خبر محور « إسرائيلي » ألماني لمواجهة المبادرة الفرنسية لحل الدولتين

الساعة 06:35 ص|18 فبراير 2016

فلسطين اليوم

شكّلت التصريحات، التي أدلت بها المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، خلال المؤتمر الصحافي المشترك مع رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، أمس الأول الثلاثاء، تتويجاً لسياسة حكومة الاحتلال، في الدعوة إلى التوصّل إلى حلول اقتصادية وتحسين ظروف معيشة الفلسطينيين، في المرحلة الحالية.

كما أن تصريحات ميركل، وخصوصاً قولها إن الوقت الحالي ليس أوان حل الدولتين، بل يجب التقدّم تدريجياً في هذه العملية، كانت بمثابة تحوّل في السياسة الخارجية الألمانية تجاه الشأن الفلسطيني، وتراجُع عن تبنّي الموقف الأوروبي العام بضرورة تبني حل الدولتين والسعي إلى دفع مثل هذا الحل، باعتباره أيضاً، وفق تصريحات ألمانية سابقة، ضمانة لبقاء إسرائيل دولة ذات أغلبية يهودية.

وجاءت التصريحات المذكورة، في سياق الجلسة السادسة المشتركة للحكومتين الألمانية والإسرائيلية، والتي انطلق أولها، في العام الماضي، بمناسبة مرور خمسين عاماً على إقامة العلاقات الدبلوماسية بين إسرائيل وألمانيا في عام 1965. وتُعتبر التصريحات الألمانية أيضاً، بما تعكسه من تحوّل ألمانيا إلى دولة مساندة لسياسة نتنياهو الرافضة للتقدّم في المفاوضات مع الفلسطينيين، بمثابة مكسب سياسي ودبلوماسي مهم لحكومة الاحتلال.

وتشهد إسرائيل بعد تصريحات زعيم المعارضة الإسرائيلية، يتسحاق هرتسوغ، بأنه لا يمكن في المرحلة الحالية التوصل إلى حل الدولتين، نوعاً من الاصطفاف المؤيد حالياً لطروحات نتنياهو بعدم تقديم الملف الفلسطيني على غيره، بحجة عدم وجود شريك فلسطيني من جهة، والاستفادة من الأوضاع العاصفة في الوطن العربي، وتغوّل نشاط تنظيم « الدولة الإسلامية » (داعش) في الوعي الأوروبي والعالمي، باعتباره الخطر الأول الذي ينبغي مواجهته حالياً، بجهد دولي مشترك، من جهة ثانية، ليزيد ذلك من تهميش الملف الفلسطيني، وسط الحديث عن مشاكل إقليمية ونزاعات دموية، وتأجيج النزاع الحالي بين الدول العربية وإيران لجهة تصويره بالحرب بين السنّة والشيعة.

ويبدو أن نتنياهو تمكّن من استغلال الأوضاع الإقليمية إلى جانب ردة الفعل الحاصلة في ألمانيا تجاه قضية اللاجئين السوريين، ونجح بتوظيف ذلك في الحلبة الأوروبية ككل لتفتيت الموقف الأوروبي المعلن بشأن المفاوضات وحل الدولتين، ومواجهة الاستيطان الإسرائيلي، عبر التعويل، وفق تصريحات لنتنياهو نفسه خلال عودته من ألمانيا، على موقف الحكومات الرسمية للدول الأوروبية، وليس المنظمات غير الحكومية، باعتبار أن الحكومات الرسمية لأوروبا تلتزم برفض مقاطعة إسرائيل.

مع ذلك لا يمكن عزل تصريحات ميركل عن كونها تعكس أيضاً نوعاً من التوجّه الجديد في سياسات إسرائيل الأوروبية، لجهة الاستعانة بمكانة ألمانيا وقوتها الاقتصادية في الكتلة الأوروبية لمواجهة المبادرة الفرنسية الداعية إلى مؤتمر دولي للسلام، يعقبه في حال فشله اعتراف بدولة فلسطين المحتلة.

وقد أوضح نتنياهو في هذا السياق، أن الموقف الألماني ليس وحيداً عملياً، ذلك أن مسؤولة العلاقات الخارجية في الاتحاد الأوروبي، فدريكا موغريني، كانت قد أبلغته في اتصال هاتفي قبل أيام، أن الاتحاد لا يُعِدّ لمبادرة جديدة، مما يعني عملياً، إذا أضيف إلى ذلك التحفّظ الأميركي الواضح من المبادرة الفرنسية، وأد المبادرة حتى قبل إطلاقها بشكل رسمي وفعال.

 

ويسعى نتنياهو من خلال تعزيز أواصر التحالف مع ألمانيا، ليس فقط إلى مواجهة المبادرة الفرنسية، وإنما أيضاً إلى استغلال النفوذ الألماني لمنع تبلور موقفٍ معادٍ لإسرائيل في الاتحاد الأوروبي، خصوصاً في ظل التأثير الألماني على سياسات دول أوروبية صغيرة، أو أقل شأناً في تأثيرها الدولي وأقل اهتماماً بالشأن الشرق أوسطي والقضية الفلسطينية، مثل رومانيا وبولندا، إضافة إلى التكتل الحوض متوسطي المُشكّل أخيراً بين إسرائيل واليونان وقبرص.

ومن الواضح أن هذا التحالف السياسي مع ألمانيا، يأتي مكمّلاً للتنسيق الأمني الوثيق بين ألمانيا وإسرائيل، وتزويد ألمانيا لإسرائيل بخمس غواصات متطورة من طراز « دولفين » قادرة على حمل رؤوس نووية يصل مداها إلى 1500 كيلومتر، وعلى ضرب مناطق مختلفة في إيران، لا سيما منشآتها النووية، وقواعدها الصاروخية، من مياه الخليج العربي. وقد تحوّلت هذه الغواصات، باعتراف قادة الجيش الإسرائيلي، الشهر الماضي، إلى « الذراع الطويلة » لجيش الاحتلال، وحلت في هذا السياق مكان سلاح الجو، في كل ما يتعلق بضرب الأهداف البعيدة (مثل إيران).

ويرتبط هذا المحور الألماني، قبل كل شيء، باستمرار توظيف إسرائيل المحرقة النازية ومشاعر الذنب الألمانية، لابتزاز برلين ليس فقط مادياً، إذ دفعت ألمانيا لغاية الآن نحو 65 مليار دولار كتعويضات للناجين من المحرقة النازية، وإنما أيضاً عسكرياً وسياسياً. وكانت إسرائيل قد ابتزت ألمانيا وحصلت على قرار ألماني بتمويل بناء غواصتين لصالح إسرائيل في عام 1991 في حرب الخليج الأولى. فبعد أن تبين أن شركات ألمانية زودت العراق بأسلحة متطورة، وكانت شريكة في مشروع العراق للأسلحة الكيماوية، اضطر المستشار الألماني آنذاك، هولميت شميت، إلى الالتزام بتمويل بناء غواصتين لصالح إسرائيل.

ويضاف إلى ذلك صعود ونجاح ميركل منذ عام 2005 بالتغلب على المستشار العمالي الاشتراكي، غيرهارد شرودر، في الانتخابات الألمانية، مرة تلو الأخرى، واعتماد سياسة خارجية موالية لإسرائيل، وإن كانت تلتزم بالموقف الأوروبي العام في الشأن الفلسطيني. وكانت ألمانيا تحت قيادة ميركل أول من أعلنت قطع العلاقات مع حكومة « حماس » في القطاع عام 2006، ما لم تعترف الحركة بحق إسرائيل في الوجود وتتنازل عن الكفاح المسلح وتلتزم باتفاقيات أوسلو. وقد زارت ميركل إسرائيل منذ انتخابها أول مرة ولغاية الآن ست مرات، حصلت خلالها على دكتوراه فخرية من الجامعة العبرية في القدس المحتلة عام 2007، وعلى وسام رئيس الدولة في فبراير/شباط من عام 2014.