تمرُ الأيام سريعاً، وفي كل إشراقه صباحٍ جديد تعود بنا الذاكرة إلي أيامٌ خَلا فيها رجالٌ لله، كانت تتزين برؤيتهم الوجوه، فهم كالشمسِ في ضحى الصباح المُشرق، وفي الليل الكاحل كدُجى القمر المضيء، يبتسمون للحياة رغم بأسها، ويعيشون في كنف الشهادة مُستلين سلاح الوعي والإيمان والثورة.. إنها ذكرى استشهاد م. حسن زياد شقورة.
ثمانية أعوام مرت كلمح البصر على رحيل الزميل « حسن »، وأقرانه محمد الشاعر، وباسل شابط، عندما تناثرت أشلاؤهم الطاهرة على ارض غزة، وروَّت دماؤهم تراب فلسطين، وعلى الرغم من الأعوام الثمانية لرحيل البطل إلا أن ذاكرة من عرفوه وتعاملوا معه لازالت مفعمة بسيرته الطيبة الحميدة.
« حسن شقورة » ذلك الشاب اليافع الذي يذكره كل من يعرفه، بدينه وأخلاقه وعمله المتقن وروحه المرحة، وابتسامته التي كانت تزين وجهه البريء، والذي استطاع أن يجمع حوله أصدقاء وأحباب أتعبهم فراقه، كان على موعد مع الشهادة يوم السبت الموافق 15/3/2008 م، خلال تصويره لعملية إطلاق صواريخ على المغتصبات الصهيونية.
وكان لـ« حسن » باع كبير في الإعلام المقاوم لحركة الجهاد الإسلامي حيث عمل في صحيفة الاستقلال وإذاعة صوت القدس ووكالة فلسطين اليوم الإخبارية ومسئولاً للإعلام الحربي التابع لسرايا القدس في غزة وشمال القطاع، كما أنشأ موقع سرايا القدس (الإعلام الحربي).
الابن البار
« أبو إياد » شقورة والد الشهيد الزميل الشهيد « حسن » يقول عن الصفات التي كان يتحلى بها نجله :« حسن كان منذ صغره ملتزماً بالصلوات الخمس والعبادات في مسجد الشهيد عز الدين القسام الذي تربى فيه، وكان نعم الابن البار بوالديه والمطيع لهما، وكان محباً للخير للجميع، وتربطه علاقة قوية بالجميع ».
وأوضح والده أن حسن اكتسب حسن خبرة واسعة في مجال عمله الالكتروني بحكم عمله في « الإعلام الحربي » وإذاعة القدس وصحيفة الاستقلال ووكالة فلسطين اليوم، فكان عقله فطناً وذكياً، فأبدع في عمله.
ويضيف: حسن تمتع بحبه الشديد للجهاد منذ طفولته وكان يكره أعداء الله اليهود لما كان يشاهده ويسمعه عن جرائمهم البشعة بحق الإنسانية جمعاء، كما أنه كانت تربطه علاقة قوية بالشهداء الذين رافقهم منذ نعومة إظفاره أمثال الشهيد أنور الشبراوي، وعبد الله المدهون، ومعين البرعي، وعلاء الكحلوت، وكمال رجب« .
وتذكر »أبو إياد« موقفاً ينم على تعلق الشهيد حسن بالله وبالمسجد منذ صغره، قائلاً: » كنت ومنذ طفولة حسن رحمه الله أخذه معي إلى مسجد الشهيد عز الدين القسام، فكان مؤذن المسجد رحمه الله عندما يرى حسن بجلابيته البيضاء يداعبه ويحتضنه في المسجد فقد كان يحبه كثيراً نظراً لالتزامه منذ طفولته في مسجد القسام الذي تربى فيه على موائد الذكر وقيام الليل« .
وتحدث والد الشهيد حسن عن لحظة تلقيه خبر استشهاد نجله حيث قال: » عندما تلقيت خبر استشهاد حسن تلقيته بصبر واحتساب فانتابني شعور بالفخر والاعتزاز لأنني كنت متوقعاً استشهاده في أي لحظة، فحمدت الله عز وجل وقلت إنا لله وان إليه راجعون« .
متعصب للحق
اما والدة الشهيد حسن فتقول: أكثر ما كان يتميز ابني حسن هو عصبيته للحق وصراحته، ونخوته، فضلاً عن مزاحه وضحكه وابتسامته التي كانت لا تفارق وجهه.
وتضيف والدته: كان يحب عمله كثيراً، وكنت أحاول أعرف عن طبيعة عمله بالإلحاح عليه لرؤية مايفعل، وكان يثق بي ويطلعني ليطمئن قلبي، وكنت أعرف ماذا يعمل، ولكني شعرت أن استشهاده جاء مبكراً ورحل سريعاً، ولكني موقنة أن الله أكرمه بالشهادة.
وتستذكر شقورة يوم استشهاد نجلها، حيث اعتاد على الوقوف على المرآة التي كانت في وسط المنزل لتسريح شعره، تقول: طلبت منه يومها أن يأخذ معه جهاز الكمبيوتر الخاص بشقيقه الأصغر لإصلاحه، ونظرت له نظرة طويلة، لم اعتد عليها وكانت آخر نظرة عندما ودعته يومها وهو يخرج »الله يسهل عليك« .
تقاطعها جدته التي كانت تكن لـ »حسن« حباً شديداً، حيث كانت طوال الوقت تدعو له وتطلب له المغفرة والرضى، فتقول: كل شيء في »حسن« كان حلو، طاعته وإنسانيته وحبه للناس ولشغله، كان مرضي ومحبوب وطيب.
تقول والدته: كنت يومها أحضر حفلة زفاف في إحدى الصالات وكانت زوجته بجواري وقد تلقت خبر إصابة ثلاثة مقاومين من سرايا القدس، وقد أخبرتني بذلك، وعند سؤالها عن أسمائهم وقتها لم تكن على علم، ولكن عندما بدأت ألاحظ نظرات النساء من حولي، شعرت أن المصاب لأحد من أبنائي، ووقتها أخبرت أن »حسن من ضمن الجرحى« ، وخرجنا وقتها.
وبعد لحظات شعرت أن »حسن« قد استشهد، ولم أستطع لحظتها الخروج للمستشفى لرؤيته، وعند مجيئهم به للمنزل وقبلها بلحظات طلبت من النساء اللاتي تواجدن في المنزل أن يتركني وزوجته وحدنا لنودعه.
كرامات تتكشف
وعندما أتوا به، تضيف والدته، كان وجهه يشع نوراً ودمه مازالت يسيل، ورائحة المسك تفوح منه ومن المكان كله، حتى أن هذه الرائحة بقيت في المنزل حتى بعد مرور شهر على استشهاده.
وتذكر والدة شقورة لنا حادثة حدثت معها خلال وداعها لابنها حيث تقول: عندما اقتربت منه قلت له هذه زوجتك »أمل« التي تحبها، لأفاجأ أن ابني يفتح عينيه كأنه »نوم الغزال« كما يقولون.
»لم تتوقف الكرامات بعد استشهاده، حيث كنت أشعر به بجانبي يذكرني بالصلاة على النبي وذكر الله، خاصةً عند سجودي« .. تقول والدته.
كما وظهرت كراماتٍ عدة على شهيدنا البطل بها تحفظت عائلته وقتها عن البوح بها والتي من بينها يُكشف لاول مرة بعد ثمانية اعوام، حيث كتب شقيقه الأصغر »إبراهيم« على صفحته على فيس بوك: من الأشياء التي تحفظنا على ذكرها، هي رائحة المسك العطر الذي خرج من »الجاكيت« المملوء بالدم الذي استشهد فيه وظلت الرائحة بعد استشهاده لأشهر، إلى أن وضعت بجانب جسده الطاهر بعد سنة من استشهاده.
وفي حضرة الشهداء نستحضر عدداً من صفاتهم على السنة من عرفوهم قيلت إبان الذكرى الأولى لاستشهاد حسن،،،
- رئيس ومدير تحرير وكالة »فلسطين اليوم« الإخبارية صالح المصري، قال: حسن كان بمثابة الأخ والصديق والموظف الخلوق والمجاهد العنيد ... وبصراحة شديدة أنا لم أبكي على أي من أهلي وأصدقائي الشهداء كما بكيت على فراق حسن (..) خسارة حسن بالنسبة لنا خسارة كبيرة.
- خالد منصور أحد أبرز قادة سرايا القدس في قطاع غزة، قال: في ذكرى استشهاد ثلاثة من أقمار سرايا القدس حسن ومحمد وباسل ، شرف عظيم لي أن أكتب هذه الكلمات التي لا تفي بحق من كتبوا بدمهم عز وكرامة الوطن .
- رأفت حمدونة مدير مركز الأسرى للدراسات، قال: أعترف أن ما قدمه حسن للأسرى بانجاز موقع الأسرى للدراسات فاق المؤسسات الضخمة ذات الميزانيات اللامحدودة وبعشرات الموظفين، وأن لحسن في رقاب محبي الأسرى دين لن يجازيه بحجمه إلا الله عز وجل .
أبو مجاهد »المتحدث باسم لجان المقاومة الشعبية« : للشهيد حسن دور ريادي في تطوير منظومة الإعلام الحر المقاوم والذي يتحرك للقضايا الهامة والمصيرية ويعمل على نصرتها.
- »أبو إسلام« صديق مقرب من حسن »: أقل كلمة أتحدث بها عن حسن أنه كان يمثل مشروع جهادي متكامل للأمة الإسلامية، حيث كان له بصمات واضحة ومتميزة في كل مجالات العمل التقني الذي تخصص فيه خلال انتفاضة الأقصى المباركة والإعلامي والفكري والثقافي، وكان لحسن انجازات في مجال الكهرباء والالكترونيات في العمل التقني والهندسي وتطوير العبوات الموجه.
- خالد صادق مدير تحرير صحيفة الاستقلال: لم تستغرق رحلة التعارف بيني وبينه أكثر من دقائق قليلة .. وكأني اعرفه من زمن بعيد .. ما أن صافحته حتى بادرني بابتسامة جميله صافية كزرقة السماء في ربيع يوم دافئ .. كان يجلس أمام شاشة الكمبيوتر وتتحرك أنامله على مفاتحها بخفة وسرعة وسلاسة .. أدركت انه مبدع ومتمكن ولم يخب ظني به بل كان أفضل مما كنت أتصور في هندسة الكمبيوتر .. رغم صغر سنه إلا انه كان يفرض احترامه على الجميع بتواضعه الجميل.
-أبو أحمد الناطق باسم سرايا القدس: الشهيد حسن كان مجاهدا من الطراز الأول وجمع بين الكثير من المميزات التي جعلت منه نموذجا يحتذى، ويتمتع بخبرات ومواهب كثيرة في المجال التقني العسكري، ولولا الدواعي الأمنية لذكرت كثيرا مما قام الشهيد بالمساهمة فيه من تصنيع وتطوير أفاد كثيرا العمل العسكري، وشكل رحيل حسن علامة فارقة في حياتي، حيث كانت تجمعني بالشهيد علاقة مميزة وكنت أشعر باني اعرفه من عشرات السنين.