خبر الجهاد الإسلامي يمشي على خط الشوك ..بقلم د. وليد القططي

الساعة 07:15 ص|10 مارس 2016

أدى بيان حركة الجهاد الإسلامي الذي استنكرت فيه قرار دول مجلس التعاون الخليجي اعتبار حزب الله منظمة إرهابية ردود فعل مهاجمة لموقف الحركة من أطراف محسوبة على المحور المعادي لحزب الله وسوريا وإيران  . مما اقتضى  أن يتم البحث والتمحيص في هذا الموقف الذي اتخذته حركة الجهاد الإسلامي لمعرفة خلفياته ومبرراته من خلال استقراء تاريخ الحركة ومرتكزاتها ومواقفها بما يتلاءم مع مساحة هذا المقال .

عندما انطلقت حركة الجهاد الاسلامي في فلسطين بداية الثمانينات من القرن العشرين  الماضي لم تكن الأمور محلياً واقليمياً ودولياً بهذا التعقيد في المتغيرات السياسية المتشابكة , بل كانت الأمور واضحة إلى حدٍ ما على الساحتين الفلسطينية والاقليمية وربما الدولية . ففي الساحة الفلسطينية هناك عدوٌ يحتل فلسطين أرضاً وشعباً , وهناك شعبٌ يقاوم المحتل مباشرة أو عبر أُطره الوطنية في موجات نضالية تخبو حنيناً وتشتعل أحياناً . أما الساحة الاقليمية فالأمر واضح فرغم التناقضات الكبيرة بين الدول العربية والإسلامية الاقليمية إلا أنها مجمعة على عدو مركزي للأمة مُدجج بالسلاح والعقيدة هو الكيان الصهيوني الذي يحتل فلسطين ذات المكانة الدينية المميزة مع وجود بعض الاستثناءات الشاذة - , كما انها لم تختلف على المقاومة للاحتلال مهما اختلفت راياتها فلم تضعها موضع شبهة فضلاً عن أن تناصبها العداء .

كانت الاشكالية التي حاولت حركة الجهاد الإسلامي حلها هي كيفية الجمع بين الإسلام وفلسطين والجهاد في بوتقة واحدة ومشروع واحد يجمع الشعب الفلسطيني تحت رايته ويوّحد الأمة خلفه , لتصبح هذه المحاور – الإسلام وفلسطين والجهاد – هي كلمة السر التي حددت هوية ومرتكزات ومواقف الحركة وفجّرت انطلاقتها الجهادية وثورتها المسلحة التي ساهمت بدورها في تفجير الانتفاضة الأولى , وهي نفس المعايير التي تحتكم إليها الحركة والمنهج التي تسير عليه في بناء علاقاتها وتحالفاتها مع الآخرين قُرباً أو بُعداً , فبقدر اقترابهم من الإسلام وفلسطين والمقاومة تقترب الحركة منهم وبقدر ابتعادهم عن هذه المحاور تتبعد عنهم . واستناداً إلى تلك المعايير فهي مع كل جهد يصب في دعم الوحدة الإسلامية أو العربية أو الفلسطينية , وضد كل جهد يضعفها , ومع كل جهد يؤذي ويغيظ العدو الصهيوني , وضد كل جهد يفيده ويرضيه .

ظلت الأمور كذلك حتى ازدادت الأمور تعقيداً على مختلف الساحات , ففلسطينياً لم تعدُ الأمور كما السابق واضحة فقد دخل على الخط كيان جديد هو السلطة الفلسطينية ليست بالاحتلال ولا بالمقاومة , أكبر من الحكم الذاتي وأقل من الدولة , كيان حاجز بين الاحتلال والمقاومة , وتبعها الانقسام الذي ضرب المجتمع الفلسطيني أُفقياً وعمودياً . وفي الساحة الإقليمية أتت الفوضى الهدامة الأمريكية على الأخضر واليابس فيها , فخرج ما ورد الفتن المذهبية من قمقمة , وكشّر غول الحروب الطائفية عن أنيابه , وأنطلق قطار الصراعات الإقليمية في رحلة طويلة معروفة البداية ومجهولة النهاية . وفي الساحة الدولية انتهى النظام الدولي ذو القطبين ليتبعه القطب الأمريكي الواحد ثم نظام الأقطاب المتعددة الأكثر غموضاً وتعقيداً .

وفي ظل هذا الواقع المحلي والاقليمي  لم تعد هذه المعايير المنهجية التي وضعتها الحركة لنفسها يهتم لها أي أحد إلا من رحم الله في خضم هذا البحر المتلاطم بأمواج الثورات والثورات المضادة وفي أعماق غابة من الفتن والحروب والصراعات التي أصبحت فيها الحركة تمشي على خط الشوك إن مشت عليه أدمى قدميها وإن هي انحرفت عنه سقطت في أتون نار فاغرة فمها تلتهم كل من يسقط فيها بلا رحمة ... فاتبعت سياسة النأى بالنفس عن كل تلك الصراعات تجنباً للسقوط عن خط الشوك مفضلة أن تدمى قدميها على أن تسقط في نار الحرب وظلام الفتنة , مستفيدة بذلك من تجارب فلسطينية سابقة أضرت بفلسطين القضية والشعب بسبب مواقف حركات فلسطينية كبيرة تجاه صراعات مماثلة . داعية بدلاً من ذلك إلى الحوار الوطني  في الصراعات الداخلية والحوار الاقليمي في الصراعات الخارجية للوصول إلى كلمة سواء تجمع الفرقاء على ما يوّحدهم وطنياً وقومياً ودينياً وما يحقق مصالحهم المشتركة .

ولكن سياسة النأي بالنفس لم تكن لتنفع في كل المواقف , خاصة عندما يتعلّق الأمر بأحد المعايير الأساسية التي تبنى عليها الحركة مواقفها من الآخرين , وهو هنا ( المقاومة ) , ولذلك سارعت الحركة إلى استنكار موقف دول مجلس التعاون الخليجي الذي يعتبر ( حزب الله ) منظمة إرهابية , وهي لم تكن الوحيدة في ذلك فقد سبقها ورافقها وتبعها في ذلك الكثير من الدول والحركات والمؤسسات والشخصيات , وقد عللت الحركة هذا الموقف  كما ورد في بيانها بأن هذا القرار يصب الزيت على النار , ويهدد أمن واستقرار لبنان ودول المنطقة ويخالف تاريخ حزب الله في مقاومة ( اسرائيل ) ودعم قضية فلسطين والمقاومة الفلسطينية وإنه يتلاقى مع الموقف الإسرائيلي بتصنيف حزب الله منظمة إرهابية , وإنه يناقض منهجية الحوار بين أبناء الأمة الواحدة الطريق السليم لتفكيك أزمات المنطقة , وحل الصراعات الدموية فيها كما ورد في نص البيان . وإضافة الى ذلك فان توقيت القرار يوحي أن دول الخليج تحرض (اسرائيل ) بضرب حزب الله بغطاء سياسي خاصة أنه جاء في ظل مخاوف اسرائيلية من صواريخ وأنفاق الحزب وإبداء رغبته في تدمير البنية التحتية للبنان لإيذاء حزب الله في الحرب .

ومن الطبيعي لحركة مثل الجهاد الإسلامي أن تستنكر موقف دول مجلس التعاون الخليجي من حزب الله بوصفه منظمة إرهابية مهما كان الآخرون يختلفون معه في ملفات اقليمية أخرى لها علاقة بصراع المحاور في المنطقة وتخضع للاجتهاد البشري فيما يتعلق بالخطأ والصواب كما تخضع للمبادئ المتداخلة  مع المصالح , خاصة وأن هذا القرار قد لاقى ترحيب الأوساط الإسرائيلية جميعاً وعلى رأسهم رئيس وزرائهم نتنياهو الذي علق على هذا القرار قائلاً « اننا نعتبر ذلك تحّول إيجابي مهم ومذهل للغاية , هناك دول كثيرة في منطقتنا تدرك اليوم أكثر من أي وقت مضى أن اسرائيل ليست عدوة لها بل هي تقف إلى جانبها في كفاحها ضد إيران » , وهو القرار الذي وصفته صحيفة ( معاريف ) الصهيونية بأنه « انجاز لإسرائيل » وقال بعده محرر الشئون العربية في القناة الأولى بالتلفزيون الإسرائيلي « إن العالم العربي يقترب من خلال مواقفه ضد حزب الله من الموقف الإسرائيلي » .

 وبناء على ما سبق فإن موقف حركة الجهاد الاسلامي باستنكار قرار مجلس التعاون الخليجي اعتبار حزب الله منظمة ارهابية موقف طبيعي باعتبارها حركة مقاومة لا يمكن أن يتقاطع موقفها مع عدوها وعدو شعبها وأمتها ولو بالصمت أو عدم اتخاذ موقف .