خبر من أين يبدأ التاريخ -يديعوت

الساعة 11:00 ص|29 فبراير 2016

فلسطين اليوم

درس في القدس

بقلم: ناحوم برنياع

(المضمون: يبذل جهاز التعليم جهدا هائلا في الرحلات الى بولندا. وأنا اعتذر مسبقا اذا كنت اسيء لاحد ما، ولكن يخيل لي انه من الاهم والاكثر صلة بالامر من الناحية التربوية أن تزار القدس من أن تزار اوشفتس - المصدر).

وابل من التحقير صب على قرار وزير التعليم نفتالي بينيت الاعلان عن سنة التعليم التالية كـ « سنة وحدة القدس ». تعبيران استخدمهما أثارا منتقديه – « من القدس يبدأ تاريخنا »، و « وحدة القدس ». التعبير الاول اثار الاشتباه بان وزير التعليم جاهل: القدس لم تكن موجودة عندما أخذ الشعب العبري أول خطواته على مسرح التاريخ؛ اما التعبير الثاني فانه يثير الاشتباه بعماه: القدس موحدة في الخطابات الاحتفالية لوزراء حكومات اسرائيل فقط.

ولكن القرار نفسه مشروع والتوقيت هو الاخر مشروع، مع مرور يوبيل من السنين على احتلال الايام الستة. فلن يضر التلاميذ في اسرائيل ان يكرسوا بضع ساعات، وربما بضعة ايام، في جدول اعمالهم المكثف، لعاصمة دولتهم؛ لن يضرهم ايضا ان يزوروها، فيتجولوا فيها على الاقدام، وان يناموا فيها، وهو شيء ما تجتهد معظم المدارس للامتناع عنه في فترات الارهاب. ويبذل جهاز التعليم جهدا هائلا في الرحلات الى بولندا. وأنا اعتذر مسبقا اذا كنت اسيء لاحد ما، ولكن يخيل لي انه من الاهم والاكثر صلة بالامر من الناحية التربوية أن تزار القدس من أن تزار اوشفتس.

تاريخنا لا يبدأ في القدس، ولكن الاماني للقدس، لصهيون، تشكل مدماكا مركزيا في تاريخنا. لا صهيونية بلا صهيون، لا اسرائيل بلا القدس. دافيد بن غوريون، العلماني الصرف، فهم هذا افضل من الجميع. في 1948، عندما قطع الجيش العربي القدس عن السهل الساحلي، أمر الجيش الاسرائيلي بكسر الحصار بكل ثمن. ودفع الجيش الاسرائيلي الثمن بخسائر فادحة في باب الواد وفي معارك يائسة في اللطرون، ولكن القدس اصبحت جزءا من دولة اسرائيل. أغلبية ساحقة من دول العالم اختارت الا تعترف بسيادة اسرائيل في غربي المدينة. اما بن غوريون فصد الضغط الدولي ونقل الكنيست والوزارات الحكومية الى المدينة.

رسميا، معظم دول العالم لا تعترف بسيادة اسرائيل في غربي القدس اليوم ايضا. وعندما سيتجول التلاميذ في المدينة، فلعل فتى محب للاستطلاع سيفكر بان يسأل: يا استاذ، في كل عاصمة في العالم توجد الكثير من السفارات، لماذا لا نرى سفارات في القدس؟ لماذا تسلم اسرائيل بهذه المقاطعة؟ ماذا حصل للقوة الهائلة للوبي اليهودي؟ الى اين اختفى اصدقاء نتنياهو في الكونغرس الامريكي، ممن يحبون اسرائيل اكثر من الاسرائيليين؟ الى اين اختفت تسيبي حوتوبيلي؟

عندما أوشكت حكومة ليفي اشكول على ضم شرقي القدس اودع ترسيم الخريطة في يد جنرالين هما شلومو لاهط ورحبعام زئيفي. وكانت النتيجة بائسة: فقد ضمت الى القدس ارض واسعة اكثر بثلاثة اضعاف من مساحة القدس الاردنية، وفيها احياء من رام الله، قرى زراعية، قطع من الصحراء، خيام بدوية ومخيمات لاجئين. هذا الفصل ايضا خير ان يتعلمه التلاميذ. وهم سيتعلمون كيف تملصت حكومات اسرائيل من أن تقرر ما هو مكان مئات الاف الفلسطينيين ممن ضموا الى المدينة. من جهة، جعلوا المدينة نقطة جذب لعرب الضفة، لفلسطين العليا: منحوا الفلسطينيين الذين يسكنون في المدينة الحق في العمل، حرية الحركة، الحماية القانونية، الحقوق الاجتماعية، التأمين الصحي والتأمين الوطني؛ من جهة اخرى أهملوا بشكل مروع البنى التحتية في الاحياء العربية، جهاز التعليم، انفاذ القانون. يمكن لليهود أن يعودوا الى عقاراتهم في شرقي المدينة؛ اما العرب فلا يمكنهم ان يعودوا الى عقاراتهم في غربها.

التلاميذ سيتأثرون بجمال المدينة الطبيعي، من النور والزرقة، ولكنهم سيجدون صعوبة في أن يفهموا لماذا يوجد في شوارعها، بما فيها التمثيلية، هذا القدر الكثير من القذارة. انهم السكان، سيشرح المعلم. وعندها سيكتشفون بان ديمغرافيا عاصمة اسرائيل تختلف بالفعل جوهريا عن ديمغرافيا اسرائيل كلها. القدس فقيرة؛ القدس متأصلة (مليئة بالحريديم/الاصوليين). من المسؤول، سيسأل التلاميذ، من المذنب، والمعلم سيجيبهم، هذا منوط بمن تسألون. الحريديم سيقولون: هذا ما قرره الرب تعالى اسمه؛ العلمانيون سيقولون: هذا ما قررته، عمليا، حكومات اسرائيل. القبعات المحبوكة بعثوا بها الى المستوطنات؛ العلمانيين والتقليديين الى مفسيرت، معليه ادوميم، موديعين، تل أبيب. اما القدس فتركوها للفقراء – للحريديم وللعرب.

« لم آتي لامجد قيصر، اتيت لادفنه »، يقول انطونيوس ليوليوس قيصر في شكسبير. قبل أن يأتي بينيت ليمجد القدس يجدر به أن يفحص اذا لم تكن الحكومة التي هو عضو فيها تدفنها.