الامن على أساس معطيات جزئية ومتحيزة. وهذا يتعلق بالمكان الذي نضع فيه آذاننا، من يُسمعنا الكلام وما الذي نريد نحن أن نسمعه. وفي الآونة الاخيرة أشار صحافيون يمينيون الى ثغرة واسعة في الموقف من دغان قبل أن تُعرف اراؤه وبعد أن عرفت. قبل أن يخرج علنا ضد الحكومة وبعد ذلك. وبالاجمال كانوا محقين: فالاقتباسات التي نقلوها كانت دقيقة. من هذه الناحية، الصحافيون هم كالسياسيين يحسنون لمن يحسن لهم وعند الامساك بهم، يسيئون لمن يسيء.

عندما خرج دغان ضد الحكومة، كان هناك سياسيون من اليمين، ميري ريغف مثلا، ممن تحدثوا عنه وكأنه « يحطم الصمت » خائن أو متسلل سوداني عنيف. وكان هناك من طلب اعتقاله للتحقيق الجنائي حقا. فدافع رجال مكتب رئيس الوزراء عن أنفسهم وعلقوا اضطرارا انتقاده على الاحباط لكونه لم يتلقَ زعما سنة اضافية في المنصب.

لقد عمل دغان تحت إمرة ثلاثة رؤساء وزراء. مع ايهود اولمرت طور علاقات صداقة وثيقة وتمتع لديه من مساحة عمل مطلقة. اما نتنياهو اعتقد انه كان رئيس موساد ممتاز، ولكن لسنة واحدة أكثر مما ينبغي. ثمة في هذا شيء ما. فسنته الاخيرة في المنصب كانت اشكالية. ودغان، من جهته، اعتقد وقال بصوت عال ان نتنياهو محصور في ذاته، في بقائه، وأن مصلحته الشخصية تسبق كل شيء، وان عقده الزمني هو عقد ضائع. شارون أحبه وقدره، ولكنه أبقاه على مسافة قريبة منه. في بداية طريقهما كرئيس وزراء ورئيس موساد، في لقاء العمل الذي بلغ فيه عن النشاط، كان شارون، الذي أحب ان يفاجيء لا أن يكون متفاجئا – مندهشا وغاضبا. وعندما عاد دغان الى مكتبه، وجد فاكسا مع سطر يلخص اللقاء: من الان فصاعدا كل عملية على مستوى متوسط، كانت حتى اليوم بصلاحية رئيس قسم، لن تتم الا بإذن رئيس الوزراء.

في السنوات الاخيرة وبقوة أكبر بعد وفاته تسجل في صالحه حرب منعها مع ايران. اليوم أيضا، بمسافة السنين، من الصعب أن نعرف اذا كان الخلاف حقيقيا أم وهميا. فلو كان هناك من سعوا حقا الى قصف مواقع ومخزونات في أرجاء ايران، أم ان كلهم اعتقدوا بان الهجوم العسكري هو كثير المخاطر وقليل الفرص والخلاف كان تكتيكيا ولفظيا. لقد وصف دغان ايهود باراك بانه « خبير في خلق الدراما ». فهل اولئك الذين ايدوا ظاهرا، نتنياهو وباراك، سعوا الى تضليل واغراء الادارة الامريكية للقيام بعمل ما، فيما أن المعارضين، بيرس، اشكنازي، دغان وديسكن، اعتقدوا بانه محظور على الذيل الاسرائيلي أن يهز الكلب الامريكي، وأن خطأ كبيرا هو اقامة سياسة الخارجية والامن لدينا على العنصر الايراني، وان خسارة على مليارات الدولارات التي تلقى الى القمامة. بيرس، الذي يفهم شيئا أو اثنين في النووي وفي العلاقات الخارجية، كان مقتنعا في حينه بان « دغان، اشكنازي وثالث يسمى يوفال يستحقون جائزة اسرائيل »

ليس الموضوع الايراني هو الذي أقلق دغان بل مشاكل أعمق. وهنا، كما هو دوما، كانت يد السياسة هي العليا، لاسفنا ومصيبتنا، والخبراء يقولون ما تقول لهم قلوبهم. دغان، كسلفيه شبتاي شفيت وافرايم هليفي ومواصله تمير باردو، مثل معظم قادة الجيش الاسرائيلي، الموساد والشاباك – عثر على نقاط الانكسار الاسرائيلية: الانهيار في داخل دولة ثنائية القومية، دولة ابرتهايد، التآكل في الاسناد الاستراتيجي، الفوارق الاجتماعية، المركز والمحيط. على كل هذه وليس على ايران تحدث واشتكى، بكى وذرف الدمع في خطابه الاخير.